فرض الحجاب يثير مخاوف الليبيين من ظهور شرطة أخلاق جديدة على غرار إيران
تشهد ليبيا حالة من الجدل الواسع إثر تشكيل جهاز “حماية الآداب العامة” الذي سيتولى تنفيذ قرارات أعلن عنها وزير الداخلية عماد الطرابلسي منذ نحو أسبوع تحظر الاختلاط في الأماكن العامة وتفرض الحجاب، بينما ذهب بعض النشطاء الليبيين إلى حدّ التحذير من استنساخ “شرطة الأخلاق” الإيرانية ، فيما انتقدت منظمات حقوقية الخطوة محذرة من تراجع الحريات الشخصية.
وتفجر الجدل منذ أن أعلن الطرابلسي في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي عن جملة من الإجراءات من بينها عودة دوريات شرطة الآداب للعمل الشهر المقبل ومنع صيحات الشعر غير المناسبة وحظر الملابس التي لا تتماشى مع ثقافة المجتمع وخصوصياته، بالإضافة إلى منع سفر المرأة من دون محرم والالتزام بلبس الحجاب ومنع الاختلاط في المقاهي والأماكن العامة.
وذهب عدد من النشطاء الليبيين إلى القول إن هذه القرارات تؤسس لميلاد “شرطة أخلاق”، محذرين من التجربة الإيرانية التي أدت إلى أعنف احتجاجات شهدتها إيران إثر مقتل الشابة مهسا أميني في العام 2022 خلال احتجازها من طرف الجهاز نفسه بسبب مخالفتها لقواعد اللباس الصارمة.
وأعلن المجلس الرئاسي الليبي عن تشكيل جهاز “حماية الآداب العامة”، في خطوة أثارت تباينا في صفوف الليبيين، بين مؤيدين للقرارات معتبرين أنها تحمي التقاليد والقيم الليبية وبين معارضين بشدة لتأسيس ما وصفوه بأنها “أداة جديدة للقمع” وتكبيل الحريات الشخصية.
تشكيل جهاز حماية الآداب العامة رغم الاعتراضات
وأثارت هذه الخطوة إدانات حقوقية، من ذلك ما صدر عن لجنة الحقوقيين الدولية التي دعت السلطات الليبية إلى العدول عن إعادة “شرطة الأخلاق”، محذرة من قمع حقوق النساء.
وأشارت اللجنة في بيان إلى أن “تصريحات وزير الداخلية المكلف في حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عماد الطرابلسي، بشأن إعادة تفعيل شرطة الأخلاق تهدف إلى تنفيذ ما قد يرتقي إلى حملة قمع واسعة النطاق على حقوق النساء والفتيات، بما في ذلك حق المساواة وعدم التمييز وحق التعبير والدين والمعتقد وحق التجمع والحركة والخصوصية وغيرها”.
وانتقدت القرارات المتعلقة بإلزامية الحجاب ومنع النساء من مغادرة المنازل دون ارتداء الحجاب ومنعهن من السفر من دون وصي من أقاربهن من الذكور وكذلك حظر الاختلاط في الأماكن العامة.
وعجّلت هذه القرارات بلقاء رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا نيكولا أولاندو بوزير الداخلية الليبي، مشيرا في منشور على منصة “إكس” إلى أنه “أكد للطرابلسي التزام التكتل بشراكته مع ليبيا على أساس احترام حقوق الإنسان العالمية والمبادئ الإنسانية، وكذلك على سيادة وثقافة البلاد”.
وأيد بعض الليبيين قرارات الطرابلسي، فيما اتهم بعضهم الغرب بالسعي إلى ضرب التقاليد الليبية، وكتب ناشط على موقع “إكس” قائلا “القرار في ليبيا والصياح في الإعلام الغربي”.
وعلى الجانب الآخر اتهم العديد من النشطاء وزير الداخلية الليبي بالتلاعب بالسلطات وتوظيف الخطاب الديني لتبرير انتهاك الحريات والتعدي على حقوق الإنسان.
وعلّق ناشط ليبي بالقول “يجب أن نقدم قائمة للطرابلسي بكل المشاكل الموجودة في ليبيا التي تقع ضمن نطاق مسؤولياته والتي تحتاج تدخلا من خبراء ورجال الدولة وحكم رشيد لحلها”، مضيفا بالتأكيد “فرض الحجاب وضبط الشعب أخلاقيا ستكون في ذيل هذه القائمة، خصوصا أن هذه القائمة تتضمن تقارير عن اتجار بالبشر وعبودية”
بدورها وصفت الباحثة المختصة في ليبيا بقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حنان صلاح عبر موقع منظمة “هيومن رايتس ووتش” هذه القرارات بـ”الرجعية”، داعية المجتمع الدولي إلى “عدم التسامح مع أي تدابير من شأنها أن تنتهك الحقوق الأساسية للنساء”، مشددة على “ضرورة التزام السلطات باحترام حقوق الإنسان والكرامة وحمايتها للجميع في ليبيا”.