لماذا يعتقد الإخوان وأنصارهم أنّ بايدن سيحرّر بيت المقدس؟
مَن تابع الحملة المسعورة التي قادتها جماعة الإخوان المسلمين والأذرع الإعلامية التابعة لقطر وتركيا وإيران، فيما خصّ الانتخابات الأمريكية ودعم المرشح الديمقراطي ضد الرئيس ترامب، يظن للوهلة الأولى أنّ جو بايدن سوف يحرر بيت المقدس، ويطرد الغزاة من بلاد العرب والمسلمين.
وليس أدل على ذلك من البيان الذي أصدرته “الجماعة” عقب إعلان فوز الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، متمنية له وللشعب الأمريكي “دوام العيش الكريم” داعية إياه في الوقت ذاته إلى مراجعة ما وصفته بـ”سياسة دعم ومساندة الديكتاتوريات”.
وقالت الجماعة، في بيان للجماعة نشرته “بوابة الحرية والعدالة” المحظورة في مصر والتي تعتبر الذراع السياسية لجماعة الإخوان، على لسان إبراهيم منير نائب المرشد العام: “قد آن الأوان للإدارة الأمريكية الجديدة لمراجعة سياسات دعم ومساندة الديكتاتوريات، وما ترتكبه الأنظمة المستبدة حول العالم من جرائم وانتهاكات في حق الشعوب”.
وأضاف منير: “أي سياسات يتم فيها تجاهل الشعوب وخياراتها الحرة والاكتفاء ببناء علاقاتها مع مؤسسات الاستبداد الحاكمة، ستكون اختياراً في غير محله، ووقوفاً على الجانب الخاطئ من التاريخ.”
ماذا زعم الإخوان؟
وزعم البيان أنّ “الإخوان المسلمين سيكونون دائماً منحازين إلى الاختيارات الحرة للشعوب، رغبةً في الوصول إلى نظام عادل ومستقر يتمتع فيه الإنسان بحياة كريمة، وتعلو فيه قيم العدالة والديمقراطية والمساواة والتعددية والحريات العامة وحماية حقوق الإنسان”.
وربما فات إبراهيم منير أن يطالب بايدن بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، والانسحاب من هضبة الجولان، وإعادة الإسرائيليين من حيث أتوا، أو أن يدفعوا الجزية.
مشهد يقتضي الكثير من الهزل، لما انحدرت إليه أحوال “الجماعة” التي وصل انهيارها إلى حد التعلّق ولو بقشة.
وفي سياق العجب العجاب من سلوك الإخوان، كتب الصحفي المصري خالد صلاح، رئيس تحرير “اليوم السابع”، مستنكراً أداءَ إعلام جماعة الإخوان في إسطنبول، الذين رقصوا فرحاً بفوز الرئيس الأمريكي جو بايدن، محاولين استعادة أجواء ما قبل ثورة 30 يونيو2013 التي أطاح بها، كما قال خبر الصحيفة، الشعبُ المصري الجماعةَ رغم دعمها من إدارة باراك أوباما.
وكتب صلاح عبر حسابه بتويتر: “مجموعة الجهلة في إعلام الخيانة من اسطنبول يرقصون فرحاً بفوز بايدن وكأنهم يستعدون للعودة بقرار إداري من البيت الأبيض. الأسطول الخامس هيتحرك عشان يطلع خيرت من السجن. ويرجّع عملاء المخابرات التركية يحكموا المصريين.. تكبييييررر”.
وأضاف: “يا جاهل إنت وهو إحنا مشيناكوا وطهرنا مصر من خيانتكم في عصر أوباما وهيلاري وبايدن مجتمعين مع بعض، وكانت البلد مزروعة خونة وجواسيس وقتلة من حماس وتركيا ولا نسيتوا؟.. مش هقولكم بايدن هيأسس إدارته على المصالح ومعاداة الإرهاب والتطرف، لأ بدون تنظير بقولكم مفيش خونة يقدروا يهزموا شعب”.
هذا الغضب واللغة الساخطة والسخرية بسبب رهانات الإخوان والدول الداعمة لهم على بايدن، على اعتبار أنه سيختلف عن ترامب، أو أنه سيعيد للجماعة المصنفة إرهابية في عدد من الدول، البريق الذي انطفأ، أو كما لو أنهم يريدون إحياء تجربة الرئيس السابق باراك أوباما التي لعبوا خلالها دوراً لافتاً من خلال موجة “الربيع العربي”، فيما يقول مراقبون إنّ بايدن ليس أوباما، وإنّ مشروع استخدام الإخوان قد ذهب مع أوباما بلا رجعة.
ولاحظت صحيفة “العرب” بأنه مثلما احتفى إعلام الإخوان المسلمين بنتائج بايدن، فإنّ الإعلام الإيراني والإعلام الموالي لطهران أظهرا تفاعلاً لافتاً مع نتائج المرشح الديمقراطي، ليس فقط نكاية في منافسه دونالد ترامب الذي أحكم الحصار على إيران ومنعها من تصدير النفط، ولكن على أمل استعادة الحظوة التي حصلت عليها في حكم أوباما.
ولم يخف نشطاء وإعلاميون موالون للإخوان المسلمين في مصر وتونس واليمن وقطر دعاءهم لبايدن بالفوز، كما تولّوا نشر أنباء تقدمه في النتائج بمختلف الولايات لحظة بلحظة، وسخروا من تصريحات ترامب وحديثه عن التزوير واللجوء إلى المحاكم، وكأنّ بايدن مرشح الإخوان المسلمين وليس مرشحاً للديمقراطيين.
وتعوّل وسائل إعلامية إخوانية أو داعمة لهم بأنّ فوز بايدن سيوفر الضغط على القاهرة لإطلاق سراح قادة الإخوان المحكومين في قضايا تتعلق بالإرهاب والتآمر على أمن مصر، وكذلك الضغط على دول المقاطعة الأربع لإعادة العلاقة مع قطر.
الإخوان قدموا بايدن في صورة نصير الإسلام والمسلمين، وأنه يستشهد بالأحاديث النبوية، ومعارض شرس للإسلاموفوبيا. كما تولّت جمعيات أمريكية، مثل “إسنا” و”كير”، محسوبة على الإخوان المسلمين أو قريبة منهم، بالترويج لانتخابه بين المسلمين على نطاق واسع، وشاركوا في حملته الانتخابية على مستويات الولايات وعلى المستوى الوطني.
لكنّ مراقبين يقولون، وفق “العرب” إنه من الصعب أن يحصل الإخوان وداعموهم، خاصة قطر، على المزايا التي تمتعوا بها في فترة أوباما لوجود تغييرات كبيرة في المنطقة، من ذلك أنّ السيسي الذي يريدون التضييق عليه بات عنصراً فاعلاً في ترتيبات الأوضاع بملفات المنطقة، مثل الملف الليبي أو الفلسطيني أو السوداني، وفي مسار السلام الجديد بين إسرائيل والخليج.
كما أنّ بايدن لم يتكلم بعد بصفة رسمية لمعرفة إستراتيجيته في الشرق الأوسط، والتي ستراعي مصالح الولايات المتحدة ولن تتعارض مع التغييرات في المنطقة إرضاء للإخوان أو لقطر أو غيرهما، فضلاً عن أنّ أولويات بايدن ستكون باتجاه الداخل الأمريكي وترتيب الأوضاع على ضوء التوازنات الناشئة في مجلسي النواب والشيوخ، وطمأنة الشارع الأمريكي بشأن جدية الإصلاحات الاجتماعية التي ينوي تنفيذها.
وفي هذا السياق، عبرت إلين ليبسون، النائب السابق لرئيس مجلس الاستخبارات، عن اعتقادها بأنّ بايدن سيعمل على استعادة الثقة داخل المجتمع الأمريكي قبل أن يبحر في مياه الشرق الأوسط.
وكتبت ليبسون في مقال بموقع “سنديكيشن بيورو للرأي”: “لا يعتبر الشرق الأوسط المكان المناسب لإصلاح التحالف، مقارنة بأوروبا وحلفاء آسيويين”.
ويعتقد الكاتب فارس خشان أنّ انتقال البيت الأبيض من عهدة ترامب الى عهدة بايدن لن يكون له تأثيرات “جوهرية” على السياسة الخارجية الأمريكية.
أمّا بالنسبة لإيران، ولو كان صحيحاً أنّ بايدن، يعارض الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، إلّا أنّ الصحيح أيضاً أنّه، ولأسباب كثيرة، لا يستطيع أن يعيد عقارب الساعة الى الوراء، وسوف تستفيد إدارة بايدن ممّا تسبّبت به “عقوبات ترامب” لتفرض اتفاقاً جديداً على إيران “المرهقة”، بما يُراعي شروط الاستقرار الإقليمي.
وبهذا المعنى، فإنّ بايدن سوف يذهب، بأسلوبه، إلى حيث كان يخطط ترامب، بأسلوبه، أن يصل إليه.
نظرة بايدن الى دول الخليج
ومهما كانت نظرة بايدن الى الدول الخليجية، بحسب مقال خشان في “الحرة”، إلّا أنّ العلاقات التي أقامها ترامب مع هذه الدول، بنت نفسها على “المصالح المشتركة”، وتالياً فهو سوف يجد نفسه، كالغالبية القصوى من الرؤساء الأمريكيين، أمام مصالح ضخمة لن يستطيع أن يقفز فوقها.
وبغض النظر عن أنّ جو بايدن ليس باراك أوباما، فإنّ عهد ترامب شهد تغييرات أساسية في الشرق الأوسط؛ ذلك انّ قيادة رجب طيب أردوغان انتقلت من مرحلة “صفر مشاكل” الى مرحلة “كل المشاكل”، تماماً كما انتقلت من مرحلة “التسامح الداخلي” الى مرحلة “التشدد القمعي”، وهذا يعني، وفق خشان، أنّ النظرة الأمريكية إلى تنظيم الإخوان المسلمين في العالم العربي، التي بنت نفسها على “التجربة الأردوغانية”، قد تلاشت، حالياً، الأمر الذي سوف يسمح، ولو تغيّر الأسلوب، لواشنطن أن تُبقي على ثوابت العلاقات التي أرساها ترامب مع الدول العربية عموماً ومع دول الخليج خصوصاً.
بناء عليه، يختم خشان، إنّ كثيرين ممّن رجموا دونالد ترامب، يُرجّح أن “يترحمّوا عليه”، ذلك أنّ مشكلتهم الحقيقية ليست في مَن يدير سياسة الولايات المتحدة الأميركية بل في أنفسهم.