خلاف حول النفط الليبي ينذر بامتداد الصراع السياسي
أثار محمد عون وزير النفط في حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة في ليبيا أزمة خلاف الصلاحيات مع المؤسسة الوطنية للنفط، التي طفت على السطح مؤخرا وسط مخاوف من امتداد الصراع السياسي في البلاد إلى الهيئتين المشرفتين على أهم قطاع اقتصادي في البلاد ومصدر دخلها الأساسي.
وقال عون يجيب في رد على منصة “الطاقة” الأميركية حول اعتراض الوزارة مطلع العام الجاري على الاتفاقية المبرمة بين مؤسسة النفط وشركة إيني الإيطالية، موضحا أنه ليس ضد إيني أو توتال أو أيّ شركة تستثمر في قطاع النفط الليبي.
وأوضح على هامش مؤتمر الطاقة العربي الثاني عشر الذي نظّمته منظمة الدول العربية المصدّرة للبترول “أوابك” في العاصمة القطرية الدوحة أن “اعتراضه كان على شروط التعاقد وأُسس التعاقد، وأنه في عامي 2007 و2008 جرى إنجاز هذه الاتفاقيات وآنذاك كان الإيطاليون وجزء منهم موجود الآن، مثل الرئيس التنفيذي لشركة “إيني”، يوافقون على هذه التعديلات في الاتفاقية”.
وتعتبر صفقة الغاز الضخمة (8 مليارات دولار) التي وقعتها حكومة الوحدة الوطنية مع شركة إيني الإيطالية في يناير/كانون الثاني الماضي، نقطة تحول بارزة في خلافات القائمين على صناعة النفط الليبي.
وتقضي صفقة إيني بأن تزود ليبيا إيطاليا بكميات كبيرة من الغاز لمدة 25 عاماً، وذلك بهدف تعويض نقص إمدادات الطاقة إلى أوروبا الذي تسببت فيه الحرب على أوكرانيا، وقوبل توقيع الاتفاقية بالرفض من جانب الوزير عون الذي كان معترضاً عليها من الأساس، معتبراً أن الإجراء يدخل ضمن نطاق صلاحياته هو كوزير للنفط.
وتشير جل الخلافات التي برزت للعلن بين الوزارة والمؤسسة بإداراتها المختلفة إلى حضور البعد السياسي المتمثل في التلميحات والتهم المتبادلة بالتصرف بناء على إملاءات أو ولاءات لأطراف بعينها داخليا أو خارجيا.
واتهم رئيس مؤسسة النفط فرحات بن قدارة بـ”تجاوز صلاحياته” ما دفع الأخير للرد. فيما بعد عبر تصريحات دافع فيها عن توقيع الاتفاقية ومشددا فائدتها للجانب الليبي. وفي أبريل/نيسان الماضي عاد الخلاف بين الطرفين للظهور إلى العلن عندما كشف عون عن تقدمه بشكوى إلى هيئة الرقابة الإدارية حول تفاوض مؤسسة النفط “بشكل مخالف” مع شركة لتأهيل حقلين نفطيين في غرب البلاد. وانخرط الطرفان بعد ذلك في ردود وبيانات صحفية متبادلة غلب عليها التشكيك .والتهم بالتقصير أو الخضوع للإملاءات وغيرها.
وأفاد عون الجمعة، أن اعتراضهم كان على تغيير الحصص. “فنحن نرى أنه لا يوجد اقتصاديًا ما يدعم قول الشركات بأن هذه الحصة التي أصبحت 30 بالمئة، بعد أن كانت 40 بالمئة. ثم زادوها الآن بنحو 7 بالمئة أو 9 بالمئة تجعلهم خاسرين. بل على العكس، هذه الشركات تأخرت في تطوير هذه القطع. التي اكتُشِفَت منذ السبعينيات. أي منذ أكثر من 30 عامًا” حسب تعبير وزير النفط.
ورأى أن الشركات استغلت وضع السياسي في الدولة الليبية من انقسام وضعف الحكومات. وبدأوا يطالبون بتغيير شروط التعاقد. بدليل أن شركة توتال إنرجي الفرنسية وكونوكو فيليبس الأميركية تقدمتا لتعديل شروط الاتفاقيات .رغم أنه من المفروض اتخاذ إجراءات لتطوير الاكتشافات منذ سنوات.
وقال وزير النفط إن شركة كونوكو فيليبس عادت منذ العام 2006. وإلى الآن لم تُطوّر، بينما شركة توتال أخذت حصة ماراثون الأميركية في العام 2019. وادّعت حينها أنها ستطور الاكتشافات التي تديرها شركة الواحة. وإلى الآن لم يحدث شيء، ثم جاؤوا بمطالبات لتعديل الاتفاقيات. وهذا يراه شخصيًا استغلالًا للوضع العام في الدولة الليبية وضعفها.
وفيما يتعلق بمن له الصلاحيات في قيادة المحادثات وزارة النفط والغاز في ليبيا أم مؤسسة النفط. يؤكد عون أن “هذه واحدة من الخلافات الأساسية”. وأضاف أن “هذا اختصاص أصيل لوزارة النفط” وذلك بنص المادة (2) في قانون النفط (25) لعام 1955. والمادة (17) بالنص تقول: إن “أيّ تغيير في الاتفاقيات أو التخلي عنها أو تحويرها. يحتاج إلى موافقة وزارة النفط التي تفرض شروطها”.
ووصل الخلاف بين وزارة النفط بحكومة الوحدة ورئاسة المؤسسة إلى تبادل بيانات .واتهامات عبر وسائل الإعلام إضافة إلى تقديم شكاوى. لدى هيئة الرقابة الإدارية المختصة في فض النزاعات بين الجهات الرسمية.
ويعود الخلاف في بعض مراحله إلى فترة رئيس مؤسسة النفط السابق مصطفى صنع الله. الذي أقيل منتصف العام الماضي .بقرار من رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة الذي عين فرحات بن قدارة خلفاً له.
ومنذ سبتمبر/أيلول العام الماضي لم يعد صراع الصلاحيات. والسيطرة بقطاع النفط مقتصراً على عون وبن قدارة وحدهما. إذ برزت خلافات جديدة آنذاك طرفاها الوزير عون. والدبيبة على خلفية إعادة الأخير تشكيل “المجلس الأعلى لشؤون الطاقة” تحت رئاسته.
وتمنح الصفة الجديدة الدبيبة صلاحيات واسعة تتجاوز صلاحيات وزير النفط ورئيس المؤسسة الوطنية. ما دفع عون إلى الاعتراض والمطالبة بسحب القرار.