لا يقتصر خطر تنظيم الإخوان الإرهابي على ممارسة العنف.
فعلى قدر خطورة الممارسة السلوكية للعنف من قِبل التنظيم تبدو أيضًا خطورة الأفكار المؤسسة له.. هذه الأفكار هي المسؤولة عن ممارسة العنف، وهنا راوح الإخوان بين الإيمان بالأفكار العنيفة وبين الممارسة العملية لهذه الأفكار، بل وذهبوا إلى أبعد من ذلك، وهو تصدير هذه الأفكار إلى كل الجماعات والتنظيمات الإسلاموية الأخرى.
علاقة الإخوان بالعنف قديمة قِدَم التنظيم، فالإخوان أول تنظيم أصّل للعنف في العصر الحديث، ودعا إليه بين الشباب، فما زالت مقولات سيد قطب بمثابة الوقود الحي لكل التنظيمات المتطرفة العابرة للحدود.
لقد أنشأ المؤسس الأول للتنظيم، حسن البنا، ذراعًا مسلحة لتنظيمه في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي، ومات “البنا” ولم يقم بحل هذا الكيان المسلح، بل قام بتأصيل أفكار العنف داخل التنظيم عبر رسائله المنشورة والمروية، فما زالت أدبيات “الإخوان” تحوي العنف بدرجاته المختلفة، بدءًا من العنف اللفظي وانتهاء بالجنائي، مرورًا بالعنف المعنوي والاغتيالات، التي اشتُهر بها تنظيم الإخون على مدار تاريخه.
لا يمكن مواجهة جماعات العنف والتطرف دون مواجهة الإخوان، ولا يمكن مواجهة التنظيم دون محاصرة أفكاره، ولا يمكن مواجهة الأفكار وتفكيكها دون فهمها والرد عليها وتقديم الأدلة الشرعية والعقلية على فساد تأويلات الإخوان.
ونتذكر هنا أنه عندما اتخذ الإخوان قرارًا بحل “النظام الخاص”، الذراع المسلحة لهم، لم يكن ذلك في عهد حسن البنا، ولهذا دلالة، بل اتُّخذ بسبب انفراد عبد الرحمن السندي -رئيس التنظيم الخاص- بالقرار، ولهذا دلالة أخرى، فضلًا عن العمليات التي قام بها “التنظيم الخاص” ضد أنصار الإخوان أنفسهم، مثل مقتل السيد فايز -القيادي بالتنظيم- وهذه دلالة ثالثة تؤكد دموية التنظيم ضد أبنائه.. بعدها ألقى قيادات التنظيم وكيانه المسلح بمسؤولية قتل “فايز” على بعضهما، وسواء كان اغتيال “فايز” بيد إخوانية عموما أو بيد أحد أفراد النظام الخاص للإخوان، فإن ما يعنينا هو أن الجماعة تقتل أبناءها في خضم صراعات القيادات داخليا، فما بالك بممارسات الإخوان ضد المختلفين معهم من خارج التنظيم؟!
إذاً لم يحل الإخوان تنظيمهم الخاص للتراجع عن العنف، بل بسبب الخلافات مع زعيم هذا التنظيم المسلح، فالمؤسس الأول أنشأ كيانا مسلحا داخل التنظيم تربّى عليه “الإخوان” جميعا، ما أثمر جماعات وتنظيمات متطرفة لاحقة مثل “القاعدة” و”داعش”، فضلًا عن المليشيات المسلحة الأخرى كـ”حسم” و”لواء الثورة” وغيرهما من جماعات العنف والتطرف.
يُسأل حسن البنا عن اغتيال رئيس وزراء مصر الأسبق، محمود فهمي النقراشي، والقاضي الخازندار، وتفجير محكمة استئناف القاهرة ومئات العمليات الدموية الأخرى، فالمؤسس الأول وضع لتابعيه البرامج التربوية وخريطة القتل والتفجير التي ما زال يقتات عليها التنظيم حتى اليوم، فما نحكي عنه ليس تاريخًا قديما، بل سيرة يعاد تجسيدها في كل عصر يعيشه الإخوان، الذين تتلخص سياستهم في التخلص من أي شيء وكل شيء يقف أمام أحلامهم بالسلطة.
هذا ما علمه حسن البنا لأتباعه، ولعل الإخوان قاموا بتفجير محكمة الاستئناف بحي باب الخلق في العاصمة المصرية في يناير 1949 بهدف التخلص من أوراق التحقيقات، التي أدانت عددا غير قليل من قيادات التنظيم، في مقدمتهم عبد الرحمن السندي، مسؤول الجناح المسلح للإخوان، في أحداث عنف، فالإخوان يحاولون دائما إخفاء جرائمهم بجرائم أخرى، ولو كان ذلك على جثث الأبرياء، الذين تصادف مرورهم أمام المحكمة في ذلك الوقت.
العين الإخبارية