تركيا و«الغرياني» وليبيا
تركيا تخسر والمسألة مسألة وقتٍ، هذا باختصار ما تشير له غالب المؤشرات التي يمكن رصدها في صراعات المنطقة التي انخرطت فيها تركيا بلا فائدة سوى إرضاء أوهام القيصر التركي بارتداء عمامة الخلافة والسيطرة على العالمين العربي والإسلامي.
مغامراته غير المحسوبة بدأت في التداعي، ففي ليبيا قرر فايز السراج التخلي عن تشبثه بالحكم والاستعانة بمرتزقة «الإخوان» والإرهابيين ما سبب جرحاً نرجسياً لأردوغان ومرتزقته، ونائبة المبعوث الأممي إلى ليبيا تتحدث عن الاتفاق الذي سيعقد قريباً في سويسرا، وأنه يجب أن يتم ترحيل المرتزقة المدعومين تركياً في غضون تسعين يوماً.
في شرق المتوسط لم يطق أردوغان الصبر والدفاع عن اعتداءاته العشوائية الخارجة عن القوانين الدولية وسحب سفينته لمكان قصي داخل حدود بلاده وتخلى عن مبدأ التنقيب بالقوة المسلحة في البحر الأبيض المتوسط، وقامت منظومة من عدة دول لدول النفط والغاز هناك ليست منها تركيا والقوات البحرية اليونانية تقف في وجه كل تحركات الجيش التركي ومغامراته تحت قيادة أردوغان.
طرد تركيا من ليبيا أصبح وشيكاً وينتظر اتفاق الليبيين على مستقبل بلادهم حتى يكون المسمار الأخير في نعش الاستعمار التركي في ليبيا، وستكون هي الطردة الثانية لتركيا من البلدان العربية بعدما طردتها السودان شر طردةٍ بعد سقوط حكم «الإخوان» ونظام البشير.
تعيش تركيا سنواتٍ سيئةٍ اقتصادياً، وتعيش العملة التركية نزاعاً مستمراً وقاسياً للمحافظة ولو على شيء من قيمتها، وكل المغامرات العسكرية التركية تزيد الوضع الداخلي سوءاً، وتنخر في كيان الدولة التركية، وتهدد استمرارية الجيش التركي كجيشٍ مهمٍ في المنطقة خاصةً بعد الاستنزاف الخطير الذي يقوده أردوغان لكل موارد الجيش، وتركيا دولة عضو في حلف «الناتو»، ولكن أردوغان يصرّ على شراء الصواريخ الروسية.
لن ينجو الاقتصاد التركي من الانهيار الكامل إذا استمر استنزافه بسياسات أردوغان غير المتوازنة، والأيديولوجيا لا تصنع خبزاً ولا تطعم جائعاً، ولغة الشعارات التي يتقنها أردوغان جيداً لا تجدي نفعاً حين يصل الأمر لجيوب الناس ولقمة عيشهم.
الدول لا تسقط مرةً واحدةً إلا في ظروف استثنائية قلّما تحدث في التاريخ، ولكنها تسقط بالتراكم، تراكم الفشل وتراكم الخسائر، فشل الرؤى والاستراتيجيات والخسائر المادية والمعنوية، وهو ما يمكن رصده لعدد من دول المنطقة المعادية للدول العربية وأحداث الحاضر تدلّ على شكل المستقبل.
لم يستوعب النظام التركي ولا الدولة العربية الصغيرة الداعمة له أن أموال هذه الدولة وثرواتها لا تستطيع إنقاذه من المصير المحتوم ما لم يستوعب دروس التاريخ ودروس الحاضر التي يتلقاها على شكل ضربات متعددة ومتوالية منذ اختار التعلّق بأوهام الأيديولوجيا وترك واقعية السياسة واختار واعياً معاداة الدول العربية وشعوبها.
الخونة لا ينصرون المحتل حين يغرق، ويمكن للجميع أن يتذكر الليبي صادق الغرياني مفتي جماعة «الإخوان» اللاجئ في تركيا وفتاواه ومواقفه المناصرة للمحتل التركي ضد المواطنين الليبيين والدولة الليبية ومن آخرها تصريحه المشين حين بدأ يرى السفينة التركية تغرق في ليبيا والذي أفتى فيه داعياً إلى «استشارة تركيا في القرارات المصيرية للبلاد وعدم التنكر لجميلها»، هكذا أفتى بلغة لا علاقة لها مطلقاً لا بالدين ولا بالوطنية، وهذا أمرٌ -أي الخيانة- تربت عليه كل جماعات الإسلام السياسي وعناصرها ومفتيها.
أخيراً، فهذا العام 2020، يشهد نتائج سياساتٍ واستراتيجيات تم العمل عليها في السنوات الأخيرة بجدٍ واجتهادٍ حتى بدأت تؤتي أكلها، ومن أهمها حصار ومعاقبة بعض الأنظمة، وفشل وتراجع بعضها الآخر، وبناء طريق سلام خليجي والأيام حبلى والنتائج مبهرةٌ والمستقبل واعدٌ.
نقلاً عن الاتحاد