مساعي الإخوان في السيطرة على العواصم الأوروبية
تصاعُد الأحداث في أوروبا، منذ صعود تنظيم داعش الإرهابي إلى سطح المشهد العالمي، ساهم في طرح السؤال الذي يشغل بال غالبية الباحثين في الغرب: كيف نشأ في وادينا كلّ هؤلاء الإخوان؟ جاء ذلك بعد نشر العديد من وثائق أجهزة المخابرات الأجنبية، التي أثبتت استخدام جماعة الإخوان، المصنفة الإرهابية في عدد من الدول، وسيلة للضغط على الأنظمة العربية في الشرق الأوسط، وأيضا للسيطرة على الجاليات العربية المسلمة في الغرب الأوروبي والأمريكي، آخرها تسريبات بريد هيلاري كلينتون، وكشف حقيقة دعم قطر وتركيا بتوجيه أمريكي لما أُطلق عليه “الربيع العربي”.
في السياق نفسه، كشفت تحركات منظمات الإخوان في أمريكا لدعم مرشح الحزب الديمقراطي حجم العلاقة بين الإخوان ورؤساء أمريكا الديمقراطيين، واستخدامهم للإخوان من أجل تغيير خريطة الشرق الأوسط، غير أنّ ما يشبه الاستفاقة ضربت بعض بلدان أوروبا، وجانباً من الساسيين الأمريكيين، على رأسهم دونالد ترامب في الولايات المتحدة، ومانويل ماكرون في فرنسا، نتج على إثرها تقوية جدار الحمية لدى الغرب، للذود عن الهويات الوطنية، ضد توغل الإخوان، وتدشينهم لمجتمعات متطرفة موازية في تلك البلدان.
تقول الكاتبة الصحفية السورية لامار أركندي: “المعروف أنّ تنظيم الإخوان المسلمين هو الرحم الذي أنجب تنظيم القاعدة. وجبهة النصرة، وتنظيم داعش، وغيرها من التشكيلات الإرهابية المنظمة. التي فتكت بالعديد من الدول في مختلف أرجاء العالم. لا سيّما في العالم العربي”.
وأشارت أركندي إلى أنّ تنظيم الإخوان تسلل إلى أوروبا من خلال مؤسسات إسلامية ممولة: “تنظيم الإخوان الذي بات أخطر أقلية إسلامية تهدد أوروبا اليوم، بشكل كارثي. تمدد من خلال انتشار المساجد، لا سيّما مساجد الحركة الإسلامية التركية في كل أرجاء القارة، خاصة في ألمانيا، ومن خلال تدريس مناهج إسلامية تحارب العلمانية، وضعت بعناية فائقة لغسل أدمغة الشباب، ليس فقط المسلم. بل حتى من ديانات أخرى؛ ليجندوهم في خدمة حركة الجماعة. فباتت تلك المساجد، التي انتشرت بدوافع سياسية، أماكن تفريخ لتوليد وإنتاج التطرف. وتصديره حسب مصلحة الدول الممولة والداعمة له”.
ولفتت أركندي إلى أنّ هذه المساعي المستهدفة عقول الشباب تعود إلى بدايات الألفية الثانية؛ “تحديداً إلى عام 2002. حين نظّم المركز الثقافي الإسلامي في أيرلندا، وجمعيات للعلماء المسلمين من ألمانيا وبريطانيا، مؤتمراً في بون، العاصمة السويسرية، للتعليم الإسلامي. ولتحدّي المناهج العلمانية في القارة العجوز، التي تتعارض مع الدين الإسلامي، حسبما كانوا يروّجون”.
وأضافت أركندي: “وكشفت مصادر إعلامية عن اجتماع سرّي للإخوان المسلمين آنذاك، تحدثوا فيه عن أنّ البنية التحتية لهم في العالم تشمل 79 دولة، غالبيتها أوروبية، كون الإخوان. وهم أكثر الجماعات السنّية انتشاراً وأكثرها تطرفاً. كانوا محظورين في بعض البلدان العربية. لكن مع ثورات “الربيع العربي” .وصلوا إلى دفة الحكم في سوريا، ومصر، وتونس، وليبيا. وما تشهده بعض تلك البلدان من فوضى وحرب هو بسبب ظهور الإخوان بشكل علني فيها، تمثلت بالكتائب العسكرية. والفصائل الإرهابية المتشددة، التي حاولت إقامة دويلات للخلافة الإسلامية تهدّد العالم العربي وأفريقيا وآسيا وأوروبا”.
توظيف الإسلام السياسي
من جهته يقول الباحث في شؤون جماعات الإسلام السياسي، عمرو فاروق إنّ الغرب بدأ في احتواء جماعة الإخوان والتضامن معها بشكل كبير جداً منذ الخمسينيات. لافتاً إلى ظهور تيار آخر في أوروبا وهو السلفية الجهادية منذ بداية مرحلة الثمانينيات. وهو المنتشر في بعض المدن الرئيسية. مثل باريس ولندن، مستغلين هامش الحرّيات هناك.
وأضاف “لكنّ الغرب بشكل عام وظّف تيارات الإسلام السياسي لتحقيق مجموعة من الأهداف، وهي استفادة مشتركة”. موضحاً: “دوائر صنع القرار في الغرب كانت ترى في الإسلاميين. بشكل عام، أداة يمكن توظيفها سياسياً ضد الأنظمة العربية. لذلك احتواهم الغرب بدايات النصف الثاني من القرن العشرين عند هجرة أغلب أعضاء تلك الجماعات إلى أوروبا وأمريكا جرّاء مواجهات مع الحكومات العربية. وترك لهم المجال لإنشاء مراكز إسلامية، وبعض المراكز الحقوقية. والتي تمّ استخدامها وتوظيفها ضد الأنظمة العربية الحاكمة، وكانت الدولة المصرية والنظام السوري أكثر الأنظمة التي عانت من هذه الأزمة”.
وأضاف: “من خلال هذه العناصر بدأ توظيف ما يُسمّى بالدوائر السياسية البديلة. بمعنى كيف أهاجم الأنظمة العربية .وأمارس الضغط عليها دون ظهوري في الصورة بشكل واضح، لكن عن طريق أدوات”.
ويلفت الباحث المصري إلى أنّ المقصود بالغرب هنا القوى العظمى. “تحديداً بريطانيا والولايات المتحدة، وهما من وظفتا تلك العناصر كأدوات ضغط عن بُعد، دون أن تكونا في المشهد. سواء كانت تلك العناصر إخوانية أو محسوبة على تيار الإسلام السياسي. بريطانيا والولايات المتحدة فتحتا الباب أمام السلفية الجهادية وتنظيم القاعدة. ودعمتا معسكرات الجهاد الأفغاني لضرب الاتحاد السوفييتي والأنظمة الشيوعية”.
وأشار فاروق إلى أنّ تلك العناصر استخدمت الحرّية الموجودة لصنع شبكات داعمة فيما بينها. “سنجد أنّ الولايات المتحدة وظّفت هذه العناصر في دول الغرب للتأثير أو لصناعة ما. يُسمى بامتدادات داعمة لها، وهذه العناصر بشكل عام ستجد أنها على اتصالات بالمخابرات الغربية البريطانية والأمريكية.
ويتابع فاروق: مثال ذلك أبو عمر المصري. فعندما تقرأ ما نشر عنه في الإعلام الغربي ستجد أنه كان عميلاً مزدوجاً ما بين المخابرات الألمانية والأمريكية، وبالفعل تمّ استخدامهم كأدوات استخبارتية؛
- أولاً: للسيطرة على الجاليات العربية والإسلامية الموجودة في أوروبا. من خلال صنع تيار متشدد، لأنّ ذلك يعني بمفهوم المخالفة أنك في حاجة إلى تيار وسطي يعادل ذلك، وهو ما يحاول الإخوان تصويره للغرب.
- وثانياً: أنّ الغرب واجه بعد مرحلة الثمانينيات الإسلام السنّي مقابل الإسلام الشيعي، لأنه كانت لديهم قراءات أنه ستكون هناك إمبراطورية كبيرة جداً لنظام يعتمد على الفكرة الشيعية. فبدأ يصنع ويدعم ما يُسمّى بالإسلام السنّي المتشدد ليكون في مقابل الإسلام الشيعي الذي أسهم، بدوره، في صعوده بالمنطقة بطريقة أو بأخرى.