نصف سنة من النزاع: كيف يؤثر نشاط الإخوان في الصراع بالسودان؟
في البداية دسوا فلولهم بمنعطف الأحداث قبل أن تنزل الرؤوس للشوارع، ضمن تكتيك محروق ينشد إعادة التموقع عبر التكسب السياسي من الأزمات.
ظهور جديد لإخوان السودان لا يعتبر مستجدا أو مفاجئا. فالخطوة سبقتها محاولات سابقة في أبريل الماضي، عبر عمليات تخريب واسعة ونهب لمنازل المواطنين ومقار الشركات والمصانع.
وحين فشلت أذناب نظام الرئيس المعزول عمر البشير في تحقيق هدفهم. ظهرت بعض القيادات في الولايات تحرض على الاقتتال والحرب، في استثمار بشع للأزمة فجر موجة غضب واستياء واسعا.
ويتخوف كثيرون من استغلال القيادات الإخوانية الهاربة من السجون الذي يطلق عليهم السودانيون مصطلح “الكيزان” الوضع الحالي المتأزم. وتأجيج الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتنفيذ عمليات اغتيال، توطئة لعودتهم إلى السلطة مرة أخرى.
جولات ميدانية
تقارير متطابقة ذكرت أن قادة حزب المؤتمر الوطني المحلول (النظام الحاكم السابق) يتقدمهم أحمد هارون وعوض الجاز، التقوا كوادر من الحزب والحركة في ولاية كسلا شرقي السودان، وأنهم يعتزمون تنفيذ جولة في عدد من المدن شرق البلاد ووسطها.
كما تحدثت تقارير أخرى عن جولات غير معلنة لكل من علي كرتي، ونافع علي نافع، والفاتح عز الدين، وجميعهم كانوا معتقلين على ذمة عدد من القضايا.
وفي 25 أبريل الماضي، أي بعد أيام من بدء النزاع بين الجيش و”الدعم السريع“، غادر قادة النظام السابق، على رأسهم علي عثمان محمد طه، وأحمد هارون، ونافع علي نافع، وعوض الجاز، سجن كوبر بالخرطوم بعد أن قررت السلطات إطلاق سراح المساجين عقب موجة احتجاج عارمة قادها المحتجزون لانعدام الغاز وانقطاع المياه.
وقال هارون، آخر رئيس لحزب المؤتمر الوطني المحلول، في بيان صوتي وقتها، إنهم اتخذوا قرارهم الخاص بتحمل مسؤوليتهم في توفير الحماية لأنفسهم في ظل ازدياد حدة الاشتباكات المسلحة التي كانت تدور حولهم.
ويواجه أحمد هارون المطلوب أيضاً للمحكمة الجنائية الدولية الذي كان معتقلا منذ عام 2019، عددا من التهم من بينها بلاغ حول فتوى قتل المتظاهرين وقضايا أخرى متعلقة بجرائم حرب وقعت في إقليم دارفور.
كما يحاكم كل من نافع علي نافع وعوض الجاز، وعلي عثمان في قضية انقلاب الـ30 يونيو بمعية عسكريين وقيادات في الصف الأول من الحركة الإسلامية التي خططت للانقلاب الذي أطاح بالحكومة الديمقراطية في 1989.
دعوة لـ”الجهاد”
قال رئيس الحركة الشعبية (التيار الثوري الديمقراطي) ياسر عرمان، في تغريدة عبر موقع تويتر، إن “كسلا (شرق) أضحت مركزا من مراكز كبار قيادات الفلول المُختفين في السواقي والداعين لـ”الجهاد”، وعلى رأسهم الجاز وهارون وحاج ماجد”.
وأضاف أن “الفلول شعارهم دول النهر والبحر لنا وباقي السودان إن أمكن، ويعملون على توسيع دائرة الحرب وإطالة أمدها ومعاناة الناس”.
من جهته، قال القيادي بحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) عثمان الميرغني “على أهلنا في شرق السودان الانتباه جيدا، فهناك ما يحاك سرا، وما حدث في 2019-2021، ليس ببعيد”.
وكتب الميرغني عبر صفحته الرسمية بموقع فيسبوك “لكن هذه المرة ستكون العواقب وخيمة والنتائج مدمرة على ما تبقى من نسيج شرق السودان الاجتماعي الممزق في ظل حالة (اللادولة) وتفتت مركز السلطة وصخب طبول الفتنة وغوغائها”.
دهشة واستغراب
قال بيان أصدره المتحدث باسم هيئة الاتهام في بلاغ انقلاب يونيو 1989، مُعز حضرة، إن “ظهور المتهمين في بلاغ انقلاب الثلاثين من يونيو ببعض الولايات الخاضعة لسيطرة الجيش ودعوتهم للحرب العبثية تحت سمع وبصر الجيش وما تبقى من الشرطة أمر يدعو للدهشة والاستغراب”.
وطالب الشرطة والاستخبارات العسكرية بالقبض على المتهمين المطلوبين للعدالة وتسليمهم لأقرب مركز شرطة أو نيابة، وهدد باتخاذ إجراءات قانونية في مواجهة أي وكيل نيابة أو شرطي ظهر المتهمين في نطاق اختصاصهم ولم يقوموا باتخاذ الإجراءات القانونية المطلوبة ضدهم.
واتهم الاستخبارات العسكرية بـ”اعتقال الناشطين السياسيين من المدنيين الداعين لوقف الحرب في مختلف ولايات السودان التي يسيطر عليها الجيش السوداني. وبينما ترفض توقيف قادة نظام الرئيس المعزول الفارين من العدالة”.
جدير بالذكر أن الرئيس المعزول عمر البشير ومساعديه عبدالرحيم محمد حسين، وبكري حسن صالح محتجزين في مستشفى “علياء” التابع للسلاح الطبي بمدينة أم درمان غربي العاصمة الخرطوم.
بدورها، قالت قوات “الدعم السريع، التي يقودها محمد حمدان دقلو الشهير باسم “حميدتي“، في بيان، إن “نشاط قادة النظام البائد وتحركاتهم في عدد من ولايات البلاد يتم تحت حماية قوات الانقلابيين في الاستخبارات العسكرية وجهاز المخابرات العامة والشرطة، وبتمويل من حكومات الولايات”، على حد تعبيرها.
وأوضح البيان أن “دعوة قادة النظام الفارين إلى الاستنفار لدعم الجيش، دليل دامغ على أن الحرب الدائرة هي جزء من مخطط كبير بين النظام البائد وقادة الجيش لاستعادة سلطتهم” حسب قول البيان.
تدبير انقلاب
وبدأت في 21 يوليو 2020 أولى جلسات محاكمة البشير مع آخرين، باتهامات ينفونها بينها تدبير “انقلاب”، و”تقويض النظام الدستوري”.
وتقدم محامون سودانيون في مايو 2019 بعريضة قانونية إلى النائب العام بالخرطوم، ضد البشير ومساعديه، بنفس التهمة، وفي الشهر ذاته، فتحت النيابة تحقيقا في البلاغ.
وإلى جانب البشير، فإن من بين المتهمين قيادات بحزب المؤتمر الشعبي (أسسه القيادي الإخواني الراحل حسن الترابي)، علي الحاج، وإبراهيم السنوسي، وعمر عبدالمعروف، إضافة إلى قيادات النظام السابق، علي عثمان، ونافع علي نافع، وعوض الجاز، وأحمد محمد علي الفششوية.
وفي 30 يونيو 1989، نفذ البشير “انقلابا” عسكريا على حكومة رئيس الوزراء الصادق المهدي، وتولى منصب رئيس مجلس قيادة ما عُرف بـ”ثورة الإنقاذ الوطني“، وخلال العام ذاته أصبح رئيسا للبلاد.
وأُودع البشير سجن “كوبر” المركزي شمالي الخرطوم، عقب عزل الجيش له من الرئاسة في 11 أبريل 2019، بعد 3 عقود في الحكم، تحت وطأة احتجاجات شعبية منددة بتردي الوضع الاقتصادي.
تحريض القبائل
يرى الكاتب والمحلل السياسي أمير بابكر أنه “منذ عهد حكم نظام البشير ظلت سياسته من أجل الاستمرار في الحكم هي إزكاء عوامل الفتنة بين المكونات الاجتماعية. وذلك بإعلاء قيمة القبيلة على الدولة، وعمد إلى تقريب قبائل على أخرى، مثلما ظل يعمل على اختراق وشق القوى السياسية”.
ويقول بابكر “بعد سقوط النظام لم يكن أمام قياداته إلا أن تقتات من تحريض القبائل والمكونات الاجتماعية بعضها ضد بعض. في محاولة لوضع المتاريس والعراقيل أمام حكومة الفترة الانتقالية حتى لا تحقق أهدافها، وبلغ ذروة محاولاته في الدفع باللجنة الأمنية لنظام البشير، التي سيطرت على الحكم بعد سقوط النظام، إلى تنفيذ انقلاب 25 أكتوبر 2021″.
وتابع قائلا: “استمرت محاولاتهم للعودة مجددا إلى الحكم عن طريق إذكاء نيران الفتنة القبلية في البلاد بعد فشل الانقلاب في الوصول إلى غايته. واختتموها بآخر الكروت وهي إشعال فتيل الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، اعتقادا منهم أنها الخطوة التي ستعيدهم إلى المشهد بقوة”.
وأردف: “ولكن مع إصرار الشعب السوداني إلى وقف الحرب، لأنه المتضرر أولا وأخيرا منها، ومصالح الإقليم والعالم في العمل على استقرار البلاد. أسقط في يدهم، وبدأوا التحرك في بعض الولايات لممارسة عادتهم في تأجيج الصراع بين المكونات الاجتماعية وإشعال الفتن لقطع الطريق أمام أي محاولات لوقف الحرب”.
ومستدركا قال بابكر: “لكن هذه المحاولات ستفشل في النهاية أمام رغبة الأطراف التي لها مصلحة في السلام والاستقرار والحكم المدني الديمقراطي، رغم أنها ستزيد من معاناة المواطنين لكنها لن تستمر طويلا ولن تنجح”.
تشريد وإخلاء الشعب السوداني
مع وصول الحرب إلى مرحلة الستة أشهر الأولى، اضطر ما يقرب من 6 ملايين شخص إلى الفرار من منازلهم. هناك حوالي 4.5 مليون شخص نازح داخل السودان، بما في ذلك ما يقدر بنحو 105,000 امرأة حامل حالياً. وقد لجأ أكثر من 1.2 مليون شخص هرباً من القتال الدائر في البلدان المجاورة مثل جمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان. وما يقرب من تسعة من كل عشرة من النازحين هم من النساء والأطفال.
الاستغلال والعنف الجنسي
لقد تُركت النساء والفتيات يكافحن من أجل الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية والحماية المنقذة للحياة. حوالي 80% من المستشفيات في المناطق المتضررة من النزاع أصبحت خارج الخدمة. وفي مناطق الخرطوم ودارفور وكردفان، يعمل أقل من ثلث المرافق الصحية بكامل طاقتها. وتبلغ جميع الولايات في السودان عن نقص حاد في الأدوية والإمدادات، بما في ذلك أدوية صحة الأم المنقذة للحياة. وفي البلدان المجاورة، تعتبر البنية التحتية والخدمات الأساسية سيئة، كما أن تدفق الأشخاص الذين يبحثون عن ملجأ أمر مرهق.
لقد كان للعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي أثر فادح على النساء والفتيات، حيث تعرض الوصول إلى خدمات الحماية وحميدتي وعبر الحدود للخطر الشديد. كما زادت مخاطر الاستغلال والاعتداء الجنسيين بالنسبة للنساء والأطفال الذين يعيشون في ملاجئ مؤقتة أو في مواقع النزوح المكتظة.
يقوم صندوق الأمم المتحدة للسكان بتنسيق الجهود مع الحكومات الوطنية وحكومات الولايات والشركاء في المجال الإنساني لزيادة الدعم والخدمات التي تشتد الحاجة إليها من أجل الصحة الإنجابية ومنع العنف القائم على النوع الاجتماعي والاستجابة له في المناطق التي بها أعداد كبيرة من النازحين داخلياً في السودان. وفي مواقع الاستقبال/النزوح في البلدان المجاورة. ويشمل ذلك نشر القابلات والفرق المتنقلة والإمدادات لبناء القدرات في مجال صحة الأم ورعاية التوليد في الحالات الطارئة والإدارة السريرية للاغتصاب لتلبية الاحتياجات الصحية واحتياجات الحماية للنساء والفتيات المشردات.