الأطماع التركية في سوريا والدور العربي المطلوب
إن الدولة التركية تستغل حالة الفوضى في المنطقة للهجوم على مناطق الإدارة الذاتية واستكمال احتلالها للشمال السوري.
الدولة التركية، وعبر مشروع واستراتيجية “العثمانية الجديدة”، باتت تتدخل في العديد من الدول العربية، عبر دعم أحزاب ومليشيات وأنظمة خارجة عن القانون، وذلك بهدف بث الفوضى والنيل من سيادة تلك الدول وتقسيم الأوطان. ومن يتابع التدخلات العسكرية والاقتصادية التركية في المنطقة، سيكتشف حضورا وتمددا تركيا في كل من سوريا ولبنان وليبيا واليمن والصومال وقطر.
تركيا تتبنى استراتيجية تدخل واحتلال واضحة في هذه البلدان، وذلك وفق مشروع إمبراطوري متخيل، دون مراعاة لسيادة الدول ووحدة أراضيها وسلامة أبنائها. إن التدخل التركي يستند إلى ما يسمى “تراث السلطنة العثمانية”، وهو تراث احتلالي خيّم على المنطقة وشعوبها، واستعمرها طيلة 400 سنة، كان السبب في تخلف هذه الشعوب، ومنع كل سبل التطور والحضارة عنها. إن الشعوب العربية ما زالت تتذكر ظلام وظلم العثمانيين، واستهتار وفساد حكامهم، ونهبهم لكل الأقطار والأمصار التي احتلوها، وحاولوا باسم الدين والعقيدة تتريكها وطمس لغاتها وثقافاتها.
الدولة التركية تحاول إرجاع عجلة التاريخ للوراء. إنها تريد عبر التدخل العسكري ودعم المليشيات الخارجة عن الشرعية والقانون، والجماعات الجهادية، وتنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي، إنشاء مناطق نفوذ ترسخ فيها وجودها، لتنطلق منها إلى التدخل في دول الجوار، وبشكل خاص الدول العربية المؤثرة، بغية زعزعة الاستقرار فيها، ودعم الإرهابيين والمجرمين، من أجل إيجاد قدم لها، وتحقيق الحلم العثماني على حساب سيادة الدول وحياة مواطنيها.
إننا في سوريا عانينا ونعاني من الاحتلال التركي منذ نحو عشرة أعوام. لقد تدخلت تركيا بكل الطرق والأساليب في الشؤون الداخلية السورية، فدعمت القوى السياسية الواقعة تحت تأثير حليفها تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي، وسلّحت المجموعات الجهادية، وجعلت من مطاراتها وموانئها نقاط عبور للمجرمين من كل حدب وصوب ليدخلوا الأراضي السورية وينضموا إلى الجماعات الإرهابية مثل “داعش” و”النصرة” وغيرهما. وبهذا التدخل السافر، طعنت تركيا الثورة السورية في الصميم، فحولتها من ثورة شعبية تنشد الحرية والكرامة والمشاركة السياسية إلى حرب ومواجهات بين النظام والمجموعات المسلحة.
كما وعمدت الحكومة التركية إلى تحويل السوريين الذين قاموا ضد النظام في يوم من الأيام للدفاع عن أنفسهم، إلى مرتزقة مأجورين، وأرسلتهم إلى مناطق الصراعات في كل من ليبيا وأذربيجان وغيرهما. وهناك قتل المئات منهم في مواجهات لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وذهبوا ضحية الأحلام الإمبراطورية لرجب طيب أردوغان وفريقه المغامر المراهن على الحرب وإشعال الحرائق في المنطقة.
ولم تكتف تركيا بهذا الإجراء والتخريب عبر الوكلاء، ولكنها تدخلت بشكل مباشر فأرسلت قواتها العسكرية واحتلت مناطق واسعة من شمال شرق سوريا، حيث عمدت إلى تهجير أهلها من أبناء الشعب الكردي وغيره من المكونات الأصيلة، ونهب وسلب المصانع والشركات ودور ومنشآت المواطنين. لقد ارتكبت قوات الجيش التركي ومرتزقتها من المقاتلين المحليين جرائم إنسانية ضد المدنيين الأبرياء، تحدثت عنها منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان وعلى رأسها منظمة العفو الدولية. وتعمل السلطات التركية على تتريك المناطق التي احتلها الجيش التركي، حيث تستخدم اللغة التركية في المدارس، وتربط المدن والبلدات بالولايات الحدودية التركية إداريا، وترفع العلم التركي، وتبث في وسائل إعلامها تاريخا مزورا لهذه المناطق السورية، بوصفها من “تركة” السلطنة العثمانية، وتقول إنها “عادت” إليها الآن.
وترى الحكومة التركية في الإدارة الذاتية، التي شكّلها أبناء مناطق شمال شرق سوريا نهاية عام 2013 عدوا لها، ولذلك فهي دعمت وتدعم كل من يحارب هذه الإدارة من “النصرة” و”داعش” والمجموعات الإرهابية المختلفة، وترسل الجواسيس للقيام بالأعمال التخريبية واغتيال الكوادر الإدارية والسياسية القائمة عليها. هذا غير القصف اليومي للمدنيين ومزارعهم، وقطع المياه والتيار الكهربائي عن المدن والمناطق هناك.
إن الإدارة الذاتية الديمقراطية قامت على أساس تشاركي بين المكونات السورية المحلية في المنطقة وعلى أساس وحدة سوريا الجغرافية والمجتمعية ولا تشكل الرؤية السياسية والإدارة للإدارة الذاتية على أي مخاطر على وحدة سوريا لأنها نتاج مكونات سورية بحتة تلتزم بمبادئ الحفاظ على وحدة سوريا على عكس ما تفعله تركيا ومجموعاتها السياسية منها من السوريين التابعين لها من الإخوان وغيرهم، حيث يشوهون تجربتنا الوطنية السورية وعلى حساب هذا التشويه يمارسون كل ما يهدد وحدة سوريا ويكرس واقع التقسيم فيها. ومنذ بدايات تأسيسها في نهاية عام 2013 وهذه الإدارة تقوم بالإشراف على هذه المناطق وحمايتها. ورغم الظروف القاهرة وتهديد الإرهاب الداعشي والاحتلال التركي، فإن هذه الإدارة نجحت في حماية المناطق السورية من الإرهاب والاحتلال.
لقد ضحت المكونات السورية في هذه المناطق بأكثر من 11 ألفا من أبنائها ضمن (قوات سوريا الديمقراطية) المدعومة دوليا، في حربها ضد “داعش”، محررة مناطق شاسعة من احتلالها، وعلى رأسها المدن السورية التي اعتبرها “داعش” عاصمته وآخر معاقله. هذا ناهيك عن استقبال مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية لمئات الآلاف من المواطنين السوريين من أبناء الداخل، من الذين هربوا من جحيم المواجهات بين جيش النظام السوري والجماعات المسلحة.
إن الدولة التركية تستغل حالة الفوضى في المنطقة للهجوم على مناطق الإدارة الذاتية واستكمال احتلالها للشمال السوري، وهذا يستدعي تدخلا عربيا قويا للوقوف في وجه التمدد التركي في سوريا لأن الخطر التركي لا يقتصر فقط على مناطقنا أو على سوريا وإنما عموم المحيط الإقليمي والعربي. هذه التطورات تحتاج إلى دعم الدول العربية وعلى رأسها كل من المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، وذلك من أجل البناء الموحد للمواقف والدفاع والتصدي للاحتلال التركي وتمدده في المنطقة. إن الوجود التركي المستند إلى وكلاء محليين في تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي، هو إضعاف للعرب وضرب للأمن القومي العربي ناهيكم عن حجم التقسيم والتفرقة الممارسة بين الشعوب وعموم المنطقة.
نقلا عن العين الإخبارية