سياسة

أوروبا تتجه نحو اليمين.. مشهد سياسي جديد في 2024


مقولة يكررها التاريخ، تثبت نفسها يوما بعد الآخر، فأوروبا التي عاشت صحوة أقصى اليمين في عشرينيات القرن العشرين، تعاود الكرة مجددا في الألفية الجديدة بعد انهيار “الطوق الوقائي”.

ففي عشرينيات القرن الماضي، ووسط أجواء تخيم عليها ترتيبات ما بعد الحرب العالمية الأولى وأزمات اقتصادية. بدأت أحزاب أقصى اليمين زحفها في إيطاليا وألمانيا، بعبارات قومية معادية للأجانب، لترسم الموجة الأولى لصعود هذه الأحزاب. 

أما في العصر الحالي؛ فيمكن القول إن 2024، هو عام ترسيخ أقصى اليمين أقدامه في الدول الأوروبية بعد صعود واضح العام الماضي. 

ومن هولندا إلى ألمانيا مرورا بالنمسا وفرنسا، حققت أحزاب أقصى اليمين قفزات قوية للغاية .وضعتها على مقربة من قصور الحكم بشكل غير مسبوق منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

ماذا يعني أقصى اليمين؟

 أقصى اليمين مصطلح سياسي يطلق على التيارات والأحزاب السياسية. ويتركز في أوروبا، ويتبنى نزعة قومية متشددة معادية للمسلمين واليهود والأجانب.

وأقصى اليمين القديم كان أكثر صراحة وتشددا من أحزاب اليوم، ما يظهر بوضوح عند مقارنة خطاب الحزب النازي الألماني في عشرينيات القرن الماضي وحديثه عن نقاء العرق. بخطاب أحزاب أقصى اليمين الحالية وتركيزها على الحد من الهجرة كمدخل لتقليل وجود الأجانب. 

وترتكز رسالة أقصى اليمين، على 3 أفكار أساسية: التمجيد العرقي للأمة. ومناهضة المهاجرين الأجانب، والشعبوية المناهضة للمؤسسة الحاكمة.

ويعيش أقصى اليمين موجة الصعود الثانية في أوروبا حاليا لأسباب كثيرة، إلا أن المؤكد بحسب مراقبين هو أن الأزمات الاقتصادية وما ترتب عليها من سياسات لم تخل من التقشف، وموجات الهجرة، هي العوامل الرئيسية.

جغرافيا، تنتشر أحزاب أقصى اليمين في الدول الأوروبية، وأبرزها، إخوة إيطالياً، و”القانون والعدالة” في بولندا، والتجمع الوطني في فرنسا، والبديل لأجل ألمانيا و”الحرية” في النمسا. و”فيدس” في المجر و”من أجل الحرية” في هولندا و”فوكس” في إسبانيا، و”الديمقراطيين السويديين” في السويد.

هذه الأحزاب تحكم في المجر عن طريق رئيس الوزراء فيكتور أوربان وإيطاليا عن طريق رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، وهولندا عن طريق حكومة ائتلافية.

 الصعود الأوروبي 

غلف أقصى اليمين رياحه القوية في القارة العجوز، بتحقيق نتائج غير مسبوقة في انتخابات البرلمان الأوروبي، وخاصة في الدول الرئيسية. إذ فازت الأحزاب المنتمية لهذا التيار في فرنسا والنمسا والمجر وإيطاليا وحلت في المرتبة الثانية في ألمانيا. 

وتملك جميع روافد أقصى اليمين مجتمعة 229 مقعدا في البرلمان الأوروبي. لكنها لا تندرج تحت لواء كتلة واحدة، أو توجهات سياسية عامة واحدة، وإنما تنقسم فيما بينها. وإن لا تزال تؤشر على التحول السياسي في القارة. 

وعلى سبيل المثال، المحافظون والإصلاحيون الأوروبيون، وهي كتلة تضم خصوصا حزب “إخوة إيطاليا” (فراتيلي ديتاليا) بزعامة ميلوني وحزب القانون والعدالة البولندي. تأخذ خطوة للخلف بعيدا عن أقصى اليمين والشعبوي، رغم أن الأحزاب المكونة لها تندرج تحت هذا التيار.

هذه الكتلة تسيطر في البرلمان الأوروبي بتشكيلته الجديدة على 73 مقعدا بزيادة 4 مقاعد عن التشكيلة السابقة، أي بمعدل زيادة 10%.  

أما كتلة الهوية والديمقراطية فتضم حزب التجمع الوطني الفرنسي وحزب الرابطة الإيطالي وحزب الحرية النمساوي. لكنها استبعدت مؤخرا حزب البديل من أجل ألمانيا من صفوفها.

وفي تشكيلة البرلمان الحالي. تسيطر هذه الكتلة على 58 مقعدا، بزيادة 9 مقاعد، أي 8%. 

وتضخم مكاسب حزب البديل من أجل ألمانيا الانتخابية، عدد النواب غير المنخرطين في كتل. فإلى جانب الحزب الألماني. يعد حزب فيدس الذي يتزعمه رئيس الوزراء القومي المجري فيكتور أوربان “أقصى اليمين” من بين الأحزاب غير المنخرطة في كتل.

ويملك الحزبان الألماني والمجري معا، 98 مقعدا في البرلمان. بزيادة 36 مقعدا عن التشكيلة السابقة، أي بمعدل زيادة 13.6%. 

زحف في الدول 

بعيد تحقيقه نتائج تاريخية في انتخابات البرلمان الأوروبي، حل حزب “التجمع الوطني” في المركز الثالث في انتخابات البرلمان الفرنسي في يوليو/تموز واستقر على 143 مقعداً. بفارق نحو 40 مقعدا عن الجبهة الوطنية اليسارية الفائزة بالاقتراع (182 مقعدا).

ورغم أن نتائج أقصى اليمين أقل مما توقعته استطلاعات الرأي، إلا أن الحزب يلعب حاليا دور صانع الملوك وأطاح قبل أيام بالحكومة الفرنسية المحافظة.فيما تستعد زعيمته ماري لوبان لانتخابات الرئاسة في 2027.

أما في النمسا، فقد نسخ حزب الحرية نتائج استطلاعات الرأي، وفاز بالانتخابات التشريعية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بـ٢٨.٨% من الأصوات. لكن رئيس البلاد ألكسندر فان دير بلين، لم يكلف زعيم الحزب هيربرت كيكل بتشكيل الحكومة الجديدة بدعوى أن الأحزاب الأخرى ترفض التحالف مع الأخير. 

لكن هذا الموقف عزز من موقف حزب الحرية شعبيا. حيث أظهرت الاستطلاعات المنشورة مؤخراً تخطي معدلات تأييد الحزب حاجز الـ36%

وفي هولندا؛ نجح حزب من أجل الحرية PVV في تشكيل حكومة مع أحزاب المزارعين (BBB)، وVVD المحافظ الليبرالي، وحزب NSC الجديد لمكافحة الفساد. بعد مفاوضات ماراثونية أعقبت الانتخابات التي حقق فيها الحزب الأول الأكثرية في مفاجأة مدوية .

إلى ألمانيا، حيث حقق “أقصى اليمين” أكبر نجاح انتخابي له منذ الحرب العالمية الثانية.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أحرز حزب “البديل لأجل ألمانيا” المعروف بلونه الأزرق، المرتبة الأولى في انتخابات ولاية “تورينغن”. فيما خسر الصدارة بفارق طفيف للغاية في ساكسونيا، وهما مقاطعتان من مقاطعات جمهورية ألمانيا الديمقراطية (الشرقية) السابقة.

وأظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت قبل الانتخابات. أن الهجرة كانت إحدى القضايا التي أزعجت الناخبين، إذ ذكرها المشاركون في تورينغن وساكسونيا باعتبارها من بين أكبر ثلاثة مخاوف لديهم إلى جانب الجريمة و”الحماية الاجتماعية”. 

وقبل ذلك، وبالتحديد في انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو/حزيران. حقق حزب البديل لأجل ألمانيا أعلى نتيجة في تاريخه، وحل في المرتبة الثالثة بنحو 17% من الأصوات.

وقبل شهرين ونصف الشهر من الانتخابات التشريعية المقررة في فبراير/شباط، يحتل حزب البديل لأجل ألمانيا المرتبة الثانية في استطلاعات الرأي بنحو 19% من نوايا التصويت. متقدما على الحزب الحاكم بقيادة المستشار أولاف شولتز (الاشتراكي الديمقراطي 16%).

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى