لمداراة هزائمه.. جيش البرهان يختلق أزمة مع الإمارات
تتقلب مواقف مجلس السيادة السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان وبتسيير اخواني من وراء ستار، بين موقف ونقيضه كلما ضاق الخناق على قواته التي تواجه هزائم متتالية في مواجهة قوات الدعم السريع، فمن الانخراط في مفاوضات جدّة وانفتاح على حل سلمي للأزمة إلى انقلاب على مخرجاتها ومن مقاطعة لجهود التسوية التي قادتها دول افريقية إلى مشاركة في قمة ‘ايغاد’ والقبول بلقاء مباشر مع محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد الدعم السريع إلى نقض تعهداته، وصولا إلى حملة ضد دولتي الإمارات وتشاد بزعم دعمها لقوات دقلو.
ومحاولة البرهان وفريقه السياسي والعسكري إقحام أبوظبي ونجامينا في الحرب السودانية التي فجرها الجيش في منتصف ابريل/نيسان لا تخرج عن سياسة الهروب إلى الأمام والبحث عن ذرائع للتغطية على الهزائم التي مني بها خاصة بعد أن فقد السيطرة على الجزيرة على اثر سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني.
وأعلنت دولة الإمارات في أكثر من مناسبة أنها تقف على مسافة واحدة من طرفي الحرب في السودان ودعت مرارا إلى وقف إطلاق النار وركزت جهودها في الأثناء على الدعم الإنساني عبر إرسال قوافل من المساعدات للنازحين والمتضررين من الصراع وذلك بالتنسيق مع الهيئات الأممية.
ومع كل هزيمة عسكرية يتعرض في مواقع استراتيجية مهمة يدعي الجيش السوداني تلقي قوات الدعم السريع دعما من أطراف خارجية، في مسعى لتبرير خسارته لأهم المناطق العسكرية على غرار مدينة ود مدني قبل أيام قليلة، ونجاح قوات الدعم في السيطرة على مخازن أسلحة للجيش.
وفي أحدث حلقة لتصدير الأزمة والهروب إلى الأمام، ألقى الفريق ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة السودانية، المسؤولية على دولة الإمارات في ما تكبده الجيش السوداني من خسائر، متهما أبوظبي بمد قوات الدعم السريع بالسلاح دون أدلة على ذلك، متجاهلا المواقف والجهود الإماراتية الداعية منذ بداية الأزمة إلى التهدئة والحوار سبيلا وحيدا لانهاء النزاع المسلح.
وفي خطاب استعراضي أمام جنوده في الثامن والعشرين من نوفمب/تشرين الثاني، اتهم العطا الامارات بأنها ترسل منذ اندلاع الحرب أسلحة الى قوات الدعم السريع عبر أوغندا وإفريقيا الوسطى “بمساعدة فاغنر”. وازدادت حدة التوتر بعد ذلك مع التطورات العسكرية على الأرض وهزيمة الجيش في ولاية الجزيرة.
ويعتقد جلال حرشاوي الخبير في مركز أبحاث رويال يونايتد سرفيسز انستيتيوت فور ديفنس اند سكيوريتي ستاديز، إن سلوك الجيش السوداني هو “تصرف يائس” من قوة “تضيق الخيارات أمامها” خصوصا على الصعيد العسكري أمام قوات الدعم السريع التي تسيطر على الخرطوم وغالبية إقليم دارفور إضافة الى مناطق أخرى يتمدد نفوذها فيها تدريجا.
ويقول حرشاوي “حتى وقت قريب، كان الفريق أول البرهان حذرا ودبلوماسيا وتجنب أي مواجهة كلامية مباشرة مع فاعلين رئيسيين مثل حفتر وروسيا وأبو ظبي”. لكن تصريحات الفريق العطا كانت نقطة تحول.
ويرى سودانيون مقيمون في الإمارات أن تصريحات ممثل الجيش السوداني تفتقر للباقة والدبلوماسية ولا تراعي مصالحهم وتلقي الاتهامات جزافا ضد الإمارات التي بادرت بتقديم تسهيلات كبيرة للمقيمين والزوار السودانيين وأعفتهم من غرامات التأخير وأنشأت “اقامة الطوارئ” للسماح للسودانيين بمواصلة الإقامة في الامارات في مايو/أيار الماضي بعد شهر واحد من نشوب الحرب في السودان كما قدمت مساعدات كبيرة للاجئين السودانيين في الجارة الغربية تشاد.
وينظر البعض إلى العلاقات التاريخية بين الإمارات والسودان على أنها قد تكون سببا في دعم أبوظبي لأحد طرفي النزاع، رغم نفيها الحازم لمزاعم وسائل إعلام غربية بهذا الشأن.
وفي العاشر من كانون الأول/ديسمبر، طلبت وزارة الخارجية السودانية من 15 دبلوماسيا إماراتيا مغادرة البلاد خلال “48 ساعة” بعدما اعتبرتهم أشخاصا غير مرغوب فيهم. وقال وزير الخارجية الموالي للجيش أن تصريحات الفريق العطا جاءت “بسبب وصول الأمور مع الإمارات إلى طريق مسدود”.
ويؤكد محللون اقتصاديون أن النتائج الكارثية لتدهور العلاقات السودانية الإمارتية تؤثر على الاقتصاد السوداني برمته لأن الامارات هي الشريك التجاري الأول للسودان خلال العقدين الماضيين إذ تذهب اليها 45 بالمئة من صادرات السودان ويأتي منها 31 بالمئة من واردات السودان حسب إحصاءات عام 2022.
وقد تكرس اعتماد السودان على سوق الامارات في التصدير والاستيراد طوال أكثر من ثلاثة عقود من الحصار والعقوبات الدولية التي فرضت السودان في عهد الرئيس السابق عمر حسن البشير. ومنذ ذلك الوقت اتخذت الحكومة ورجال الاعمال السودانيين، دولة الامارات مركزا للتجارة الدولية للتغلب على عوائق العقوبات وسوقا للاستيراد وإعادة تصدير المنتجات السودانية خاصة الذهب والصمغ العربي والحبوب الزيتية واستيراد كافة ما يحتاجه السوق السوداني.
ويؤكد المختصون أنه يصعب على السودان أن يجد منفذا أخرا قريبا ومرنا ومنخفض الرسوم والضرائب مثل الامارات، خصوصا في الوقت الراهن مما يعرض المئات من رجال الاعمال السودانيين لخسائر فادحة ويرفع أسعار السلع المستوردة في السودان.
وتؤكد مصادر سودانية مطلعة أن مزاعم الجيش بخصوص دعم الإمارات للدعم السريع هي للتغطية على حقيقة أن قوات الدعم غنمت عتادا كبيرا بسبب سيطرتها على العديد من القواعد العسكرية للجيش، وفي الفترة الماضية راجت معلومات حول تلقي الجيش السوداني مساعدات عسكرية من كل من طهران وأنقرة، خاصة الطائرات دون طيار، والتي حصلت قوات الدعم السريع على عدد منها من مخازن تابعة للجيش في الخرطوم.
وفي مطلع يونيو/حزيران الماضي شنت قوات الدعم السريع، هجوماً على مقرات عسكرية وذات صبغة صناعية عسكرية خاصة مثل مجمع اليرموك في سبيل الحصول على الذخائر والأسلحة النوعية المختلفة وزيادة نسبة تسليحها وامتلاكها للأسلحة.
وأفادت المصادر أنّ الهجمات التي نفذتها قوات الدعم السريع في تلك الفترة كانت بغرض الحصول على الإمدادات الحربية الضرورية بعد فقدان نسبة كبيرة من الذخائر لديها. ومنحت الهجمات على مقر رئاسة قوات الاحتياطي المركزي واليرموك، الدعم السريع كل ما تحتاجه كما أن الهجمات اللاحقة على سلاح الذخيرة والمدرعات يكشف خطط القوات في الحصول على أسلحة خاصة مثل المدرعات القتالية.
واتبعت قيادة الدعم خطة واضحة من خلال السيطرة على المدرعات والاستفادة منها في تحقيق تفوق خاص على الأرض، وكانت الهجمات الأخيرة في دارفور تأتي في سياق التسليح.
وسيطرت قوات الدعم السريع على كميات ضخمة من الأسلحة والذخائر خاصة أسلحة المدفعية المتعددة الصينية والروسية التي تنتج محلياً، وقال ضابط في الدعم السريع طلب عدم ذكر اسمه إن القوات سيطرت على ناقلات للوقود والأفراد من مواقع عسكرية وتجارية ونقلت مئات القطع من الآليات الثقيلة من معارض خاصة وعدلتها لنقل المعدات العسكرية والجنود. وأقامت دورات تدريبية للجنود على استخدام مدفع الهاون.
وتُصنع طائرات مسيرة محلية أو تعدّل في مجمع اليرموك وهو مجمع عسكري يقع في الخرطوم، سيطرت عليه قوات الدعم السريع.
ونقلت تقارير غربية أن قوات الدعم السريع تلقت مجموعة محدودة من المسيرات من قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر وسيارات مدرّعة، لكن قائد الدعم السريع حميدتي قال في تسجيل صوتي سابق إنّ قواته حصلت على مسيرات من مخازن الجيش.
ولجأت قوات الدعم السريع إلى استخدام طائرات مسيرة مسلحة بقنابل وبعضها بالقذائف خلال هجومها على مواقع استراتيجية مكنتها من الاستيلاء على أماكن عديدة، وشوهدت في معارك الفرقة 16 مشاة نيالا التابعة للجيش.
وتمتلك قوات الدعم السريع، سيارات مدرعة مصنعة في أوروبا استخدمتها لمراقبة المهاجرين غير الشرعيين على الحدود مع ليبيا ونقلتها للفاشر ومن ثم الخرطوم في أبريل/نيسان الماضي. وظهرت مع الدعم السريع عند الهجوم على سلاح المدرعات جنوبي الخرطوم المدرعة البيلاروسية “كايمان” وطرازات من مدرعات صرصر 4 وصرصر 5 التي تصنع محلياً ما يعكس نقلة جديدة للقوات في عملية التسليح خلال الحرب.
وفي مقطع فيديو نشر على نطاق واسع ظهر عنصر للدعم السريع في الخرطوم داخل هيكل مبنى وهو يحمل قاذف قنابل صيني ينتج محلياً بواسطة الجيش ما يرجح استحواذ الدعم السريع عليه من مجمعات ومخازن الأول.