سياسة

محاولة إسرائيلية جديدة لكسر “القرض الحسن”: قطع طرق التمويل لحزب الله


 أعادت الغارات الإسرائيلية على مقرات لمؤسسة القرض الحسن التي تعتبرها قوى غربية ومحلية ذراعا ماليا لحزب الله اللبناني، تسليط الضوء على هذه المؤسسة التي اكتسبت شعبية كبيرة من خلال تقديمها قروضا ميسرة خاصة لأبناء الطائفة الشيعية، بينما سيؤثر الاستهداف الإسرائيلي لهذه الذراع المالية على كثير من اللبنانيين كانوا إلى وقت قريب يستفيدون من تمويلاتها. كما ستشمل تأثيراته جزءا مهما من تمويل الجماعة الشيعية التي تخوض مواجهة صعبة وتراهن على جر إسرائيل إلى حرب استنزاف طويلة.

وتراجعت التمويلات التي تتدفق على حزب الله من خارج لبنان من شبكات واسعة ومعقدة خاصة في دول أميركا اللاتينية بعد حملة شنتها قوى غربية تتقدمها الولايات المتحدة لتجفيف منابع تمويل الحزب من خلال عقوبات على شركات تعتبر واجهة مالية للجماعة اللبنانية وشخصيات يشتبه في أنها تقوم بتأمين التمويلات بطرق التفافية تتجاوز العقوبات الغربية.

وساهم هذا إلى حد كبير في بروز مؤسسة القرض الحسن محليا باعتبار قدرة الحزب على تحريك قنوات التمويل الداخلية، بينما يعتقد أن لإيران دورا كبيرا في تقوية إمبراطورية حزب الله من خلال تمويلات سرية بالتوازي مع حركة تسليح لم تهدأ منذ سنوات، لكن العقوبات الغربية على طهران أثرت بشكل كبير على تدفقات الأموال الايرانية ودفع بمؤسسة القرض الحسن إلى الواجهة.

وفي بلد لا يزال يرزح تحت أزمة اقتصادية خانقة، تتمتع القروض والخدمات المصرفية التي توفرها الجمعية بشعبية كبيرة خصوصا في أوساط الطائفة الشيعية.

وتخضع المؤسسة لعقوبات أميركية منذ سنوات عدة، إذ تتهمها واشنطن بأنها تشكل غطاء لأنشطة حزب الله المالية. وللجمعية حوالي ثلاثين فرعا في بيروت والكثير من المناطق الأخرى وهي مسجلة لدى السلطات منذ الثمانينيات.

واكتسبت المؤسسة شعبية لمنحها قروضا دون فوائد بحسب الشريعة التي تحرم الربا، في بلد يعاني منذ خمس سنوات من انهيار اقتصادي متماد وتوقّفت فيه البنوك التقليدية تقريبا عن العمل بعدما احتجزت أموال اللبنانيين الذين فقدوا ثقتهم بها.

واستهدفت ضربات إسرائيلية مساء الأحد فروعا لجمعية القرض الحسن في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله المدعوم من إيران، وكذلك في مدن في جنوب البلاد مثل صور أو في البقاع شرقا.

وفي طلب إخلاء قبيل قصف فروعها، وصف الجيش الإسرائيلي المؤسسة بأنها “تشارك في تمويل النشاطات الإرهابية لمنظمة حزب الله ضد إسرائيل”.

وكان مسؤول كبير في الاستخبارات الاسرائيلية قال الأحد صراحة إن “الهدف الرئيسي هو إضعاف الثقة بين حزب الله وجزء كبير من المجتمع الشيعي الذي يستخدم” جمعية القرض الحسن كمصرف.

وتشكّل “القرض الحسن” جزءا من شبكة جمعيات ومدارس ومستشفيات وتعاونيات أنشأها الحزب لتوفر الخدمات لبيئته، ما عزز شعبيته داخل المجتمع الشيعي.

وتقدم جمعية القرض الحسن قروضا بسيطة لأصحاب الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة الزراعية أو الصناعية. وفي بلد يعاني من انقطاع متكرر للكهرباء، توفر المؤسسة أيضا قروضا للأفراد والبلديات لشراء الألواح الشمسية لتوليد الطاقة.

وفي فبراير/شباط 2023، نشرت الجمعية على مواقع التواصل الاجتماعي إعلانا قالت فيه إنها توفّر “قروضا بالليرة اللبنانية بضمانة ذهب”.

وعندما علّقت المصارف في لبنان منح القروض بسبب الانهيار الاقتصادي، كانت جمعية القرض الحسن تتباهى بمنح 212000 قرض بقيمة إجمالية بلغت 553 مليون دولار “رغم الأزمة” في العامين 2020 و2021.

وتقول الجمعية إنها تعطي القروض “لكل اللبنانيين”. وأكّد زبائن مسيحيون وسنّة لوكالة فرانس برس أنهم لجؤوا إلى خدمات المؤسسة التي فتحت مكاتب لها خارج المعاقل التقليدية لحزب الله.

وقال أحد زبائنها مفضلا عدم الكشف عن هويته “تودع ذهبا، ويمنحونك مالا بقيمته، ثم تسدّد دون فائدة”.

وتشرح الأستاذة المحاضرة في جامعة كارديف البريطانية والخبيرة في شؤون حزب الله، أمل سعد في منشور على “إكس” بأن القرض الحسن شكّلت “قارب نجاة لأكثر من 300 ألف لبناني، أودعوا مدخراتهم فيها ويعتمدون على المنظمة غير الحكومية للحصول على قروض بدون فوائد”.

وساعدت إيران في إنشاء الجمعية في ثمانينيات القرن الماضي، لكنها أصبحت الآن تمول نفسها ذاتيا، بشكل رئيسي من قبل المجتمع الشيعي اللبناني، وفق سعد، إذ إن 85 في المئة من زبائنها هم من الشيعة.

وتعتبر سعد أن استهداف القرض الحسن يأتي في إطار “عقاب جماعي” للطائفة الشيعية، مضيفة أن “إسرائيل تستهدف الجمعية في إطار استراتيجيتها الهادفة لإفقار بيئة” فاقم النزوح جراء الحرب مشقّاتها.

وترى سعد أن الضربات تجسّد “إخفاق إسرائيل التي لم تنجح في القيام بتوغلات كبيرة في جنوب لبنان ولجأت إلى مهاجمة مؤسسات مدنية لا قيمة لها من الناحية العسكرية”.

وفي لبنان، ينتقد مناهضو حزب الله مؤسسة القرض الحسن لأنها غير خاضعة لرقابة النظام المصرفي في البلاد. وتقدم الجمعية نفسها كمنظمة غير حكومية، بموجب ترخيص ممنوح من وزارة الداخلية.

وليست هذه المرة الأولى التي يكون فيها عمل المؤسسة مثار جدل. ففي العام 2007، جمّدت الخزانة الأميركية أصول الجمعية، وفرضت في العام 2021 عقوبات جديدة على عدد من الشخصيات المرتبطة بها.

واتهمت وزارة الخزانة الأميركية الجمعية بأنها “تستخدم من قبل حزب الله كغطاء لإدارة أنشطته المالية وليتمكّن من الوصول إلى النظام المالي الدولي” كما اتهمتها بتجميع العملات الأجنبية لتمكين الجماعة من بناء قاعدة داعمة لها.

وتضيف الخزانة أن الجمعية “وفي حين أنها تدعي خدمة الشعب اللبناني، فإنها في الواقع تقوم بتحويل الأموال بشكل غير قانوني عبر حسابات وهمية ووسطاء، ما يعرض المؤسسات المالية اللبنانية لعقوبات محتملة”.

وفي سياق متصل قال الجيش الإسرائيلي اليوم الاثنين إنه ضرب مخبأ لحزب الله يحتوي على عشرات الملايين من الدولارات من النقد والذهب خلال ضربات استهدفت شبكة الحزب المالية.

وقال المتحدث العسكري دانيال هغاري “نفذت القوات الجوية الإسرائيلية سلسلة من الضربات الدقيقة على معاقل حزب الله المالية”، مضيفا “كان أحد أهدافنا الرئيسية الليلة الماضية خزنة تحت الأرض تحتوي على ملايين الدولارات نقدا وذهبا. كانت الأموال تُستخدم لتمويل هجمات حزب الله على إسرائيل”.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى