علاقة بريطانيا بالإخوان.. تاريخ من المصالح المشبوهة والدعم المريب
إن الدول الكبرى التي تسعى لبسط هيمنتها على أجزاء كبيرة من العالم عادةً ما تلجأ إلى تدعيم علاقاتها ببعض الجماعات المحلية التي تساعدها في تنفيذ سياساتها في هذه المنطقة، فقد فعلتها فرنسا وبريطانيا بتدعيم صلتها ببعض الجماعات الإثنية في مستعمراتهما الخارجية في آسيا وأفريقيا وذلك رغبة منهما في إيجاد نخبة معينة تساعدهما لتحقيق مصالحهما في هذا الإقليم أو ذاك.
وفي القرن العشرين برزت هذه الظاهرة بوضوح؛ ففي الحرب العالمية الثانية حاول الألمان استخدام المسلمين في الاتحاد السوفييتي وآسيا الوسطى وتكوين طابور خامس لمواجهة السوفييت. وبعد ذلك أثناء الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي برز هذا الاستخدام السياسي للعديد من الجماعات المناوئة لأيديولوجية الآخر، فنجد دعم المعسكر الغربي للإسلاميين في المنطقة العربية لضرب المشروع الناصري القومي، ونجد دعم السوفييت للأحزاب الإشتراكية والشيوعية والعسكريين لضرب المشروع الرأسمالي في العديد من الدول.
وإن علاقة بريطانيا بالجماعات الأصولية بدأت في هذا السياق، وهي بإيجاد حليف استراتيجي لها في بعض المناطق لتنفيذ سياساتها التوسعية، وهي علاقات ممتدة ووثيقة الصلة منذ بدأت بريطانيا مشروعها الاستعماري لتصبح بريطانيا العظمى «الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس».
وإن الحديث عن هذه العلاقات ليس كلامًا مرسلًا، وإنما هناك من الأدلة والوثائق التي تؤكد على استخدام بريطانيا للجماعات والحركات الأصولية الإسلامية، سواء لمواجهة نفوذ روسيا القيصرية في آسيا الوسطى في القرن التاسع عشر، أو لتفتيت السلطنة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى.
كما أن علاقة بريطانيا بجماعة الإخوان أو احتضانها للعديد من أنشطة الجماعة، والغالبية من قادة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان لم يكن وليد هذه الأيام، وإنما الموضوع ممتد.
وهذا لا يعني أن العلاقة بين جماعة الإخوان وبريطانيا كانت مستقرة دائمًا أو تسير على وتيرة واحدة، وإنما خضعت إلى الكثير من المد والجزر بما يخدم مصالح الطرفين، وكان آخرها هي محاولات ديفيد كاميرون (رئيس وزراء بريطانيا السابق) حظر أنشطة الحركة في بريطانيا وتشكيل لجنة رسمية لدراسة أنشطة الحركة، والذي خرج بنتائج توصف الجماعة بالعنف، وإن لم يوصِ بالحظر الكامل للجماعة.
وفي هذا الإطار تسعى الدراسة إلى البحث عن طبيعة العلاقة بين جماعة الإخوان وبريطانيا، وإلى أي مدى لعبت بريطانيا دورًا في تدعيم أنشطة الجماعة ومساعدتها سياسيًّا ولوجسيتيًّا في بقائها وتمددها بما يخدم المصالح البريطانية؟
وفي هذا السياق تتناول الدراسة هذه العلاقة عبر عدة محاور وهي؛
أولًا- خلفية تاريخية (تشمل علاقة بريطانيا بالأصوليين والإخوان تاريخيًا)
منذ أن بدأت بريطانيا في تأسيس إمبراطوريتها الجديدة، فيما وراء البحار، قررت أن تتعاون مع بعض الجماعات والتيارات في مناطق نفوذها وبخاصة في الشرق الأدنى والهند بما يحول بين هذه المناطق والتقدم، حيث قدمت الدعم لبعض الروابط الصوفية في منطقة الشرق الأدنى والهند، ثم ساعدت على نشأة الطائفة البهائية في بلاد فارس (إيران)، ودعمت المُبشر مرزا حسين علي (والذي أطلق على نفسه اسم بهاءالله)، وساعدت على انتشار البهائية وحمايتهم، والتي اعتمدت على خليط من أفكار الإسلام والمسيحية والزرادشتية واليهودية، كما ساعدت بريطانيا على إطلاق سراح القائد البهائي عبدالبهاء (ابن بهاء الله)، والذي ذهب بعدها إلى لندن ونيويورك في عام 1912 وكان يُبشر برسالة واحدة وهي؛ «إيمان العالم الواحد، وضرورة القضاء على الدول الأممية، والأديان العالمية الحالية والحدود القومية لإذابة كل شيء في عالم واحد»، وقد تزوجت ابنة عبدالبهاء من مؤسس اللغة الاسبرانتية، وهو مشروع لمحو كل الألسنة واستبدالها بلغة واحدة، وفي عام 1918 منحت جلالة ملكة بريطانيا لقب فارس إلى عبدالبهاء. أي أن بريطانيا استخدمت البهائية لصياغة مشروع يهدف للقضاء على مفهوم الدولة القومية- الذي بدأ يتشكل في الشرق الأوسط وشرق آسيا- وعولمة الدين واللغة بما يمهد لها السيطرة على العالم، ثم سارت الولايات المتحدة الأمريكية على النهج نفسه فيما بعد والتي حاولت عولمة «أمركة» كل شيء في إطار بناء إمبراطوريتها الجديدة.
وتُشير العديد من الأدبيات إلى دور الاستعمار البريطاني في استخدام جمال الدين الأفغاني وتلاميذه في مصر عن طريق المحافل الماسونية، والذي عمل على الدعوة إلى أن عزة ومجد هذه الأمة لن يتحقق إلا بالعودة إلى الأصول ودعوته إلى الأصولية الدينية في مصر والمنطقة العربية، فلم يكن يتحدث عن التقدم العلمي والأخذ بأسباب التقدم العلمي، وإنما بالعودة إلى الأصولية الدينية، وتلك الدعوة التي تطورت بعد ذلك وشكلت حركة السلفيين بتفرعاتها المختلفة والتي نادت بالعودة إلى نفس الأساليب والممارسات التي كانت ينتهجها المسلمون الأوائل.
وقد ذكر محمد عبده في كتاباته «إن العلاج الناجع لأسقام الدول الإسلامية لن يكون في تعددية الصحف إذ أن لها قدرًا يسيرًا من التأثير، ولا في بناء المدارس وفق النموذج الأوروبي، إذ يمكن استخدام تلك المدارس والعلوم التي تُدرس فيها لتعزيز التأثير الأجنبي، ولا في التعليم الأوروبي ومحاكاة العادات الأجنبية، إذ أن تلك المحاكاة لم تنجح سوى في إخماد روح الناس وفرض سيطرة الأجانب على تلك الدول، ومن ثم فالحل الوحيد لتك الأمم هو أن ترجع إلى أحكام دينها»، وكانت دعوة الأفغاني وتلامذته محمد عبده ورشيد رضا وغيرهم هي الممهد الرئيسي لتأسيس جماعة الإخوان.
ولا شك أن جميعهم تناسوا ما تشدقوا به من قبل، وأن نهضة أوروبا الحديثة بنيت على التطوير العلمي في العصور الإسلامية الزاهرة، فجميعهم يتناسى أن للحياة دورة حضارية؛ نهل فيها الأوروبيون من المصريين القدماء وبنوا الحضارة الإغريقية والرومانية، ونهل المسلمون من الأوروبيين وطوروا وصنعوا حضارة ذات سمت إسلامي، لتعود أوروبا من جديد وتترجم وتنهل من التقدم الإسلامي آنذاك، ولاشك أن النهضة في هذه البلاد الإسلامية لن تكون إلا بالأخذ بالأسباب العلمية لتطور المجتمعات والشعوب، وليس بالعودة إلى ممارسات بدائية وبدوية.
أما فيما يتعلق بعلاقة بريطانيا بجماعة الإخوان، فقد أشار حسن البنا في مذكراته الدعوة والداعية الى أنه تلقى دعمًا من هيئة قناة السويس* المملوكة للحكومتين الفرنسية والبريطانية بلغ خمسمائة جنيه مصري كمساهمة في بناء مسجد الإخوان بمدينة الإسماعيلية.
وفي أثناء الحرب العالمية الثانية بدأت بريطانيا تمول جماعة الإخوان وبعض الروابط والجماعات الإسلامية الآخرى لمساندتها، ووفق الوثائق الرسمية التي رفعت بريطانيا عنها السرية أنه حصل أول اتصال بين بريطانيا وجماعة الإخوان عام 1941، وفي 18 مايو 1942 عقد اجتماع في السفارة البريطانية مع أمين عثمان باشا رئيس وزراء مصر ونوقشت العلاقة مع الإخوان وفيه اتفقا على أن تتولى الحكومة المصرية سرًا دعم الإخوان وأنها ستحتاج في هذا الدعم البريطاني، كما أن الحكومة المصرية ستدخل عملاء موثوقا بهم في صفوف الإخوان لتراقب الأنشطة عن كثب، كما ستتعاون الحكومة البريطانية بالمعلومات مع الحكومة المصرية في هذا الشأن.
وقد ذكرت الموسوعة البريطانية أن جماعة الإخوان لجأت إلى العنف في الفترة من عام 1945-1949، واغتالت العديد من الشخصيات بينهم محمود فهمي النقراشي رئيس وزراء مصر الأسبق، وذكر تقرير السفارة البريطانية في القاهرة أن جماعة الإخوان تمتلك تنظيمًا إرهابيًّا منذ عهد بعيد ولم تنجح الحكومة المصرية في القضاء عليه.
وفي فبراير وأبريل 1953 بدأت اللقاءات الرسمية بين حسن الهضيبي (المرشد الثاني لجماعة الإخوان) وتريفور إيفانز في السفارة البريطانية، في الوقت الذي كانت الحكومة المصرية تتفاوض مع بريطانيا لجلاء قواتها تمامًا ونهائيًا عن مصر، وقد اتهمت الحكومة المصرية جماعة الإخوان بأنها تعرقل وتعطل مفاوضات الجلاء، وقد ألقي القبض على الإخوان متلبسين بجريمتهم، ومع اقتراب المواجهة بين عبدالناصر وبريطانيا، اشعلت جماعة الإخوان الحرب ضد الرئيس القومي عبدالناصر، وصلت إلى محاولة اغتياله في حادث المنشية 1954.
كما استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا حركات الإسلام السياسي والحركي ومن بينها جماعة الإخوان في مصر، والجماعات الجهادية في أفغانستان، وذلك لضرب التيارات القومية والناصرية في مصر آبان فترة الخمسينيات والستينيات، بينما استخدمت الثانية لضرب نفوذ وقوات الاتحاد السوفييتي في أفغانستان أواخر سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين.
ثانيًا- الدوافع البريطانية في دعم الإخوان
وقد وفرت بريطانيا الملاذ الآمن لحركات الإسلام الحركي في أوروبا منذ ذلك الحين، وكان لها العديد من الدوافع منها؛
– استخدام هذه الحركات لنشر الثقافة الأصولية التي ترفض التقدم والازدهار والتي تساعد بريطانيا في هيمنتها على المنطقة، ومن خلفها سارت الولايات المتحدة الأمريكية.
– اعتادت العقلية البريطانية الاستعمارية في نمط حكمها غير المباشر لمستعمراتها على تجنيد عدد من الاتباع والنخب والتي تساعدها في تنفيذ سياساتها الإمبريالية.
– محاولة نشر سياسة «فرق تسد»، ويمكن الاستشهاد بتجربة بريطانيا في التعامل مع مصر والسودان إبان فترة الاحتلال، والتي انتهجت سياسة أدت إلى فصل الجنوب، بداية من إخراج الجيش المصري من السودان وتصفية الوجود المصرية هناك عام 1924، ثم إصدار قانون المناطق المقفلة والذي فصل جنوب السودان كليةً عن شماله ومنع المرور والتجارة بينهما، ما رسخ للعديد من المشكلات التي لم تنته بانفصال جنوب السودان في 2011. كما يمكن أخذ مقارنة لسياسة «فرق تسد» البريطانية في اثنتين من مستعمراتها السابقة، ففي الوقت الذي شجعت فيه بريطانيا الأصوليين الإسلاميين في الهند، وشجعت على استقلال دولة إسلامية بجانب دولة هندوسية (الهند وباكستان)، وبذرت بذور الخلافات بين البلدين والتي لم تنته منذ 1947 وإلى الآن، نجدها على الجانب الآخر رفضت مطالب الشعب والقوى السياسية في إقليم انفدي (الصومالي) في كينيا، والذي كان يرغب في الانضمام لدولة الصومال إبان الاستقلال 1960، وطالب بإجراء استفتاء تقرير المصير إلا أن بريطانيا تجاهلت هذه المطالب وحق تقرير المصير للشعوب ومنحت كينيا الاستقلال مشتملة على إقليم انفدي، لتبذر بذور الصراع في المنطقة بين كينيا والصومال وهو ما أدى لاندلاع حرب العصابات بين البلدين في النصف الأول من ستينيات القرن العشرين، وهذا ما سمح لها بالتدخل والوجود المستمر في المنطقة، وكذلك دعم أحد الأطراف أو الطرفين بالأسلحة.
– الاستفادة من إمبراطورية جماعة الإخوان المالية، حيث أشار العديد من الدراسات حول المصالح المالية للإخوان في بريطانيا وأوروبا بشكل عام.
– استخدام دعم الجماعات الإسلامية كذريعة للتدخل في شؤون الدول الأخرى.
– ورثت أمريكا نفوذ الدول الغربية الاستعمارية في العديد من المستعمرات السابقة، وبدأت في إعادة ترتيب العلاقات الدولية، كما بدأت في التنسيق البريطاني الأمريكي في السياسة الخارجية ومواقفهم بشكل عام وتجاه الإسلاميين بشكل خاص، فقد دعمت الدولتان جماعة الإخوان في مصر لضرب التيار الناصري والقومي والنفوذ السوفييتي في مصر والمنطقة العربية.
ثالثًا- محددات العلاقات البريطانية الإخوانية
يتضح مما سبق أن العلاقات بين بريطانيا وجماعة الإخوان تزخر بتاريخ حافل من الدعم البريطاني للجماعات الأصولية بشكل عام، وجماعة الإخوان بشكل خاص، ويمكن أن ترتكز محددات هذه العلاقات على محددين مهمين؛
الأول: المنفعة المتبادلة
تؤدي كل من بريطانيا وجماعة الإخوان الخدمات المتبادلة لدى الآخر، ففي حين توفر الأولى الغطاء الشرعي والسياسي للأولى لكي تلعب أدوارًا سياسية واستراتيجية في مصر والعالم، كما توفر لها البيئة التشريعية الملائمة والتي تجعل من بريطانيا ملاذًا آمنًا للهاربين منهم، فإن جماعة الإخوان توفر لها استثمارات بمليارات الدولارات، كما أن حركة أموال التبرعات العالمية للإخوان تمر عبر الأراضي البريطانية والتي تحتضن التنظيم الدولي للإخوان.
وتسعى جماعة الإخوان عبر أذرعها المتعددة في أوروبا بتقديم نفسها كبديل إسلامي في محاولة منها لحشد التأييد الدولي لحكم الجماعة وأحزابها، وأن بديل عدم دعم المشروع الإسلامي الحضاري-على حد وصف الإخوان- سيمهد لدعم التنظيمات الأكثر تطرفًا مثل تنظيمي القاعدة وداعش.
والثاني: التهديد المتبادل
كما بينت في المقدمة بأن العلاقات بين بريطانيا والإخوان لم تشهد استقرارًا بشكل مستمر، وإنما خضعت لكثير من المد والجزر، وذلك لأن طبيعة العلاقة بينهما تتأثر بالبيئة الدولية وشبكة التحالفات والمصالح المختلفة لكل منهما، فعلى سبيل المثال تعلن جماعة الإخوان تأييدها لحركة حماس والتي تصنف في العديد من الدول الأوروبية والأمريكية بأنها منظمة إرهابية، في حين تخضع العلاقات البريطانية للعديد من المحددات مع الدول التي تحتضن أذرع الإخوان وبخاصةً مصر والإمارات والسعودية والكويت وغيرهم، كما هناك العديد من المحددات الداخلية البريطانية كصعود تيار اليمين القومي المناهض للتيارات الإسلامية بشكل عام.
لذا تسود العلاقات بين بريطانيا وجماعة الإخوان ما يُعرف بـ «ميثاق الأمن»، وهو يسمح لجماعة الإخوان بالتحرك على ألا تكون بريطانيا هدفًا للإرهاب، إلا أن هذه المعادلة أحيانًا ما تتغير وفق المتغيرات الخارجية والداخلية، من بينها تعدد التنظيمات الإرهابية والذئاب المنفردة والتي يمكن أن ترتكب بعض العلميات الإرهابية بعيدًا عن الإخوان أو بعلمهم مثل تفجيرات لندن 2005.
وعلى ضوء هذه العلاقة المتغيرة أمر ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا السابق بإجراء تحقيق بشأن الإخوان المسلمين في بريطانيا وذلك في 1 أبريل 2014، فقد ذكر متحدث باسم الحكومة البريطانية قائلًا «أمر رئيس الوزراء الحكومة بإجراء تقييم داخلي لفلسفة الإخوان وأنشطتهم ولسياسة الحكومة إزاء هذه المنظمة، وأنه بالنظر إلى ما أعلن من مخاوف بشأن الجماعة وعلاقاتها المفترضة بالتطرف والعنف، رأينا أنه من المشروع والحكمة محاولة أن نفهم بشكل أفضل ما يمثله الإخوان، وكيف ينوون تحقيق أهدافهم وانعكاسات ذلك على بريطانيا، وأضاف بأنه سيتولى هذا التحقيق السفير البريطاني لدى المملكة السعودية جون جنكينز».
- قراءة في التقرير البريطاني الصادر عن الحكومة اللجنة المشكلة من الحكومة البريطانية بشأن جماعة الإخوان بتاريخ 17 ديسمبر 2015.
ورد بهذا التقرير أنه أعده السير جون جنكينز وتشارلز فار، وأنهما مخولان بدراسة كل ما يتعلق بجماعة الإخوان من تاريخ نشأتها وأيديولوجيتها ومجال حركتها وأنشطتها وتأثير شبكة الإخوان والشركات التابعة لها في المملكة المتحدة، وفي سبيل إعدادهما لهذا التقرير؛ زار السير جون جينكنز اثنتي عشرة دولة والتقى ممثلي الحكومات والحركات السياسية والزعماء الدينيين والأكاديميين وغيرهم من الباحثين المستقلين، كما تم توفير المعلومات من قبل العديد من الهيئات كوزارة الخارجية والكومنولث والوكالات الأمنية والاستخباراتية، وكذلك استشار المؤلفان ممثلين عن جماعة الإخوان والحركات الإسلامية الأخرى في المملكة المتحدة وخارجها ودعوا الأطراف المهتمة إلى تقديم مساهمات مكتوبة. واستعانا بمجموعة واسعة من المصادر الأكاديمية والإلكترونية باللغات الإنجليزية والعربية واللغات الأخرى.
وسنلقي الضوء على عديد من فقرات هذا التقرير؛
– ورد في الفقرة 9 من التقرير بأن جماعة الإخوان التي تأسست 1928 كجماعة «سرية»، وأن هيكلها سري حتى يومنا هذا.
– وفي الفقرة رقم 11 التي تناولت تجربة حكم الإخوان في مصر 2012-2013 وأنهم فشلوا في إقناع المصريين وإظهار الاعتدال السياسي أو الالتزام بقيم الديمقراطية.
– وفي الفقرة (16) والتي تناولت العنف والإرهاب عند جماعة الإخوان، وأشار التقرير إلى أن الجماعة استخدمت العنف بشكل انتقائي وسياسي بما يخدم أهدافها، وأنه في عهد حسن البنا شنت الجماعة عدة هجمات وسلسلة من الاغتيالات ضد الدولة المصرية وبعض المصالح البريطانية واليهودية، وأن الجماعة تستمد أيديولوجيتها من أفكار مؤسسها وأفكار سيد قطب- مُنَظْرّ الجماعة الأول- «العقيدة التكفيرية» والتي تسمح بوصم المسلمين الآخرين بأنهم كافرون ومرتدون، وأن استخدام العنف للوصول للمجتمع الإسلامي الكامل أمر مشروع، والمواجهة مع الحكام (الظالمين في وجهة نظر الإخوان) أمر شرعي وحتمي. كما أن الجماعة تحاول إعادة تفسير آراء سيد قطب، ولكنها لم تتخل عنها، وأن قادة جماعة الإخوان وبخاصة التنظيم في مصر ما زال يعتنق هذه الأفكار، وهي تعاليم محورية في المناهج الدراسية للإخوان، وأن أفكاره ألهمت العديد من المنظمات الإرهابية بما في ذلك قتلة السادات وتنظيم القاعدة وفروعه الكثيرة.
– وفي الفقرة رقم (17) أشار التقرير إلى أنه استُخدمت كتابات الإيديولوجيين البارزين للإخوان لإضفاء الشرعية على الإرهاب القائم، وقد أيد بعض كبار أعضاء جماعة الإخوان وأنصاره الهجمات على القوات الغربية.
– كما ورد في التقرير في الفقرة (20) أن المنظمات المرتبطة بالإخوان والتي تأسست في المملكة المتحدة (وفي أماكن أخرى في أوروبا) منذ أكثر من خمسين عامًا وجد أنها عملت بشكل وثيق جدًا مع نظرائهم من بلدان جنوب شرق آسيا التي تم تأسيسها لتشجيع عمل أبوالأعلى المودودي مؤسس «الجماعة الإسلامية»، واعتبروا أنفسهم كحركة إسلامية واحدة.
– وفي الفقرة (37) أشار التقرير بأن منظمات الإخوان في بريطانيا لم تدحض أو تنكر أدبيات سيد قطب التي ألهمت العديد من المنظمات الإرهابية.
– وفي الفقرة رقم (39) استنتج التقرير أن جماعة الإخوان ركزت تاريخيًا على إعادة تشكيل الأفراد والمجتمعات من خلال النشاط الشعبي، وأنهم انخرطوا سياسيًّا حيثما أمكنهم ذلك، ولكنهم استخدموا العنف بشكل انتقائي وأحيانًا الإرهاب سعيًا لتحقيق أهدافهم المؤسسية والسياسية، وأن روايتهم العامة- لا سيما في الغرب- أكدت المشاركة وليس العنف، كما أنه كانت هناك اختلافات كبيرة بين خطاب الإخوان المسلمين باللغتين الإنجليزية والعربية. وفيما يخص تجربة الحكم في مصر فهناك القليل من الأدلة على أنها أدت إلى إعادة تفكير جماعة الإخوان في أيديولوجيتها أو سلوكها، ولم تؤد المشاركة الرسمية للمملكة المتحدة مع جماعة الإخوان المصرية إلى تغيير ملموس في تفكيرهم، وحتى منتصف عام 2014 فيبدو أن التصريحات الصادرة من منصات إعلامية ترتبط بالإخوان المصرية كانت تحرض عمدًا على العنف. بالإضافة أن نشاط الإخوان في بريطانيا لا يزال سريًا من حيث العضوية وجمع الأموال والبرامج التعليمية، واختتم التقرير نتائجه بأن أيديولوجية وتكتيكات الإخوان، في هذا البلد وفي الخارج، تتعارض مع القيم والمصالح الوطنية لبريطانيا وأمنها القومي.
خاتمة
في ضوء ما استعرضته الدراسة من الدعم البريطاني والأمريكي لجماعة الإخوان، وفي ضوء القراءة والتحليل للتقرير البريطاني عن أنشطة جماعة الإخوان والصادر في 17 ديسمبر 2015 والذي وصف الجماعة بالعنف وإن لم يوص بحظر أنشطتها؛ يبرز لنا سؤال مهم، هل تسعى بريطانيا من خلال هذا التقرير إلى التخلي عن جماعة الإخوان أو حظر أنشطتها بصفتها جماعة إرهابية أو متطرفة؟
بالتحليل العميق للسياسة البريطانية فإنها لن تتخلى عن جماعة الإخوان، بصفتها إحدى الركائز الأساسية التاريخية في علاقتها بالعالم الإسلامي بشكل عام، وبمنطقة الشرق الأوسط ومصر بشكل خاص.
نقلا عن المرجع