بعد استفتاء الدستور التونسي.. ما الخطوة القادمة لقيس؟
مرحلة هامة في مسارها السياسي أنجزتها تونس في طي صفحة الإخوان السوداء. فبعد أجرت استفتاء على مشروع الدستور الجديد. والذي حظي بموافقة نحو 93% من الناخبين، بحسب استطلاع للرأي.
و قال الرئيس التونسي قيس سعيد في أول تعليق بعد إعلان تلك المؤشرات. إن أول قرار بعد الاستفتاء على الدستور سيكون وضع قانون انتخابي والذي من شأنه أن “يغير شكل الانتخابات القديمة”.
حيث أظهر استطلاع لآراء المشاركين في الاستفتاء أجرته مؤسسة “سيجما كونساي” أن 92.3 % من الناخبين المؤهلين الذين شاركوا في الاستفتاء يؤيدون دستور سعيد الجديد. وقدرت الهيئة العليا للانتخابات نسبة المشاركة الأولية عند 27.5 %.
وبعد قليل من نشر استطلاع الرأي، توافد المئات من أنصار سعيد على شارع الحبيب بورقيبة بوسط العاصمة للاحتفال. وهتفوا بشعارات منها “الشعب يريد تطهير البلاد” و”انتهت اللعبة.. السيادة للشعب“.
كما رددوا شعارات مناهضة لجماعة الإخوان وحزب النهضة، من بينها “يا غنوشي يا سفاح يا قتال الأرواح” و”لا خوف لا رعب السلطة ملك الشعب” و” تونس حرة حرة و الغنوشي على بره“.
وصرح نجيب البرهومي الناشط والمحلل السياسي. أن نسبة الإقبال مرتفعة مقارنة بالانتخابات التشريعية لسنة 2019 وتعتبر قياسية.
مضيفا أنه رغم حرارة الطقس إلا أنها لم تعق التونسيين عن ممارسة واجبهم الانتخابي والتصويت على دستور ينهي حقبة الإخوان.
حيث أكد أن الشعب التونسي متعطش لغد أفضل ولدحر المنظومة السابقة عبر امتحان شعبي وعبر طريق صندوق الاقتراع .
واستطرد أن قيس سعيد يهدف من خلال هذا الدستور الجديد لتأسيس دولة ذات سيادة وإنهاء كل الثغرات التي كانت في دستور 2014 التي عملت على تنامي الإرهاب والفساد. مضيفا أن حركة النهضة استغلت هذا الدستور لخدمة لمصالحها.
وقد دُعي نحو 9 ملايين و278 ألفا و541 ناخبا تونسيا، إلى الاقتراع على مشروع الدستور. من بينهم 348 ألفا و 876 ناخباً مسجلاً بدوائر الخارج، و8 ملايين و929 ألفا و665 ناخبا داخل البلاد.
ترميم خراب الإخوان
والدستور التونسي الجديد يقطع مع مسار إخواني كبل الحقوق والحريات ووضع قانونا على مقاس أطماع تنظيم استنزف الدولة وشعبها.
والدستور الجديد يجمع خبراء في القانون الدستوري على أنه يشكل ويستبطن قطيعة مع دستور صاغه الإخوان وأصدروه في 2014. ويكتب انعطافة إيجابية بمسار إصلاحي بدأه سعيد منذ 25 يوليو 2021، ويستكمل لمساته باستفتاء حول دستور جديد يضبط شؤون الدولة ويخرج شعبها من الضيق.
وتمثل التغيير الكبير الذي حصل على الدستور في إقرار واضح لنظام رئاسي ولم يعد للرئيس فيه صلاحيات الدفاع والخارجية كما نص عليها دستور 2014. بل توسعت لتشمل أبعد من ذلك اختصاصات تعيين الحكومة والقضاة وتقليص النفوذ السابق للبرلمان.
وأصبح لرئيس الجمهورية حق تعيين رئيس الحكومة وبقية أعضائها باقتراح من رئيس الحكومة كما يُخوّل له الدستور إقالتها دون أن يكون للبرلمان دور في ذلك.
كما أن للرئيس، القائد الأعلى للقوات المسلحة، صلاحيات ضبط السياسة العامة للدولة ويحدد اختياراتها الأساسي. ولمشاريعه القانونية “أولوية النظر” من قبل نواب البرلمان.
فضلا عن ذلك، انقسمت الوظيفة التشريعية بين “مجلس نواب الشعب” ينتخب نوابه باقتراع مباشر لمدة خمس سنوات و”المجلس الوطني للجهات” ويضم ممثلين منتخبين عن كل منطقة على أن يصدر لاحقا قانون يحدد مهامه.
ويندرج إرساء هذا المجلس في إطار تصوّر الرئيس قيس سعيّد بلامركزية القرار، وأن الحلول للمناطق المهمشة والتي تفتقد للتنمية يجب أن تطرح من قبل الأهالي.
إلى ذلك، يقبل الرئيس استقالة الحكومة إثر تقديم لائحة لوم مُصادق عليها بغالبية الثلثين للمجلسين مجتمعين.
وحافظ سعيّد على “حرية المعتقد والضمير” التي نص عليها دستور 2014.
أما الفصل الخامس والخمسون فينص على أن “لا توضَع قيود على الحقوق والحرّيات المضمونة بهذا الدستور إلّا بمقتضى قانون ولضرورة يقتضيها نظام ديمقراطي وبهدف حماية حقوق الغير أو لمقتضيات الأمن العامّ أو الدفاع الوطني أو الصحّة العموميّة“.
ورغم أن الإخوان حاولوا اللعب على هذا الفصل من خلال زعم أنه يتيح للسلطات مجالا كبيرا للحدّ من الحرّيات من دون رقابة. إلا أن توضيحات خبراء القانون الدستوري أكدت أنه لا يمس من الحريات بل يدعمها.
وإجمالا، يقدم مشروع الدستور الجديد الأساس القانوني باعتباره القانون الأعلى للبلاد، لمسار إصلاحي يقطع مع حقبة حكم الإخوان التي أربكت دواليب الدولة وقادتها إلى حافة الإفلاس. وضربت المقدرة الشرائية للمواطنين ما فجر أزمة خانقة.