مع بداية شهر مارس الحالي، تولت دولة الإمارات الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي. وربما هو من حسن حظ العالم أن تضطلع الإمارات برئاسة المجلس في توقيت شديد الأهمية.
بل هو محطة مفصلية في تاريخ المجتمع الدولي، حيث يمر العالم بأزمة حادة قابلة للتحول إلى مواجهة مفتوحة بين القوى الكبرى في العالم، وربما حرب عالمية ثالثة لا أحد يتمناها.
ولمن لا يعرف آليات العمل في الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن تحديداً، فإن الدور الذي تلعبه الدولة التي تترأس خلاله مجلس الأمن، يتجاوز ظاهره الإجرائي والبروتوكولي. إذ تشمل تلك المسائل الإجرائية رئاسة وإدارة الجلسات الخاصة بالمجلس وتمثيله باعتباره أحد أجهزة الأمم المتحدة بل الجهاز الأهم والأكثر فعالية والأوسع صلاحيات.
ومن الجوانب الإجرائية لكنها ذات المضمون السياسي بالغ الأهمية في رئاسة مجلس الأمن، توليّ الدولة رئيس المجلس مسألة إعداد جدول الأعمال واعتماد النصوص وإدارة النقاشات المفتوحة، بمعنى آخر أنها الدولة التي تقرر القضايا محل النقاش خلال فترة رئاستها. كما أن فريقها الدبلوماسي هو الذي يتولى إعداد وتقديم التقارير عن أعمال المجلس إلى الأمين العام للأمم المتحدة.
أما في أوقات الأزمات والأحداث الطارئة، تكتسب أدوار ومهام الدولة رئيس مجلس الأمن أهمية تفوق أهميتها الأصلية. حيث يلعب أي قرار أو موقف للمجلس دوراً مفصلياً في طريقة التعاطي مع الأزمة وبالتالي تطور مسارها. وهو ما ينطبق بالخصوص على مواقف الدولة رئيس المجلس التي سبقت رئاستها، والتي إما تكون عاملا مساعدا لها في إنجاح رئاستها أو معرقلا لدورها.
وبما أنه جاء تولي دولة الإمارات رئاسة مجلس الأمن مع تحول أزمة روسيا وأوكرانيا إلى مواجهة مسلحة، فإن حنكة الدبلوماسية الإماراتية تجسدت بوضوح في مواقفها وأدائها داخل مجلس الأمن من بدايات الأزمة. والتي كان أبرزها امتناع الدولة عن التصويت بخصوص مشروع القرار المتعلق بالأزمة. والذي أتاح للدولة الاحتفاظ بموقع الطرف المحايد القادر على التواصل بفعالية مع كل الأطراف والتمتع بمقبولية منها. وهي من العوامل المهمة والمطلوبة لمنح الدولة رئيس المجلس مزيداً من القدرة والمرونة على التواصل الفعال والمثمر في إدارة أعمال المجلس. أو حسب تعبير مندوبة دولة الإمارات العربية المتحدة لدى الأمم المتحدة، معالي لانا نسيبة، “المجتمع الدولي بحاجة في دبلوماسية اليوم إلى نهج بناء الجسور”.
وبقدر ما يضيف هذا زخماً وثقة في رئاسة الإمارات لمجلس الأمن، يؤكد في الوقت نفسه الاتساق الكامل بين المواقف الإماراتية الوطنية كدولة “عضو” في مجلس الأمن، واضطلاعها بمهام الدولة “رئيس” المجلس. الأمر الذي يعني أيضاً أن السياسة الخارجية الإماراتية تجمع دائماً بين الحياد والموضوعية والفعالية وإعلاء المبادئ الإنسانية وقيم التعايش والحوار والتعاون. وهو ما يكفل لها قبولاً وتجاوباً عالمياً هي جديرة به ويساعدها في أن تكون عامل مساعد إحداث اختراق دبلوماسي في الأزمات المعقدة.
لذلك، لم تكتف الدبلوماسية الإماراتية بالموقف السياسي عند التصويت على مشروع القرار الخاص بالحرب الروسية الأوكرانية، بل بادرت إلى اتخاذ موقف إنساني عملي، بتقديم خمسة ملايين دولار لمساعدة المدنيين المتضررين من الأزمة.
على كل فإن المتوقع وبثقة كاملة أن تترك رئاسة الإمارات لمجلس الأمن بصماتها الواضحة ليس فقط على القضايا والموضوعات المطروحة هذا الشهر، لكن أيضاً على مجمل أعمال ومواقف مجلس الأمن. وهو ما سيدفع العالم بالتأكيد إلى التطلع بشغف وتفاؤل نحو المرة الثانية التي تترأس فيها الإمارات مجلس الأمن في يونيو 2023، لتستكمل المسيرة التي بدأتها بهمة ورؤية واضحة فور توليها الرئاسة الحالية.