مع استمرار النزاع الروسي-الأوكراني، برزت قضية المرتزقة الأجانب للقتال إلى جانب هذا الطرف أو ذاك، كخطر داهم.
هذا الخطر لا يهدد الأراضي الأوكرانية والروسية وحدها، بل مجمل العالم، وكأن هذا العالم، وتحديدا الدول الكبرى، لم تأخذ الدروس المطلوبة من تجارب أفغاستان، والعراق، وسوريا، تلك التجارب التي كانت الحاضنة الأساسية لولادة عشرات التنظيمات الإرهابية التي هددت أمن دول العالم طوال العقدين الماضيين.
أوكرانيا أنشأت ما سُمي “الفيلق الدولي”، بوصفه “تعبيرا عن التضامن العالمي معها في مواجهة روسيا”، إذ تم بذلك إعطاء شرعية وهمية للمتطوعين بالقتال في النزاع الروسي-الأوكراني، ما دفع عشرات المنظمات المتطرفة لرفع راية “التطوع” والقتال ضد روسيا، بما في ذلك تنظيم “داعش” الإرهابي، لا سيما أن انكسار التنظيم في سوريا والعراق يدفعه إلى إحياء نفسه في حاضنة الأزمة الأوكرانية، والأخطر من كل هذا موقف الغرب، إذ يمكن وصفه بـ”الميكيافيللي”، فهو من جهة يرفض إرسال قواته النظامية لدعم أوكرانيا أمام روسيا.
وفي الوقت نفسه يشجع مواطنيه على ما يسميه “التطوع للقتال ضد موسكو”، ما أطلق العنان للمنظمات المتطرفة، التي تجدها فرصة لإحياء نزعاتها الراديكالية، وزيادة لأعداد “المتطوعين” في صفوفها، ولعل من تداعيات كل ما سبق، بروز مخاطر بالجملة تهدد أمن العالم، من أهمها:
1-أن قضية تجنيد المرتزقة والمقاتلين الأجانب في الحروب هي قضية مخالفة للقانون الدولي، ولجملة المواثيق والمعاهدات والقرارات الدولية التي صدرت بهذا الخصوص، لا سيما القرار الدولي 2178.
2-أن تجنيد هؤلاء المرتزقة يخلف تداعيات خطرة على الصعد الإنسانية والأخلاقية والقانونية والأمنية، ليس أقلها ممارسة العنف، وارتكاب الأعمال اللا إنسانية، خاصة في ظل بروز الحرب الهجينة، والتفلت من العقاب، ولعل هذا ما دفع بموسكو إلى القول إنها “لن تعامل هؤلاء معاملة أسرى الحروب”.
3-أن تجنيد هؤلاء المرتزقة يولد النزعات القومية والعرقية والدينية والأيديولوجيات الإرهابية، وهذا بحد ذاته يشكل خطرا داهما على أمن دول العالم مجتمعة، إذ على وقع هذا النزاع، بدأنا نشهد صعودا لنفوذ المنظمات الفاشية والنازية، التي تعتمد على الحروب والتطرف لتعويم نفسها.
4-أن مشاركة هؤلاء المرتزقة في الحرب تشكل جسرا لارتكاب المجازر ضد المدنيين، خاصة عندما يلتقي هؤلاء وجها لوجه، والخطورة في النزاع الروسي-الأوكراني تكمن في الأعداد الكبيرة للمرتزقة، في ظل التقارير التي تتحدث عن التحاق عشرات الآلاف بجبهات القتال، والخطورة تصبح أكبر في حال اقتحام هؤلاء للمدن المكتظة بالسكان.
5-أن خطر هؤلاء لا يتوقف على فترة النزاع، بل يتخطاها ويصبح أكبر في مرحلة تالية، إذ كيف سيتم التعامل مع هؤلاء فيما بعد؟ هل سيتم إرسالهم إلى جبهات أخرى كمرتزقة تحت الطلب؟
تؤكد نتائج التجارب السابقة لإرسال المقاتلين والمرتزقة أنها ترتد سلبا على أمن الدول التي ترسلهم على شكل تهديد أمني دائم، لا سيما أن هؤلاء من أصحاب الخبرات القتالية، فضلا عن أنهم يكتسبون خبرات جديدة لإدامة وجودهم.
أمام هذه المعطيات والوقائع، لا يمكن إلا القول بأن هذه الظاهرة ستنتج مخاطر آنية ومستقبلية على أمن العالم، مهما حاولت الدول المتورطة في هذه الظاهرة إضفاء عناوين وشعارات براقة عليها -كالدفاع عن الحرية أو التضامن مع أوكرانيا- لتبرير سلوكها، إذ إن مثل هذا السلوك لن يزيد النزاع إلا قتامة، وفداحة، ودمارا، وتهديدا للأمن والاستقرار العالميين.