جنين تتحول إلى منطقة حرب مرة أخرى بعد الهجوم الإسرائيلي
في وسط مدينة جنين وعند المدخل الرئيسي لمخيم اللاجئين في المدينة اهتزت الأرض مع دوي الانفجارات. وغرقت قذائف المدفعية والرشاشات وصفارات سيارات الإسعاف والصراخ وتناثرت الطرق بأغلفة الرصاص والزجاج المكسور. وامتلأ الهواء بالغاز المسيل للدموع وأعمدة الدخان الأسود من الإطارات المحترقة، وأضرمت النيران لمنع وصول الإسرائيليين للمخيم الأشهر في فلسطين.
التاريخ يعيد نفسه
وبحسب صحيفة “الغارديان” البريطانية، فقد شهدت جنين، وهي مدينة فقيرة في شمال الضفة الغربية المحتلة، بعض أسوأ المعارك في الانتفاضة الفلسطينية الثانية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وبعد عقدين من الزمن، عادت الحرب واسعة النطاق إلى شوارع المدينة. حيث ظهرت الصدمات القديمة على السطح للأجيال الأكبر سناً وفتحت أعين الشباب.
وتابعت: إن القتال العنيف احتدم في مخيم جنين للاجئين والذي يقطنه قرابة 11 ألف شخص منذ الساعات الأولى من يوم الاثنين، عندما أطلق الجيش الإسرائيلي عملية المنزل والحديقة، وهي أكبر هجوم له في الضفة الغربية منذ 20 عامًا.
بحلول وقت متأخر من بعد الظهر، قُتل ما لا يقل عن ثمانية فلسطينيين في الضربات الجوية الكبرى الأولى بطائرات بدون طيار في الضفة الغربية منذ 15 عامًا، وفي قتال بري شارك فيه ما يصل إلى 2000 جندي إسرائيلي.
وأضافت الصحيفة: أن الجرافات -السمة المميزة الأخرى للانتفاضة الثانية- دمرت أو ألحقت الضرر بالمنازل والسيارات والشوارع. قال الجيش الإسرائيلي إنهم استخدموا لتطهير الطرق من العبوات الناسفة.
فوضى وتوقف للخدمات
وأفادت الصحيفة البريطانية بأن المستشفى المحلي في جنين كان فوضويًا للغاية، مع توقف الخدمات الرئيسية وعلى رأسها الكهرباء، مع الدم الملطخ على الأرض، بينما كان الأشخاص الذين يبحثون عن مأوى يدخنون السجائر خارج غرف العلاج ويحاولون النوم في ممرات أكثر هدوءًا، كانت ثماني جثث ملقاة في المشرحة بينما كان أفراد الأسرة يتنقلون ذهابا وإيابا.
قال الدكتور محمود باسليت، جراح العظام الذي عمل في مستشفى جنين الحكومي على مدى السنوات الأربع الماضية: “هذا من أسوأ الأيام التي مررت بها على الإطلاق”، مؤكدًا أن المستشفى يعالج 35 مصابا في المداهمة، من بينهم نحو 10 تطلبوا عمليات جراحية.
وتابع: “نحن أقرب مركز طبي إلى المخيم، فنحن على بعد 200 متر فقط من الطريق، لكن الجنود لم يسمحوا لبعض سيارات الإسعاف بالمرور. نحن نعلم أن هناك الكثير من الجرحى بالداخل لا يمكننا الوصول إليهم”، وفي تعليق عبر البريد الإلكتروني نفى الجيش الإسرائيلي عرقلة عمل الأطباء الفلسطينيين.
الأكثر دموية
أكدت الصحيفة البريطانية، أن جنين هي موطن أحد أكبر المخيمات في الضفة الغربية التي أقيمت للفلسطينيين الذين طردوا من منازلهم بعد قيام دولة إسرائيل. لطالما كانت مركز مقاومة للاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ 55 عامًا للأراضي الفلسطينية، واليوم لا تزال تعاني من ارتفاع معدلات الفقر والجريمة والبطالة، كما أن المعارك بالأسلحة النارية بين القوات الإسرائيلية والجماعات الفلسطينية المسلحة في الشوارع الضيقة شائعة.
وتابعت: إن المخيم هو بؤرة موجة جديدة من العنف التي تجتاح إسرائيل والأراضي الفلسطينية، وطبقاً للجيش الإسرائيلي. فإن 50 هجوماً بإطلاق النار على إسرائيليين في العامين الماضيين نشأت في جنين ولجأ 19 مشتبهاً إلى هناك.
وأضافت: أنه حتى الآن قُتل ما لا يقل عن 133 فلسطينيًا و 24 إسرائيليًا في عام 2023؛ ما يعني أن هذا العام في طريقه ليكون الأكثر دموية في الضفة الغربية وإسرائيل منذ عام 2005. وأدت عمليتان إسرائيليتان مفاجئتان في قطاع غزة المحاصر خلال العام الماضي إلى مقتل 83 فلسطينيا وإسرائيلي واحد.
تصاعدت حدة القتال في جنين خلال الأسابيع القليلة الماضية. وفي الشهر الماضي، أُجبر الجيش الإسرائيلي على إرسال مروحية حربية لأول مرة منذ عقدين للمساعدة في إنقاذ وحدة برية لم تكن متوقعة.
قال جهاد حسن (63 عاما) الذي كان يعتني بابنه في المستشفى: “أصبت في ساقي بصاروخ في الانتفاضة الثانية، انظر الآن، بعد 20 عامًا، ابني هنا، في نفس السرير تقريبًا، وبنفس الإصابة، التاريخ يعيد نفسه”.
وأوضحت الصحيفة البريطانية، أنه ليس من الواضح سبب إجراء مثل هذه العملية الكبيرة في جنين الآن. وأشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أنه كان مخططًا منذ فترة طويلة وأن تنفيذه تأجل لما بعد عطلة العيد الأسبوع الماضي.
وتابعت: إن هذه الجولة من إراقة الدماء لم تتصاعد بعد إلى حرب شاملة. لكن الأحداث التي وقعت العام الماضي تشير إلى فتح فصل جديد في الصراع المستمر منذ عقود – وليس من الواضح أبدًا ما الذي سيضيئ الشرارة. بالنسبة لأهالي جنين، أصبحت الحياة اليومية الآن منطقة حرب على أي حال.