“الطعنة الأخيرة” لبريطانيا من متشددي ليبيا… هل تعيد لندن حساباتها بدعم “الوفاق”؟
حملت حادثة الطعن الإرهابية الأخيرة التي ارتكبها الليبي خيري سعد الله (25 عاماً) في منطقة ريدينغ البريطانية، مزيداً من الدلالات الموجبة لتغيير الاستراتيجية التي تنتهجها دول أوروبية وغربية نحو الأزمة المتصاعدة في لييبا، والتي باتت مرتعاً للمقاتلين المتشددين من الليبيين وغيرهم، وساحة غنية للأفكار المتطرفة.
الحادث الإرهابي، الذي أسفر عن مقتل 3 أشخاص وإصابة 3 آخرين طعناً على يد الشاب الليبي، وهو أحد اللاجئين إلى بريطانيا، يؤكد أنّ الخطر النامي في الدولة الأفريقية غير بعيد عن الجهة الأخرى من المتوسط حيث أوروبا.
كما تشير الواقعة إلى أنّ المواقف الأوروبية “المتذبذبة” بين حكومة الوفاق والجيش الليبي، بسبب حسابات النفط أو تقاسم النفوذ، إن لم تحسم في المستقبل القريب لصالح تجفيف منابع الإرهاب في ليبيا، فإنّ الحادث لن يكون الأخير، خصوصاً بعدما أثبتت التقارير الصحفية إيمان الشاب بأفكار ميليشيات الوفاق المتطرفة.
وما يفاقم الأمر خطورة، فرار 400 من المقاتلين والمرتزقة الذين جنّدتهم تركيا للقتال في ليبيا ضمن صفوف حكومة الوفاق، نحو أوروبا، بحسب ما أورد المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وفي الوقت الذي انتبهت فيه فرنسا إلى الخطر الداهم للإرهابيين الجدد على أراضيها، وأعلنت موقفاً صارماً تجاه التدخل التركي في ليبيا، ما زالت إيطاليا وبريطانيا تميلان نحو حكومة الوفاق، لتقويض نفوذ فرنسا وفق حسابات النفوذ والنفط.
وعلى الصعيد البريطاني، فإنّ المخاطر المحدقة بها أكبر، في ظل علاقتها التاريخية بجماعات “الإسلام السياسي”، حيث يتخطّى الموقف البريطاني مجرّد دعم أو تغذية أو إيواء عناصر ليبية متشددة، إلى موقف أكبر بدعم الجماعة التي يمثل فكرها الجهادي “حاضنة” لتلك الجماعات وهي جماعة “الإخوان المسلمين”، المصنفة في كثير من الدول بقائمة “التنظيمات الإرهابية”.
وعودة إلى الحادث الإرهابي؛ فالشاب الليبي سعد الله يخضع للتحقيقات حالياً من قبل أجهزة الأمن البريطانية بعد توقيفه؛ إذ تبين تورطه بتهم إرهابية سابقة في بريطانيا.
وليس سعد الله هو الوحيد الذي تنال طعناته أجساد البريطانيين، فقد سبقه مواطنه سليمان العبيدي الذي قتل 22 شخصاً وأصاب 59 آخرين إثر عملية انتحارية في مقهى ليلي داخل مدينة مانشستر في أيار (مايو) 2017، في العملية التي عرفت بـ”هجوم مانشستر”.
وإذا كان سعد الله أحد من نشؤوا في خضم الصراع والاقتتال الليبي، متأثراً بأفكار ميليشيات الوفاق، فإنّ نموذج سليمان العبيدي يكشف الخطر الإرهابي القادر على تغذية نفسه ذاتياً، والانتقال من جيل إلى آخر، حتى في بيئة مستقرة مثل بريطانيا، حيث كان والد سليمان، رمضان العبيدي، أحد عناصر جماعة إرهابية مقاتلة في ليبيا خلال حكم القذافي.
ونشرت صحف ليبية، في وقت سابق، وثيقة، نقلتها “العربية”، توضح وضع رمضان العبيدي ضمن المطلوبين لقوات الأمن خلال حكم لرئيس الليبي الراحل معمرالقذافي، لتبنّيه أفكار القاعدة وانخراطه في جماعة مقاتلة، غير أنّه استطاع الفرار من ليبيا ليطلب اللجوء إلى بريطانيا على اعتباره “مضطهداً” في بلاده تسعينيات القرن الماضي.
تتضارب الأنباء فيما بعد عن موعد عودة الأب إلى ليبيا، بين العام 2008 و2011، وإن كانت الأخيرة أكثر منطقية على اعتبار أنه عاد بعد سقوط نظام القذافي. واللافت في عودته أنها لم تدر في فلك بعيد عن “الوفاق” وميليشياتها، حيث انخرط في صفوفها، بحسب ما أورده موقع 128 الليبي، في آذار (مارس) الماضي، نقلاً عن صحيفة “الغارديان” البريطانية، حيث رصدت “الغارديان” تلقيه العلاج في تركيا على نفقة حكومة الوفاق.
شبكة من المتشددين
ذكر سيرة رمضان العبيدي يستدعي سيرة القيادي القاعدي عبد الحكيم بلحاج، الذي اعتذرت له بريطانيا في العام 2018، وهو الآن يقبع في تركيا، مشرفاً على عملية ضخّ المقاتلين السوريين إلى ليبيا، بحسب ما ذكره موقع “العربية”.
العبيدي كان ضابطاً في الجيش الليبي خلال حكم القذافي، انشقّ عنه حين فُتن بالجماعة الصاعدة آنذاك والتي كان زعيمها عبد الحكيم بلحاج، وهي الجماعة المقاتلة في ليبيا، التي بايعت فيما بعد القاعدة.
أما بلحاج نفسه فقد استطاع الفرار من ليبيا ليطلب اللجوء إلى بريطانيا، والأخيرة كعادتها تفتح ذراعيها للمتشددين، قبل أن تتمكن عملية أمريكية من نقله هو وزوجته إلى ليبيا، ليسجن ثم يتحول إلى ثوري، بعد مقتل القذافي، ويتمدد نفوذه بتمدد نفوذ حكومة الوفاق، ويتصدر الإعلام القطري، كما أطلق حزباً باسم “وطن”.
وعن الاعتذار البريطاني الذي يوثق صلتها بالمتشددين، فقد أطلق في العام 2018، حين كان بلحاج يتجه إلى رفع دعوى قضائية ضد الحكومة البريطانية بدعوى أنها سلّمته هو وزوجته إلى ليبيا.
واعتذرت بريطانيا من بلحاج متجاهلة سجلّه الذي توزع بين قتاله إلى جانب زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في أفغانستان، ثم زعامته للجماعة الليبية المقاتلة، وقيادته لمجلس طرابلس العسكري، بحسب موقع “سكاي نيوز” .
وتحدثت صحيفة “التايمز” البريطانية، في تقرير أمس، معنون بـ”أصدقاء أم أعداء؟ عن العلاقة الشائكة بين بريطانيا ومتشددي ليبيا” وصلة بريطانيا بأكثر من متشدد ليبي، لافتة إلى فتح بريطانيا أبوابها منذ عقود أمام أصحاب الفكر المتشدد في ليبيا، وكأنها تريد أن تشير إلى أنّ “بريطانيا اليوم تجني ثمار ما زرعت أمس”.
شبكة المتشددين التي تغذت في بريطانيا، لم تستثنِ مفتي ليبيا المعزول، الصادق الغرياني، وإن كانت العلاقة متغيرة بعض الشيء، حيث جاء صعود الغرياني في الوقت الذي يتذوق فيه العالم مرارة تنظيم “داعش”، لذا فقد قذفت بريطانيا بورقته سريعاً لتحرقها على الطاولة، وكأنها بذلك قد تبرّأت من المتشددين!
في العام 2014، حظرت بريطانيا دخول الغرياني إلى أراضيها، بعدما مكث فيها شهوراً، يطلق تصريحات تدعم دخول المقاتلين الأجانب والمتشددين إلى ليبيا للسيطرة على العاصمة طرابلس.
بريطانيا على المستوى الرسمي، لم تكن لتتحرك من تلقاء نفسها وهي متمرسة في تربية العناصر الإسلاموية الراديكالية، غير أن تقريراً لصحيفة “الغارديان” البريطانية ينتقد دعم الغرياني للعنف والإرهاب من الأراضي الأوروبية، دفع الحكومة إلى اتخاذ إجراء.
وصرّح مسؤول آنذاك وفق ما نشرته “الغارديان”: “لم نعتد الحديث عن قضايا فردية، غير أن من يدعم الإرهاب غير مرحّب به في بريطانيا، سوف نتخذ قراراً ضد من يهدد مجتمعنا ويخرب قيمنا”.
وأصدر الغرياني، الملقب بـ”مفتي الدم”، قبل أيام، فتوى جديدة تحرّض الميليشيات على قتل الأسرى من الجيش الليبي، على اعتبارهم “كفاراً وبغاة”.
فهل تواصل بريطانيا دعمها للمتطرفين والمتشددين ولميليشيات الوفاق الليبية، أم ستعيد حساباتها وتخطو خطوات جادة وحقيقية لتجفيف كل منابع الإرهاب وإعادة حساباتها بدعم ميليشيات الوفاق؟
نقلا عن حفريات