من يشفي تونس من جراحها؟
مثلما جرت العادة، يتم استقبال الحكومة الجديدة، بعمليّة إرهابيّة، يروح ضحيّتها أحد أبناء المؤسسة الأمنيّة؛ بسبب غدر أشخاص من أبناء بلده؛ لكنّهم سلكوا طريق الخيانة، مدعومين بترسانة من المنظّرين والمدافعين عن مثل تلك العمليّات؛ بل ومن محامين اختاروا الانتصار للشيطان في فجر ذكرى السادس من سبتمبر/أيلول، وهي ذكرى تأسيس الحرس الوطني التونسي ( 6 سبتمبر/أيلول 1956)، والكثير من التونسيين لا يعرفون هذا التاريخ، تتولى مجموعة إرهابيّة، تنفيذ عملية دهس ل«عونيّ أمن» ثمّ طعنهما بالسكاكين، مما تسبب في استشهاد أحد العونين، فيما تم نقل الثاني للعلاج.
هذه العمليّة قال عنها خبراء الأمن في تونس، إنها لن تكون الأخيرة، فهذه الجماعات من الذئاب المنفردة المرتبطة بشبكات إرهابية محليّة ودولية، ستعمل على تكرار هذه العمليات الغادرة في كلّ مرّة، على الرغم من الضربات الساحقة التي وجّهت لهم، من طرف القوات الأمنيّة والعسكرية التونسيّة. هؤلاء لو أطلقت أيادي الأمن والجيش التونسي لتمكنا من اقتلاعهم من جذورهم في وقت وجيز. فمن يعرقلون صدور قانون حماية القوات الحاملة للسلاح، هم الذين يخشون من أن تعمل الجهزة الأمنية والعسكرية بكامل طاقتها. وهم الذين عملوا على اختراق هذه الأجهزة، والجميع يعرف ذلك، ولكنه غير قادر على توجيه الضربة المستحقّة للرؤوس المدبّرة، لتسقط بعدها «هذه الجراثيم» من دون أدنى مقاومة.
الإرهابيون يشتغلون على جمع أدق التفاصيل واستغلالها في تنفيذ عمليات يعتقدون أنها نوعية، ويعطون الدليل على أن المنفذين ليسوا وحدهم، ولنقرأ بعض التعليقات على موقع التواصل الاجتماعي، لنعرف أنهم شبكات، ويمتلكون أصواتاً إعلامية وحتى برلمانية تحاول في كل مرّة التشكيك في هذه العمليات
وتردها إلى أعمال استخباراتية، وإلى دول أجنبية، في مسعى واضح لتبرئة هذه الجماعات المتوحشة.
الرئيس التونسي زار موقع العملية وأعاد تكرار ذات الخطاب الذي اتهم فيه بعض الأطراف بمحاولة زعزعة الاستقرار من دون أن يفصح عن تلك الجهات التي تهدد الأمن القومي التونسي. غير أن التلميحات تقود إلى تلك الجهات التي عارضت
، في البداية ثم صوتت لها شرط أن يقوم بتغيير بعض الوزراء وعلى رأسهم توفيق شرف الدين، وزير الداخلية الجديد المحسوب على رئيس الجمهورية، والقاطن في مدينة سوسة؛ حيث تم تنفيذ العملية الإرهابية.
لا يخفى على أحد أنّ هناك أطرافاً سياسية تونسية تريد السيطرة على وزارة الداخلية، وقد عملت على ذلك منذ 2011، واستطاعت بالفعل أن تفعّل تلك المقولة الشهيرة «الجيش والأمن غير مضمونين»، وأن تجعل المؤسسة الأمنية على الأقل وفي جزء منها «مضمونة» تشتغل تحت إمرة تلك الأطراف.
وأن تشكل داخلها أمناً موازياً، يتستر على الجماعات الإرهابية؛ بل يوفر لها الحماية إن لزم الأمر. تلك الأطراف ذاتها هي التي فتحت أبواب تونس أمام جحافل الدعاة الإرهابيين، ومكنتهم من فضاءات كبرى؛ ليجمعوا حولهم مريديهم، وليبثوا سمومهم (ولنتذكّر المحاضرة التي ألقاها الداعية الإرهابي وجدي غنيم في قاعة الرياضة بالمنزه) وسط جماهير تم التلاعب بعقولها، وتم فيها غرس ثقافة الإرهاب التي نجني ثمارها إلى اليوم.
تونس منذ 2011، جريحة، وهي تبحث عمّن يشفي جراحها، ومن يضرب بيد من حديد على كل هؤلاء المتآمرين على البلد ومستقبله. وهذا يتطلّب قوانين صارمة، تعطي للقوات التي تتصدى للإرهاب كامل حقوقها، تحاسب محاسبة عسيرة كل من يبيّض الإرهاب حتى لو كان تحت قبة البرلمان، أو في أي مركز من مراكز السلطة. لقد تبيّن أنّ الإرهاب ليس مجرّد فزّاعة، وأنّ من يتمترسون في الجبال لا يمارسون الرياضة ليحموا أجسادهم من «الكوليسترول»، وأنّ من يتخذون من الإعلام وسيلة لنشر أفكارهم المتطرفة لا يجب أن ينعموا بحرّية التعبير؛ لأنهم ليسوا أهلاً لها. في دولة هي من أكثر دول العالم سنّاً للقوانين، لا يحتاج الأمر، سوى لتطبيق جزء قليل من تلك القوانين، ليتم ردع هؤلاء «الجراثيم». حينها فقط ستشفى تونس من جراحها، وحينها فقط ستتمكن من الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية الحارقة.
عن الخليج الإماراتية