أكذوبة الصواريخ الفضائية الإيرانية
لا تزال إيران سادرة في غيها، ولا يزال المجتمع الدولي مكتوف الأيدي تجاهها، وهو يرى بأم عينه استمراءها للتجارب الصاروخية التي تأتي تحت ستار من الأكاذيب المستمرة والمستقرة.
فتارة تتذرع بأن برامجها الصاروخية دفاعية، وهو ما ثبت كذبه بالمطلق في أكثر من موقع وموضع تعرض للقصف الإيراني الصاروخي، وتارة أخرى بالقول إنها صواريخ تستخدم لخدمة البرنامج الفضائي الإيراني.
قبل بضعة أيام أعلن وزير الاتصالات الإيراني محمد جواد آذري جهرمي أن بلاده ستطلق قمر ” ظفر” الاصطناعي إلى الفضاء، كي يوفر صورا وبيانات تتعلق بالاتصالات، ويزن 113 كيلوغرام ، ويمكنه أن يدور 15 مرة حول الأرض يوميا، وسيوضع على المدار على بعد 530 كيلومترا من الأرض .
والشاهد أن مصير ” ظفر” شابه مصير محاولتين جرتا العام الماضي ، وقد أوفى لهما الفشل وأخلفهما الحظ ، فقد فشلت تجربة “ظفر” الأيام القليلة المنصرمة، بالضبط كما انفجرت منصة إطلاق الأقمار الاصطناعية الإيرانية العام الماضي .
هنا يطفو سؤال على سطح الأحداث: “هل إيران حقا مهمومة أو محمومة ببرنامج الفضاء أم أنه ستار تختبئ من ورائه ببرنامجها الصاروخي العسكري الماضي قد يهدد ذات اليمين وذات اليسار وبات خطره في الحال لا يقل عن كارثيته في الاستقبال، لا سيما إذا استطاع الملالي حيازة أسلحة نووية ولو تكتيكية ؟
حتما ما يجري من وراء الستار هو المزيد من التجارب الصاروخية الباليستية طويلة المدى، وما القول إنها صواريخ لوضع الأقمار الاصطناعية الإيرانية في مداراتها إلا كذبة إيرانية تضاف لسجل الأكاذيب السابقة.
والتجارب الأخيرة عينها مخالفة لقرار مجلس الأمن رقم 2231 ، الذي دعا إيران إلى “عدم القيام بأي نشاط على صلة بالصواريخ الباليستية المصممة للتمكن من نقل شحنات نووية ، بما فيها عمليات الإطلاق التي تستخدم تكنولوجيا صواريخ باليستية “.
لم تكن تجربة إيران للصواريخ الباليستية المختبئة في رداء فضائي الأخيرة هي الأولى من نوعها، ففي العام 2009 أطلقت إيران قمرا صناعيا “أميد”، وفي يونيو حزيران 2011 أرسلت إلى الفضاء القمر “رصد”، وفي 2019 أشارت إلى أنها وضعت ثالث أقمارها الاصطناعية المحلية الصنع، وهو القمر “وعد” في مداره بنجاح .
لا يغيب هنا عن عقل المحلل العسكري الإستراتيجي أن كل تجربة صاروخية إيرانية فضائية أكسبت البرنامج الصاروخي الإيراني دفعة وزخما جديدين في مسارات تهديد دول الجوار، وتاليا العالم برمته، الأمر الذي أثبتته القصفات الصاروخية الإيرانية على المواقع الأمريكية في العراق الشهر الماضي .
تعمد إيران دوما للخلط المقصود بهدف التعمية على نواياها الحقيقية بين ما هو برنامج فضائي علمي، وبين ما هو هدف رئيس مستقر في ضمير الملالي يتمثل في تجربة صاروخية مشابهة لما قامت به المانيا النازية في النصف الأول من القرن العشرين، وما سبب مآسي عريضة في أوربا وقتها .
أوائل فبراير/شباط الجاري كانت إيران تكشف عن صاروخ وصفته بأنه جيل جديد من الصواريخ المتطورة القادرة على حمل أقمار إصطناعية إلى الفضاء، ويطلق عليه “رعد 500”.
الذين قدر لهم الاستماع إلى تصريحات قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي، وقائد القوات الجوية الإيرانية العميد أمير علي حاجي، يدركان كيف تتلاعب إيران بالمجتمع الدولي، لا سيما بالأوربيين الذين يصمون آذانهم عن هدير محركات صوارخ يمكن أن تطالهم، والأمريكيين الذين لدغوا بالفعل في العراق .
يفاخر ” حاجي ” في حديثه عن الصاروخ الايراني الجديد فيقول :” بالمقارنة مع صواريخ فتح ، فان صواريخ رعد تزن وتكلف النصف ، ويزيد مداها بمقدار 200 كيلومتر ، عن فاتح 110، الامر الذي يقطع بالنوايا الخفية لحكومة الملالي الايرانية .
تمارس ايران الكذب البواح ، غير انه وكما يعلمنا علم النفس تكشف اكاذيبها عن مكنونات صدرها وما تخفيه في ثنايا عقلها ، فعلى سبيل المثال تحدث الايرانيون العام الماضي عن صاروخ ايراني ” خارق” اطلقوا عليه اسم ” مبين ” وقالوا انه يمتلك تقنيات حادة جعلت منه قوة خارقة ، وجاء تقديم الصاروخ على انه ” لديه القدرة على التخفي من انظمة الرادار ، وفي الجزء الاول من الهيكل ” راس الصاروخ “، يمكن تثبيت انواع من الرؤوس الحربية يصل وزنها الى 120 كيلوغرام ، وقادر على التحليق الى ارتفاع 46 الف قدم ويصل مداه الى 450 كيلومتر .
والمقطوع به ان كل ما قالته ايران عن الصاروخ ” مبين “، هو مجرد خداع استراتيجي ، لا سيما وان الخارجية الامريكية علقت على تجربته بالقول :” بنظرة فاحصة لا تجد صاروخا قادما نحو الهدف ، بل مجرد تفجير موضعي “، خداع يفتح اوراق مطوية لنوايا الملالي الحقيقية ، اذ يراهنون على برنامجهم الصاروخي لتعويض النقص القاتل في القوات الجوية التي لم يتم تحديثها منذ منتصف السبعينات وحتى الساعة .
فجاجة الاكاذيب الايرانية لا تنقطع ، فقبل نحو عامين وخلال تجربة للصاروخ البالستي الايراني ” شهاب 3″ ، قالت طهران ان تجاربها تندرج تحت اطار حاجاتها الدفاعية ، وانها ليست موجهة الى أي دولة ، والسؤال هنا .. هل ايران في حاجة الى صواريخ تدافع بها عن نفسها ، ومن يتهددها في نطاقها وسياقها الجغرافي ، ام انها في الحقيقة هي من يهدد الاخرين امس واليوم وغدا ؟
منذ ثمانينات القرن الماضي وبعدما اجبر الخوميني على تجرع كاس السم ووقف اطلاق النار والايرانيون يعملون جادين على امتلاك ترسانة صاروخية تغير الاوضاع وتبدل الطباع في الشرق الاوسط ، وبخاصة في ضوء تزويد وكلاءهم في اليمن ولبنان ، كما الحوثي وحزب الله ، بالمزيد منها ، والاشكال الحقيقي ان العالم يراقب وليته ياخذ خطوة جدية في طريق قطع الطريق على ايران ، بل نرى اوربا تستميت في محاولة ارضاء الايرانيين ، حتى وان جاء الامر على حساب علاقتها مع العم سام في البيت الابيض .
الكارثة الحقيقية بالنسبة للمشهد الايراني تتمثل في حالة تشظي المواقف الدولية تجاهها، اذ تكاد المحاصصات الدولية والمكايدات السياسية تفتح نوافذ وابوابا واسعة للايرانيين فيما يخص هذا البرناج الجهنمي، وليس ادل على ما نقول به من اعلان نائب وزير الخارجية الروسية ” سيرغي ريابكوف ” في 15 يناير الماضي، عن ان روسيا لا تعتبر ادخال البرنامج الصاروخي الايراني في خطة العمل الشاملة المشتركة حول البرنامج النووي الايراني امرا ضروريا، واشارته الى ان طهران لديها الحق بتطويره لضمان امنها الخاص.
ريابكوف قطعا غير صادق في كلامه فروسيا لا يمكن ان تسمح ببرنامج صاروخي ايراني يتهددها في المستقبل، لكنها تختصم واشنطن بطريق غير مباشر، فيما يدفع الابرياء ثمن تهديدات ايران.
نقلا عن العين الإخبارية