سياسة

حزب الله في مفترق طرق: هل يتجه نحو التراجع أو الفناء؟


حملة إسرائيلية أشبه بحرب جوية تضع حزب الله بين نارين: فإما التراجع وإما المخاطرة، وما بين الخيارين قرار معقد يمضي على حبال وقت ينفد.

ففي أقل من أسبوع، تمكنت إسرائيل من توجيه ضربات قاصمة لحزب الله وتكبيده خسائر كبيرة سواء من ناحية قدراته العسكرية أو أنظمة الاتصالات أو من ناحية سلسلة القيادة.

حدث ذلك بعد تفجيرات أجهزة اتصال لاسلكية وغارات استهدفت قادة الحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت، في تصعيد يأتي بعد قرار حكومة بنيامين نتنياهو تحديد هدف حرب جديد وهو العودة الآمنة للسكان إلى الشمال.

لكن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، قال في خطابه عقب تفجيرات اللاسلكي، إنه “لا تصعيد عسكري، ولا عمليات قتل، ولا اغتيالات، ولا حرب شاملة يمكن أن تعيد السكان إلى الحدود”.

وبعد الخطاب، ضربت إسرائيل نحو 30 منصة لإطلاق الصواريخ ومواقع للبنية التحتية لحزب الله، كما استهدفت منشآت تخزين أسلحة الحزب في مناطق متعددة جنوب لبنان.

وبعدها وجهت ضربات أكثر كثافة وقالت إنها دمرت 400 منصة لإطلاق الصواريخ في جنوب لبنان ووادي البقاع.

واليوم الثلاثاء، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه قصف “عشرات الأهداف لحزب الله في جنوب لبنان” واستهدف بنى تحتية ومستودعات أسلحة للحزب، كما أكد أيضا أنه نفذ “ضربة محددة الهدف” في الضاحية الجنوبية لبيروت.

خياران

يبدو أن إسرائيل عازمة على دفع حزب الله إلى تغيير استراتيجيته التي بدأها في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهو ما يضع الحزب أمام خيارين.

فإما الحفاظ على ما تبقى من أصوله العسكرية وقيادته، أو الاستمرار في تهديده لشمال إسرائيل، وذلك وفقا لما ذكرته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية.

ورغم الخسائر الهائلة التي تكبدها بالأسبوع الماضي، فإن حزب الله خسر معركة الردع منذ أشهر حين نجحت إسرائيل في إضعاف قدراته العسكرية عبر هجمات دقيقة.

وأشارت المجلة إلى مقتل 500 شخص خلال العام الماضي معظمهم من مقاتلي الحزب بمن في ذلك بعض القادة مثل وسام الطويل وطالب عبدالله وفؤاد شكر وغيرهم.

كما تعرضت البنية التحتية العسكرية للحزب جنوب نهر الليطاني للهدم وأيضا في جميع أنحاء لبنان، فيما ركز الحزب ردود أفعاله على شمال إسرائيل مستهدفا القواعد العسكرية والبنية الأساسية مع تجنب الخسائر المدنية.

وفي بداية الحرب، كان هدف حزب الله وداعميه في إيران جني الفوائد من أي حل سياسي أو دبلوماسي ينهي حرب غزة.

وحققوا بالفعل إنجازا غير مسبوق وهو نقل المنطقة العازلة من جنوب لبنان إلى شمال إسرائيل ما دفع نحو 60 ألف إسرائيلي للنزوح ولم يعودوا حتى الآن إلى منازلهم، وهذا ما يعتبره نصر الله أكبر إنجاز على الإطلاق ضد إسرائيل.

وإذا وسعت إسرائيل دائرة الأهداف لضرب الأصول العسكرية المتقدمة، مثل مرافق تخزين وإنتاج الصواريخ الموجهة بدقة، فقد يعيد حزب الله النظر في تهديده للشمال وهو ما تراه إسرائيل فرصة للدفع إلى الأمام ورفع الثمن الذي يدفعه الحزب.

ورغم أن الحرب الشاملة هي احتمال حقيقي، إلا أن كلا الطرفين لا يزال يفضل الحل الدبلوماسي، حيث تحاول إسرائيل إبقاء هجماتها موجهة نحو أهدافها.

بينما يحاول حزب الله ألا يستفز إسرائيل وألا يستخدم ويهدر أصوله العسكرية الأكثر قيمة وهي الصواريخ الدقيقة.

وفي الواقع، يمكن لإسرائيل أن تصعد اليوم لتجنب الحرب من خلال دفع حزب الله إلى قبول الحل الدبلوماسي الوحيد على الطاولة والذي قدمه المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين لفصل لبنان عن غزة وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701، الذي أنهى حرب 2006.

وسيعني قبول حزب الله موافقته على اتفاق منفصل لوقف إطلاق النار وسحب قواته إلى شمال نهر الليطاني، على بعد حوالي 18 ميلاً من الحدود، والسماح للإسرائيليين النازحين بالعودة للشمال.

تحد آخر

مع خسارته البنية التحتية العسكرية والقادة والأسلحة، كان الأهم خسارته للأمن والثقة بصفوفه وسط مخاوف من المزيد من التسلل العميق للاستخبارات الإسرائيلية لعناصره وأيضا المخاوف من أن يكون أي شخص جاسوسًا إسرائيليًا.

كما فقد الحزب الثقة في التكنولوجيا ولم يعد لديه نظام اتصالات موثوق به يمكن استخدامه في الحرب ولم يتبق إلا الاتصالات الشفهية وهو ما لجأ إليه عند تحديد اجتماع إبراهيم عقيل مع قادة قوة الرضوان الذي استهدفته إسرائيل مما يعني أن مستوى الاختراق أعمق مما تدركه الجماعة.

وبالإضافة إلى ذلك، فقد حزب الله ثقة مجتمعه وأكثر ما يثير قلق قيادة حزب الله هو فقدانها لعنصر المفاجأة، الذي كان دوماً جزءاً من استراتيجيتها العسكرية حيث أصبحت إسرائيل تعرف بالضبط متى وكيف يخطط الحزب للرد مثلما حدث مع شن ضربة استباقية ضد بنية الحزب لمنعه من الرد على اغتيال شكر.

وهذه الخسائر، بالإضافة إلى العجز عن القيام برد عسكري فعال ضد إسرائيل، تشكل إذلالاً وإحراجاً لحزب الله الذي قد يتعافى في النهاية ويواجه الاستخبارات الإسرائيلية، ويستعيد الثقة داخل صفوفه لكنها أمور تتطلب وقتا طويلا وهو ترف لا يتحمله الحزب.

أكثر من معضلة

حاليا، يتطلب أي رد على التصعيد الإسرائيلي حل مجموعة من المعضلات أولها نظام اتصالات مناسب فبدونه لن يستطيع الحزب التنسيق بشأن الاستهداف أو الاستجابات أو الخدمات اللوجستية ولا يمكنه بسهولة استخدام الاتصالات الشفهية مثلما تفعل حماس داخل أنفاق غزة لأن لبنان أكبر بكثير.

أما المعضلة الثانية فهي مقتل أو إصابة عدد كبير من عناصر ومسؤولي الحزب في تفجيرات أجهزة الاتصالات التي كان يستخدمها المسؤولون والمقاتلون ذوو المهارات المهام الخاصة.

والمعضلة الثالثة والأخيرة هي فشل الحزب في اكتشاف مدى اختراق الاستخبارات الإسرائيلية له، حيث قالت مصادر قريبة من الدائرة الداخلية للحزب لـ”فورين بوليسي” إن قادة الجماعة يبحثون في كل قطعة من المعدات الإلكترونية التي يمتلكونها.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى