سجلت الولايات المتحدة أعلى نسبة عالمية لامتلاك الأفراد سلاحًا، وأكبر عدد لعمليات إطلاق نار عشوائي سنويًّا، خاصة من قبل يافعين.
هذا الأمر سقطت إثره ضحايا خلال فترات قصيرة، وبالتحديد في المدارس.
وبعد مداولات ومطالبات شعبية ومن أعضاء الحزبين الديمقراطي والجمهوري، أقرّ مجلس الشيوخ الأمريكي في وقت متأخر مساء الخميس الثالث والعشرين من يونيو/حزيران الجاري حُزمة إجراءات، لكنها لا تزال متواضعة في ظل استمرار تشريع حيازة السلاح.
لهذا يمكن الجزم بأن المخاوف ستبقى حاضرة وبقوة في المشهد الأمريكي من استخدام الأسلحة من جديد وسقوط ضحايا أبرياء في المستقبل، لأن مشروع القانون لم يتضمن حلا جذريًّا لإنهاء الظاهرة الخطيرة على المجتمع والمؤسسات الأمريكية المختلفة.
تم إصدار قانون حيازة السلاح في الولايات المتحدة عام 1913، وبات استخدام هذا السلاح يؤرق الإدارات الأمريكية المتعافبة والمجتمع الأمريكي على حد سواء.
وتعتبر تداعيات ظاهرة حيازة السلاح في الولايات المتحدة خطيرة جدا، لأنها تهدد بتفتيت السلم الأهلي من جهة، وتجعل الديمقراطية الأمريكية على كف عفريت من جهة أخرى.
وعلى سبيل المثال، فقد قُتل أكثر من 20 ألفا و800 شخص في أعمال عنف باستخدام الأسلحة النارية في الولايات المتحدة خلال النصف الأول من العام الجاري، بما يشمل القتل والانتحار.
وسيُسجَّل لمجلس الشيوخ -في ظل إدارة الرئيس “بايدن”- إقراره مجموعة إجراءات من شأنها تجسير مخاطر ظاهرة حيازة السلاح، لكنها تبقى منقوصة دون التخطيط من قبل إدارة “بايدن” والمشرّعين الأمريكيين لاستخدام القوة الناعمة وتهيئة الظروف للتخلص من ظاهرة انفلات السلاح، التي أرّقت الأمريكيين.
ويمكن القول إن مشروع القانون، الذي يقول مؤيدوه إنه سينقذ الأرواح، إنما هو مشروع متواضعٌ وغير شامل، إذ تضمَّن وضع قيود على حيازة الأسلحة في المجتمع الأمريكي، عبر تشديد عمليات التحقق من تاريخ الراغبين في شرائها من المُدانين بارتكاب عنف أسري أو جرائم كبيرة وهُم قصَّر، أي إن مشروع القانون لم يكن شاملا، وقد يتم استخدام السلاح من قِبل أشخاص عقلاء وأصحاء وكبار في السن لتحقيق رغبات وأهداف ضيقة وشخصية بعيدًا عن سلطة الدولة والقانون.
وإثر تمرير مشروع مجلس الشيوخ الأمريكي في الثالث والعشرين من يونيو/حزيران الجاري، حول حيازة الأسلحة، قال الرئيس “بايدن” في بيان لـ”البيت الأبيض”:
“في هذه الليلة، بعد 28 عاما من التقاعس، اجتمع أعضاء الكونجرس من الحزبين معًا لتلبية نداء العائلات في جميع أنحاء البلاد، ومرروا تشريعًا للتصدي لآفة العنف المسلح في مجتمعاتنا”.
وأشار الرئيس الأمريكي إلى أن الأسر “في أوفالدي وبافلو، وأسر ضحايا العديد من حوادث إطلاق النار المأساوية، طالبوا من قبل باتخاذ إجراء، والليلة اتخذنا هذا الإجراء”.
لكن في مقابل هذا الترحيب من “بايدن” بمشروع “الشيوخ”، رفض الجمهوريون محاولة الاتفاق على إجراءات أكثر شمولا، مثل حظر البنادق الهجومية أو مخازن الذخيرة عالية السعة، وهو ما كان يفضله الديمقراطيون، بمن فيهم الرئيس جو بايدن، في وقت ألغت فيه المحكمة العليا بولاية نيويورك حكما كان يقيّد حمل المسدسات المخبّأة في الأماكن العامة.
ورغم ترحيب “بايدن” بمشروع قانون حيازة الأسلحة بوصفه إياه أنه “سيساعد في حماية الأمريكيين”، وأن “أطفال المدارس سيكونون أكثر أمانا بسببه”، فإن المتابع للشأن الأمريكي يلاحظ بوضوح أنه في ظل البازار السياسي بين الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، في المؤسسات الأمريكية التشريعية والقضائية وداخل المجتمع الأمريكي، ستتفاقم تداعيات الإبقاء على ظاهرة حيازة السلاح، دون إصدار قوانين تمنع الجميع من حيازته، إلا من قبل السلطات الأمريكية، وبالتحديد الشرطة والجيش، بغرض القيام بدورهما، والذي ترسمه وتخطط له المؤسسات التشريعية والتنفيذية في الولايات المتحدة.
في النهاية، مؤكدٌ أنه لن يتم التوافق على إصدار قانون أمريكي يمنع حيازة السلاح للأفراد، في ظل الصراع والتنافر بين الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، واختلاف الخطابات حول بعض الأجندات لنيل ثقة الناخب الأمريكي في نهاية المطاف للوصول إلى “البيت الأبيض”.