شرق المتوسط.. دعم دولي لليونان وعزلة تركية تتوسع
تشهد منطقة شرق المتوسط توترا كبيرا بين اليونان وتركيا، منذ إرسال الأخيرة سفينة أبحاث إلى هناك للتنقيب عن الغاز والنفط، وسط تحذيرات أوروبية وأمريكية لنظام الرئيس رجب طيب أردوغان بمزيد من العقوبات والعزلة حال الاستمرار في عمليات التنقيب غير القانونية.
وتقول اليونان إن قاع البحر قبالة سواحل جزيرة كريت والجزر الأخرى في المنطقة ملكها، محذرة أنقرة من أي عمليات تنقيب فيها، فيما تزعم تركيا أن مناطق معينة في المنطقة البحرية قبالة قبرص تقع ضمن المنطقة السيادية لها، فضلا عن اعتبار نفسها مدافعا عن حقوق القبارصة الأتراك (قبرص الشمالية) التي لا تحظى باعتراف دولي إلا من أنقرة.
وأظهرت أعمال التنقيب في منطقة شرق المتوسط، خلال السنوات الماضية، العثور على احتياطيات ضخمة للغاز، بينها حقل ظُهر المصري، ونتج عن تلك الاكتشافات تعاونا وثيقا بين مصر واليونان وقبرص.
وما زاد من جنون أنقرة، توقيع القاهرة وأثينا اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي تمثل ضربة موجعة لاتفاق ترسيم الحدود البحرية بين أنقرة وحكومة فايز السراج غير الدستورية في طرابلس، الشيء الذي دفع أردوغان لتصعيد لهجته تجاه اليونان حيث أكد أن بلاده لن تتراجع عن التنقيب شرق المتوسط، كما أعلنت عن مناورات عسكرية في المنطقة بالتزامن مع تخطيط أثينا لمناورات مشتركة مع قبرص وفرنسا وإيطاليا.
ودفعت تلك التطورات إلى تخوفات دولية من اندلاع شرارة الحرب بين البلدين في ظل التصعيد غير المسبوق، محملين تركيا مسؤولية التصعيد التي طالبوا بمعاقبتها بسبب بعض أو كل هذه الخلافات.
وتتمسك أثينا بضرورة استجابة أنقرة لمطالبها بوقف اعتداءاتها المستمرة على الحدود الاقتصادية لليونان وقبرص قبل البدء في أي محادثات.
ففيما شدد الأمين العام لحلف الناتو على ضرورة حل النزاع عبر روح التضامن ووفق القانون الدولي ضمن الحلف دعا الاتحاد الأوروبي، على لسان وزير خارجيته جوزيب بوريل، أنقرة إلى وقف فوري لعمليات التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، كما طالبت الولايات المتحدة تركيا بإلغاء إجراءاتها بالقرب من جزيرة كاستيليريزو اليونانية في البحر المتوسط.
وقال المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية: تدرك الولايات المتحدة أن تركيا أصدرت تنبيها للتنقيب في المياه المتنازع عليها في شرق البحر الأبيض المتوسط، وندعو أنقرة لوقف جميع خطط العمل، وتجنب الخطوات التي يمكن أن تؤدي إلى زيادة التوترات في المنطقة.
ومن جهتها، قررت الحكومة الفرنسية تعزيز وجودها العسكري في منطقة التوتر وأرسلت طائرتين مقاتلتين من طراز رافال، وفرقاطة بحرية إلى شرق البحر المتوسط.
واتخذت قبرص واسرائيل موقفا مؤيدا لليونان بخصوص مناطقها البحرية.
ورغم دعمها لموقف أثينا، بدت برلين العاصمة الأوروبية الوحيدة التي تحاول التوسط لنزع فتيل التوتر بين البلدين، حيث أجرى وزير خارجيتها هايكو ماس مباحثات مع الجانبين بهدف احتواء التصعيد وحثهما على إجراء محادثات مباشرة، محذرا من خطر المواجهة العسكرية.
وقال: إن الوضع الحالي في شرق المتوسط يشبه اللعب بالنار؛ أي شرارة صغيرة يمكن أن تؤدي إلى كارثة… بدل استفزازات جديدة، نحن نحتاج إلى اتخاذ تدابير انفراج…بخصوص التنقيب التركي في شرق المتوسط، لدينا موقف واضح جدا… يجب احترام القانون الدولي. لذا فإن إحراز تقدم في علاقات الاتحاد الأوروبي بتركيا سيكون ممكنا فقط إذا أوقفت أنقرة الاستفزازات في شرق المتوسط.
ورغم كل المناشدات استمر البلدان في تصعيد موقفيهما وسط تخوفات من اندلاع حرب بين البلدين العضوين بحلف الأطلسي (الناتو).
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت رفع حظر بيع الأسلحة إلى قبرص، ويؤكد وزير خارجيتها الشراكة الرئيسية مع جمهورية قبرص في شرق البحر المتوسط والعمل على تعميق التعاون الأمني معها.
وعسكريا، يكشف توقيت القرار ومضمونه الموقف الأمريكي تجاه البلطجة التركية والاستعراضات العسكرية المراهقة شرق المتوسط، كما ينذر السلطات التركية بأن أي مغامرة عسكرية ضد قبرص ستؤدي لمنح القبارصة اليونانيين أسلحة كاسرة للتوازن، وربما تنتهي بمواجهة مباشرة مع أمريكا.
صحيفة نويه زوريشر تسايتونغ السويسرية، قالت إن تركيا لا تملك القوة أو الإمكانيات لتحقيق أهدافها الخارجية، سواء في ليبيا أو في البحر المتوسط، لافتة إلى أنها باتت في عزلة متزايدة.
وأوضحت الصحيفة الناطقة بالألمانية في تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني منذ سنوات، تحاول تركيا تحقيق أهداف سياسية خارجية بشكل أكثر كثافة من المعتاد، مضيفة: لكن تركيا، وهي دولة متوسطة التأثير، لا تملك القوة أو الإمكانيات، أو الوسائل لتحقيق أهدافها الخارجية، سواء في ليبيا أو في البحر المتوسط…الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يورط بلاده في مواجهة قوى دولية في سوريا وليبيا، ويحاول مزاحمة اليونان على غاز البحر المتوسط.
ومضت قائلة تركيا تدخلت في ليبيا لتحقيق أهدافها في البحر المتوسط، ووضع يدها على جزء من احتياطات الغاز الضخمة فيه.
ونقلت عن الخبير في الشؤون التركية، سنان أولغن قوله إن السياسية التركية الرامية لتحقيق أهداف خارجية من طرف واحد، غير مجدية، لأن أنقرة تحتاج الشركاء الدوليين لتحقيق ما تريد…تركيا باتت معزولة دوليا بشكل متزايد، وهذا في حد ذاته نقطة ضعف كبيرة.
واستطرد قائلا تركيا خسرت علاقاتها الجيدة في كل دوائر تحركها، فالتحالف التقليدي مع الغرب مثقل بالعديد من الخلافات، مضيفا: تركيا تواجه عقوبات أمريكية بسبب شراء صواريخ روسية، وتعاني خلافات قوية مع أوروبا في ملف اللاجئين.
سنان أولغن قال أيضا الخلافات مع الغرب لن تنتهي في المستقبل، ولا يوجد أي أفق لعلاقات جيدة جديدة.