أبو عبيدة يوسف العنابي…رحلة إرهابي تتوقف في سلة المكافآت
7 ملايين دولار.. رقم ضخم رصدته واشنطن لاصطياد زعيم “القاعدة في بلاد المغرب العربي”.. فمن هذا الرجل؟
أبو عبيدة يوسف العنابي.. اسم يعرفه المغاربة جيداً بعد أن تردد كثيرا مع كل عملية إرهابية نفذها فرع القاعدة في شمال أفريقيا والساحل.
وتكثف واشنطن من مساعيها لاصطياد الإرهابي (العنابي) بإعلانها هذا المبلغ المالي الضخم لمن يدلي بمعلومات عن مكان أو هوية أبو عبيدة يوسف العنابي.
كانت البداية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حين عيّن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب (أبو عبيدة) على رأس التنظيم خلفا للجزائري عبدالمالك دروكدال الذي قُتل بيد القوات المسلحة الفرنسية في يونيو/حزيران الماضي شمالي مالي.
آلية الاصطياد المالي
وعلى مدار 3 عقود، انتهجت واشنطن “نظام المكافأة” كآلية لاصطياد أخطر الإرهابيين والإيقاع بالمجرمين المطلوبين لديها، وهو البرنامج الذي بدأته منذ عام 1984.
وبحسب خبراء أمنيين فإن الآلية “زاوية أساسية بالمقاربة الأمريكية في حربها على الإرهاب”، وهو شعار خاص يميزها عن بقية المقاربات الأمنية والسياسية.
ومن هنا يرفع مكتب الأمن الدبلوماسي التابع للخارجية الأمريكية شعار “قم بإيقاف إرهابي.. أنقذ أرواح”. وبحسب الإدارات الأمريكية المتعاقبة، فقد أثبتت آلية المكافآت المالية للقبض على الإرهابيين نجاعتها، وهو ما يدفعها في كل مرة لإطلاق مخصصات مالية ضخمة للحصول على معلومات عن “أثقل الرؤوس الإجرامية والإرهابية” التي عجزت ترسانتها الحربية والاستخباراتية عن الوصول إليها.
وتضع الولايات المتحدة أكثر من 60 شخصاً على قوائم الإرهاب المطلوبين لديها في مختلف مناطق العالم معظمهم في جرائم متعلقة بالإرهاب المحلي أو العابر للحدود، ومع كل مكافأة تنشر معلومات تفصيلية عنهم بأسمائهم وصورهم ودوافعها للقبض عليهم.
الإرهابي “الثمين”
لم يكن “العنابي” أول إرهابي على قائمة المكافآت الأمريكية، بل سبقه “كبار رؤوس أخطر التنظيمات الإرهابية”.
ومنذ الثاني من يونيو/حزيران 2021، بات الإرهابي أبو عبيدة يوسف العنابي “ثالث أغلى الإرهابيين” في العالم بقيمة ضخمة وصلت إلى 7 ملايين دولار.
وسبق أن رصدت الولايات المتحدة قبل ذلك أكبر مكافأتين للإدلاء بمعلومات عن مكان تواجد الإرهابيين زعيمي القاعدة السابق أسامة بن لادن وتنظيم داعش الإرهابي أبو بكر البغداي، والتي وصلت قيمتها إلى 25 مليون دولار لكل واحد منهما.
كما وضعت واشنطن مكافأة بـ5 ملايين دولار للبحث عن الإرهابي رمزي يوسف أحد العقول المدبرة لهجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وكذلك مكافأة أخرى بـ15 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات عن 3 إرهابيين مرتبطين بتنظيم القاعدة في سوريا وهم: أبو عبد الكريم المصري وفاروق السوري وسامي العريدي.
السفاح
تقارير إعلامية أمريكية تحدثت عن أن رصد مكافآت مالية لاصطياد الإرهابيين في بعض مناطق العالم لا يتم إلا في حالات استثنائية تكون مرتبطة بالأساس بـ”أخطر القضايا”، في حين تلتزم بالسرية التامة على هويات بقية المطلوبين ونوعية المعلومات عنهم.
وسبق للخارجية الأمريكية أن أدرجت الإرهابي أبو عبيدة يوسف العنابي ذو الأصول الجزائرية في 10 سبتمبر/أيلول 2015 على قائمتها السوداء للإرهاب، ووصفته بـ”الإرهابي العالمي المصنف في شكل خاص”.
كما أدرجته الأمم المتحدة على لوائح الإرهاب العالمي في 29 فبراير/شباط 2016 لارتباطه بتنظيم القاعدة الإرهابي، ومشاركته في تمويل أعمال وأنشطة ما يعرف بـ”تنظيم القاعدة في بلاد المغرب” والتخطيط لها أو تيسير القيام بها أو ارتكابها والمشاركة فيها.
من هو الإرهابي أبو عبيدة يوسف العنابي؟
وتتضح “خصوصية” الإرهابي المكنى بـ”العنابي” من مسيرته الإجرامية التي تمتد على مدار 30 عاما، بدأها من الجزائر وامتدت إلى مالي وبقية الساحل.
وأبو عبيدة يوسف العنابي، واحد من أكثر الإرهابيين دموية في منطقة المغرب العربي والساحل، وممن يزعمون أن الأعمال الإرهابية “جهاد في سبيل الله”.
اسمه الحقيقي مبارك يزيد ويكنى بـ”أبو عبيدة يوسف العنابي”، ويرجع تسميته بـ”العنابي” إلى مسقط رأسه بمدينة “عنابة” الساحلية الواقعة شرقي الجزائر، والتي حصل فيها على شهادة بكالوريوس في الاقتصاد.
وهو واحد من مؤسسي التنظيم الإرهابي “الجماعة السلفية للدعوة والقتال” بالجزائر عام 2004 مع الإرهابي المقبور عبدالمالك درودكال، والتي اقترفت عدة عمليات إرهابية ضد مدنيين وقوى الأمن، خصوصاً بالمناطق الشرقية.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2009، نجا الإرهابي أبو عبيدة العنابي من الموت بعد أن تمكن الجيش الجزائري من إصابته بجروح بليغة إثر كمين عسكري بمنطقة “امسوحان” التابعة لمحافظة لولاية تيزيوزو شرقي البلاد.
وخلال تلك العملية نجح الجيش الجزائري في القضاء على 3 إرهابيين من قادة تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال الإرهابي حينها.
غير أن التحاقه بالجماعات الإرهابية كان قبل ذلك بأكثر من 10 سنوات؛ إذ كان واحداً من الإرهابيين الذين تلقوا تدريبهم في أفغانستان أوائل التسعينيات، قبل أن يلتحق بما كان يسمى “الجيش الإرهابي للإنقاذ” بالجزائر عام 1993 مع الإرهابي درودكال، والذي كان يمثل الجناح العسكري للجبهة الإرهابية للإنقاذ الإخوانية المحظورة.
كان الإرهابي “العنابي” ظل الزعيم السابق للتنظيم الإرهابي درودكال، وبعد مبايعته لتنظيم القاعدة الإرهابي في 24 يناير/كانون الثاني عام 2007، تغير اسم التنظيم إلى “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب”، والذي كان ينشط في المرتفعات الجبلية الوسطى والشرقية في الجزائر.
ونتيجة للضربات الموجعة التي تلقاها التنظيم الإرهابي من قبل الجيش الجزائري، وتمكن خلالها من قتل واعتقال عدد كبير من أمرائه وقيادييه، استطاع الإرهابي العنابي الفرار من الجزائر عبر تونس ثم إلى مالي، ليلتحق بالجماعات الإرهابية الناشطة في منطقة الساحل.
وفي فبراير/شباط 2017 أصدر القضاء الجزائري حكماً بالإعدام غيابياً على الإرهابي عبدالمالك درودكال المكنى بـ”أبو مصعب عبدالودود” مع 24 إرهابياً يتواجدون في حالة فرار خارج الجزائر بينهم الزعيم الجديد لتنظيم القاعدة مبارك يزيد (العنابي)، وصدرت بحقهم أوامر دولية بالقبض.
وكان العنابي واحدا من المؤسسين للتنظيم الإرهابي “نصرة الإسلام والمسلمين” في شمال مالي، وهو التنظيم الذي ضم الجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة الأم في المغرب العربي والساحل.
التوقيت الحساس
ويشير خبراء أمنيون إلى أن “تزامن المكافأة الأمريكية لاصطياد رأس زعيم ما يعرف بتنظيم القاعدة ببلاد المغرب العربي يأتي مع معطيات أمنية جديدة تشهدها منطقة الساحل”.
و”يتزامن توقيت القرار الأمريكي مع الانقلاب العسكري الذي قاده الكولونيل أسيمي جويتا في مالي في 25 مايو/أيار الماضي، في وقت لا يزال هذا البلد الأفريقي يعيش تحت وطأة تمدد الجماعات الإرهابية من شماله إلى جنوبه”، وفقا للخبراء.
وتشير مختلف التقارير الإعلامية والاستخباراتية الدولية، إلى أن شمال مالي كانت ولا تزال البؤرة المفضلة لمختلف التنظيمات المسلحة المتطرفة وأخطر قياداتها على رأسها الإرهابي أبو عبيدة يوسف العنابي المشرف على العمليات الإرهابية بالمنطقة.
4 دوافع
واستنادا لتقارير إعلامية وأمنية عالمية، فإن لجوء واشنطن إلى “دق ناقوس الخطر” بحثاً عن الإرهابي “العنابي” لم يأت إلا بعد أن أثبت قدرة فائقة على إعادة إحياء فرع تنظيم القاعدة بمنطقة الساحل بشكل بات يهدد المصالح الأمريكية بالمنطقة المضطربة، في مقابل عجزه عن التمدد نحو دول المغرب العربي.
ويعيد المختصون في الحركات الإرهابية التذكير بأن “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي تمكن من التمدد إلى دول أخرى ووصل إلى النيجر وبوركينافاسو منذ تولي الإرهابي أبو عبيدة قيادة التنظيم الإرهابي في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، رغم التواجد الكثيف للقوات الفرنسية بالمنطقة في مهمات الحرب على الإرهاب”.
خبير الاقتصاد والإرهاب
وتحدث المختصون أيضاً عن “نجاح العنابي في إعادة جمع فروع التنظيمات الإرهابية المنتشرة في شمال مالي تحت لواء القاعدة، عقب عملية سرفال الفرنسية، الأمر الذي مكنه من تكثيف عملياته الإرهابية ضد جنود من جيوش المنطقة بالأشهر الأخيرة.
و”من أخطر التكتيكات التي يعتمد عليها تنظيم القاعدة بالمنطقة هو التجذر في الديناميكيات المحلية اقتصادياً أو مع النخب”، بحسب المختصين.
ولعل هذا “ما مكن العنابي من الاستحواذ على مناطق في شمال مالي من مجموعات مسلحة تابعة لتنظيم داعش الإرهابي، بالإضافة إلى انتهاج تنظيم القاعدة بالمنطقة أسلوباً مبتكرا يعتمد على محاولة ربط علاقات مع النخب المحلية في دول المنطقة”، وفقا للمختصين.