هل يتجاوز الرئيس العراقي العراقيلَ بالعراق؟
يدرك الرئيس العراقي المنتخب حديثاً أنّ مقامه في بغداد لن يستمر لأكثر من ولاية رئاسية. وذلك لاعتبارات تعود للانقسام الكرديّ الكرديّ.
إضافة إلى عامل العمر، وهو في العقد الثامن من عمره (78 عاماً)، ناهيك عن العواصف السياسية التي تعصف بالعراق لذلك فإنه يحرص على تعزيز مكانته في السليمانية. حيث قاعدته الحزبية وحاضنته الاجتماعية، والتي لا يمكن له التفكير بمعزل عن الضغوطات التي تمارسها عليه، وبمعزل عن مستقبله وعائلته فيها.
ولعلّ هذه العوامل تلعب دورين قد يبدوان متناقضين للوهلة الأولى، لكن يمكن أن يطوّعها في خدمة رؤيته، إذا تحلّى بالجرأة والقوة. وقد تساعده على أن تعزيز مكانته وحضوره وتأثيره في ملفّات داخلية وخارجية شائكة، باعتبار أنّ هذه فرصته الوحيدة لإثبات ذاته وترك بصمة في تاريخه. ويمكن له أن يتحرّر من القيود الدبلوماسية التي تفرضها الرغبة وخطط إعادة الانتخاب عادة، لأنه لن يعوّل على أية ولاية أخرى قد تبدو بعيدة بحسب المؤشرات الراهنة.
يواجه رشيد المهتمّ بالقضايا البيئية، مهمّات صعبة في بلد شديد الانقسام، ويملك خبرة سياسيةً طويلةً في الحكومة الاتحادية في بغداد. فقد كان عضوا في الحكومة العراقية الأولى التي شكلت بعد الإطاحة بصدام حسين في العام 2003 إثر الغزو الأميركي.
يعدّ عبداللطيف رشيد من جيل المؤسسين في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني. وكان ممثلاً له في لندن في تسعينيات القرن الماضي. كما كان مقربا من الرئيس الراحل جلال طالباني مؤسس الاتحاد الوطني، وعمل مستشاراً رئاسيا بعيداً عن الأضواء منذ العام 2010.
مخاطر الجفاف
يُعرف عن رشيد قربه من إيران، ومن الأطراف الموالية لها في المشهد العراقي، وبخاصة الإطار التنسيقي، وهو التحالف المهيمن حالياً على البرلمان، ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي، أحد أبرز قيادييه. وبقدر ما يتبدى رشيد كوجه جديد للشباب العراقي إلا أنّه من السياسيين المخضرمين في بغداد، ويعرف أدق التفاصيل والانقسامات بين مختلف التيارات السياسية العراقية.
يُضفي رشيد خبرة مهنية مهمة لمنصب الرئاسة في بلد يعاني من مخاطر الجفاف ويعدّ واحداً من أكثر خمسة دول عرضةً لتأثيرات التغير المناخي. ويتوقع أن يواجه معارك عهدها عندما كان وزيرا للموارد المائية، لا سيما الخلاف الدبلوماسي مع تركيا المجاورة بشأن قضية المياه. فضلاً عن حماية الأهوار المهددة بالجفاف، والتي لعب دوراً بإعادة إحيائها في العام 2004.
يَعي رشيد حساسية ملف المياه للعراق والمنطقة، ويدرك أهمية المياه لاستقرار العراق، وبناء علاقات حسن جوار مع كلّ من تركيا وإيران، وبخاصة أن كلّاً منهما يتسبّب بنسبة ما في أزمة العراق المائية التي تشكّل تهديداً وجودياً كبيراً لأمنه ومستقبله.
أكّد رشيد في مقال سابق له على أنّ المياه ليس قضية عابرة. وقدّم مقترحات للتخفيف من حدّة الأمة المائية، وتوجّهت مقترحاته في اتجاهين، أحدهما داخلي والآخر خارجي، حيث قال إنّه يجب بداية تشكيل مجلس أعلى للمياه من الخبراء والمتخصصين خارج الأطر البيروقراطية المعتادة في العمل الإداري والحكومي، ومهمة هذا المجلس وضع سياسات لإدارة ملف المياه، وتحظى توجيهات وخطط المجلس بقيمة اعتبارية ومهنية ملزمة للجهات الحكومية التنفيذية.
وشدّد على أنّ الاتجاه الثاني يتضمن التحرك السياسي والدبلوماسي لإطلاق حوار إقليمي موسع للتوصل الى توافقات واتفاقات بين حكومات الدول، وبالأخص تركيا وإيران والعراق وسوريا. لإيقاف الخطوات والمشاريع التفردية مثلما تفعل تركيا ببناء السدود العملاقة التي تؤثر بشكل كبير على الإمدادات المائية في نهري دجلة والفرات.
عقد مؤتمر دولي
ودعا رشيد إلى أن يسعى العراق لعقد مؤتمر دولي أو اقليمي في هذا السياق وأن يجعل من هذا الملف أساسيا في علاقاته مع الدول الأخرى. لأن استقراره مرهون باستمرار تدفق كميات مناسبة من المياه، وهو استقرار ضروري لبقية دول المنطقة.
وأكّد رشيد في تصريحات سابقة له أن التدفقات المائية من إيران وتركيا لن تعود إلى سابق عهدها، وبيّن أنّ الحل الجوهري لأزمة المياه في العراق يكون عبر وجود إدارة مائية حديثة وحازمة ورصينة. والتوصل الى “إدارة تشغيلية مشتركة” مع دول المنبع. ولفت إلى أنّ المشاريع المائية في تركيا وإيران بدأت منذ عقود وأثرت على كمية المياه ونوعيتها القادمة من دول المنبع الى دولة المصب؛ العراق.
وشدّد رشيد كذلك على أن المفاوض العراقي لن يكون قويا إلا إذا ساندته الدولة العراقية كلها، بكل مفاصلها. وأبعدت المؤسسات والقوى السياسية مصالحها وعلاقاتها عن هذا الملف المهم والذي يتعلق بالحياة اليومية للعراقيين كما يؤثر على أمن واستقرار البلاد أكثر بكثير من الارهاب والحروب.
اليوم وقد أصبح رشيد رئيساً للعراق، كيف سيتعامل مع ملفّ المياه، وهل يمكن أن يمضي بالتشدّد فيه ويغضب كلّاً من إيران التي يعدّ حليفاً موثوقاً لها. وتركيا التي لا يخفي انتقاداته لسياساتها المائية، وليس على وفاق معها كوفاقه مع إيران.
منسوب مخزون العراق المائي
ومن المعلوم أنّه منذ سنوات، يتراجع منسوب بحيرة دوكان ونهر الزاب، كما هي الحال مع غالبية مجاري المياه في العراق الذي يُعد، بحسب السلطات العراقية. بين البلدان الخمسة الأكثر عرضةً لتأثيرات التغير المناخي والتصحر في العالم.
فقد انخفض مخزون العراق المائي بنسبة 60%. ومع تراجع نسبة الأمطار وثلاث سنوات جافة، أرغم العراق على خفض مساحة أراضيه المزروعة.
وليس الجفاف المذنب الوحيد في هذه الأزمة. إذ تقوم إيران المجاورة ببناء سدود على نهر الزاب. لا سيّما سدّ كولسه “الذي تسبب بانخفاض بنسبة 80% في منسوب الزاب الصغير”.
وكانت بغداد أرسلت وفداً إلى إيران، لكنّ الإيرانيين لم يكونوا متعاونين. وقالوا إن المياه القادمة من أراضيها تمثل فقط 6% تقريباً من مياه دجلة والعراق.
وطلبت من العراقيين أن يعالجوا مشاكلهم المرتبطة بنهري دجلة والفرات مع تركيا، من حيث ينبعان.
وعلى الرغم من أنه ينتظره ملفٌ شائكٌ هو أداء دور في تهدئة العلاقات المتوترة بين بغداد وإقليم كردستان، إلّا أن ملفّ المياه الذي يركز عليه رشيد قد يكون عامل توتر إضافياً في العلاقات بين الطرفين. وبخاصة أن إقليم كردستان يريد أن يبني سدودًا جديدة من أجل “تأمين أمنه المائي”. لكن هذه المشاريع تنظّم، بحسب خبراء، من دون التنسيق بين كردستان والحكومة المركزية في بغداد.
أسئلة كثيرة ملحّة ستنتظر إجابات رشيد وممارساته بعيداً عن الأقوال عليها. ومنها كيف سيتعامل مع هذه التحدّيات الإشكالية؟ وهل يمكن له أن يساهم بتجاوز العراقيل وتهدئة الخلافات أم أنّه سيبقى رهين التجاذبات والتناقضات السياسية المتجدّدة على الساحة العراقية؟
الرئيس العراقي المنتخب حديثاً
يشار إلى أن رشيد ولد في 10 أغسطس 1944 في السليمانية، ثاني أكبر مدن إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي في شمال العراق. وأكمل دراسته في جامعة ليفربول وبعدها مانشستر. وحصل عام 1976 على شهادة الدكتوراه في الهندسة الهيدروليكية. عمل مدرسا في جامعة السليمانية بين عامي 1969 و1971، ثم اعتبارا من عام 1971 عيّن مهندسا استشاريا في شركة “سير وليام هالكرو” حتى عام 1979 لينتقل بعدها للعمل في مشروع تطوير “المرعى الشمال” في الصومال. وفي عام 1981 شغل رشيد لمدة عامين منصب مدير مشروع منظمة الغذاء والزراعة الدولية لوادي توبان الذي يقع جنوبي اليمن المموّل من البنك الدولي وصندوق الكويت. شغل أيضا منصب “مهندس مقيم” في منظمة الغذاء والزراعة الدولية لسد وادي جيزان وشبكة الري بالسعودية، ومديرا لمشروع تطوير وادي جيزان لعامي 1983 و1986. وتولى بين عامي 2003 و2010، منصب وزير الموارد المائية وشارك في حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.