سياسة

الساحل الإفريقي تحت الحصار: هل يشهد كابوس العنف نهاية قريبة؟


في قلب القارة الأفريقية، تتحول منطقة الساحل إلى برميل بارود ينذر بانفجار يمتد تأثيره إلى جميع أنحاء القارة. تتفاقم الأزمات الأمنية في دول مثل بوركينا فاسو، النيجر، ومالي. حيث تفشل الجهود المحلية والدولية في احتواء العنف المتصاعد. هذه الدول تعيش وسط دوامة من التحديات الأمنية، الاقتصادية، والسياسية، حيث تمد الجماعات المتطرفة أذرعها بلا هوادة. مستبيحة مساحات شاسعة من الأراضي، ومعرضة ملايين الأرواح للخطر، في خضم هذا التصعيد. تظهر تساؤلات ملحة حول قدرة دول الساحل على الصمود.

تصاعد العنف وتداعياته الإنسانية

تشير الإحصائيات الحديثة إلى أن منطقة الساحل الأفريقي أصبحت مركزًا رئيسيًا للعنف المتطرف، وفقًا لتقرير مركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية. شهد عام 2023 زيادة بنسبة 20% في أعداد ضحايا التطرف مقارنة بالعام السابق، ليصل العدد إلى 11,643 قتيلاً في الساحل فقط.

هذا الرقم يعكس تضاعفًا ثلاثيًا منذ عام 2020. ما يجعل هذا العنف الأسوأ منذ ذروة نشاط جماعة “بوكو حرام” في 2015.

في بوركينا فاسو وحدها، تزايدت سيطرة الجماعات المسلحة مثل “نصرة الإسلام والمسلمين”. و”تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى”؛ مما دفع بمئات الآلاف إلى النزوح.

الوضع في مالي ليس أفضل حالاً. حيث أدت الهجمات المتزايدة إلى إضعاف سيطرة الحكومة على العديد من المناطق الحدودية، في حين تسعى بنين جاهدة لتأمين حدودها المتاخمة لمناطق الصراع.  

تحالفات جديدة ومعركة من أجل البقاء

في محاولة يائسة لاحتواء العنف، أعلنت بوركينا فاسو ومالي والنيجر في سبتمبر 2023 تشكيل تحالف دول الساحل، الهدف المعلن: إنشاء قوة دفاع مشتركة لمكافحة الإرهاب .بعد انسحاب قوات عسكرية غربية وفشل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في تحقيق الأمن.

لكن هذا التحالف واجه تحديات كبيرة منذ البداية، إذ أدى قطع العلاقات مع فرنسا والولايات المتحدة إلى توجيه الأنظار نحو شركاء جدد مثل روسيا وتركيا. وزير خارجية بوركينا فاسو، كاراموكو جان ماري تراوري.

أشاد بالشراكة مع موسكو، واصفًا إياها بأنها أكثر فائدة من العلاقات التاريخية مع فرنسا. 

كذلك، أكد وزير خارجية مالي، عبد الله ديوب. أن التعاون مع روسيا يقوم على أسس “صادقة” بعيدًا عن إرث “الاستعمار الجديد”.

نزوح غير مسبوق

يواكب العنف المتصاعد موجة نزوح غير مسبوقة، مئات الآلاف من العائلات تركت منازلها بحثًا عن الأمان. ما يزيد الضغط على الدول المجاورة التي تعاني بالفعل من أزمات اقتصادية.

في تشاد، أُقيمت مخيمات مؤقتة لاستيعاب تدفق اللاجئين. لكنها تفتقر إلى الموارد الأساسية مثل الغذاء والماء والرعاية الصحية.

تشير تقارير إنسانية إلى تعاون بين المتمردين والعناصر الإجرامية في تهريب البشر والأسلحة عبر الحدود، مما يعقد جهود الإغاثة. الوضع الإنساني أصبح كارثيًا مع انعدام الأمن الغذائي وانتشار الأمراض.  

دور المجتمع الدولي

من جانبه، يقول الدكتور محمد رشوان، الخبير بالشأن الإفريقي: إن منطقة الساحل تواجه تحديات معقدة، حيث يُشكل تصاعد العنف تهديدًا وجوديًا لهذه الدول. ويرى رشوان أن الحلول الأمنية وحدها لن تكون كافية لإنهاء الصراع. مشيرًا أن الضعف المؤسسي في الدول المعنية يُعزز انتشار الجماعات المسلحة التي تستغل تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

وأضاف رشوان أن انسحاب القوات الغربية أدى إلى فراغ أمني خطير. استفادت منه الجماعات المتطرفة لتعزيز نفوذها.

في المقابل، الاعتماد المتزايد على روسيا وتركيا كشركاء أمنيّين قد يفتح المجال لنموذج جديد من التدخل الأجنبي. ولكنه يظل محفوفًا بالمخاطر إذا لم يُعالج جذور المشكلة.

ويشدد الخبير في الشأن الإفريقي، على ضرورة تبني استراتيجيات شاملة تتضمن تعزيز الحكم الرشيد، وتطوير البنية التحتية الاقتصادية، وتعزيز التعاون الإقليمي.

 كما يشير إلى أهمية أن يلعب الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي دورًا أكبر في دعم جهود الاستقرار، مُعتبرًا أن تجاهل الساحل يُعرّض القارة بأكملها لموجات عنف وانعدام استقرار أوسع.

تابعونا على

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button