تونس… حيث المرأة تتصدّى للغنوشي
ليس معروفا بعد لماذا كلّ هذا الإصرار لدى جماعة الإخوان المسلمين في تونس على تخريب البلد عن طريق نشر البؤس وتحويله إلى دولة فاشلة. هل هذه، بحدّ ذاتها، هواية الإخوان حيثما وجدوا وأينما استطاعوا وضع يدهم على السلطة أو على أيّ جزء منها أكان صغيرا أو كبيرا؟
ما يمكن ملاحظته منذ العام 2011 تاريخ انتهاء عهد زين العابدين بن علي، وصولا إلى تولّي راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة، التي تشكل جزءا لا يتجزّأ من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين موقع رئيس مجلس النوّاب، أنّ تونس تتغيّر نحو الاسوأ. كلّ ما في تونس يسير إلى خلف، خصوصا المجتمع الذي يتضاءل فيه حجم الطبقة المتوسّطة ويزداد التطرّف الديني بطريقة أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها تسيء إلى روح التسامح والاعتدال التي تميّز الدين الحنيف، هذا الدين الذي يدعو إلى الرحمة والابتعاد عن كلّ ما له علاقة بالتطرّف.
لعلّ أخطر ما في الأمر أنّ الإخوان المسلمين بدأوا يحصدون ثمار ما زرعوه في السنوات التسع الماضية على طريق تحويل المجتمع التونسي إلى مجتمع متخلّف وذلك كي تسهل سيطرتهم عليه. فحيث التخلّف، يكون الإخوان. إنّ كلّ ما فعلوه منذ 2011 يصبّ في سياق ترهّل الدولة ومؤسساتها. هذه المؤسسات، بما في ذلك مؤسسة الجيش، التي احترمت رغبة الشعب التونسي في التغيير من خلال “ثورة الياسمين” التي افتتح بها الربيع العربي.
بات هذا الربيع الذي تحوّل خريفا في كلّ مكان يشكل بكلّ وضوح خطرا كبيرا على تونس ومجتمعها الذي وضع الحبيب بورقيبة أسسا صلبة لتطويره وتحويله إلى مجتمع عصري تلعب فيه المرأة دورا طليعيا بعيدا عن كلّ ما له علاقة بالانغلاق والجهل.
الثابت أنّ المرأة التونسية لعبت دورها في الدفاع عن المكتسبات التي تحققت على الصعيد الاجتماعي منذ الاستقلال في العام 1956. لولا المرأة التي دافعت عن حقوقها وعن حقوق المواطن التونسي عامة، لكانت تونس سقطت في فخّ الإخوان منذ فترة طويلة. أثبتت المرأة في كلّ مناسبة انتخابية، منذ العام 2011، أنّها ترفض فكر الإخوان المسلمين وتخلّفه. لعبت المرأة دورها في إيصال الباجي قائد السبسي إلى رئاسة الجمهورية بغية قطع الطريق على النهضة ومتابعة إقرار قوانين حديثة تنصف المواطن، مثل قانون الإرث.
لكنّ ما لا بدّ من الاعتراف به أن حركة النهضة الإسلامية ثابرت، على الرغم من أن الفشل كان حليف كلّ ممثّل من ممثليها تسلّم موقعا في السلطة، على السعي إلى السيطرة على البلد.
عملت من دون كلل من تحت الطاولة وفوقها على تفكيك مؤسسات الدولة وجعلها أداة طيّعة في يدها عن طريق حشر عشرات الآلاف من الأعضاء الذين ينتمون إليها في المؤسسات الحكومية. صارت الإدارة التونسية إدارة تنوء تحت عبء الموظفين الجدد الذين لا يوفّرون شيئا للمواطن، بل وضعوا أنفسهم في خدمة نشر الفكر الإخواني. تحوّل الاقتصاد التونسي من اقتصاد منتج إلى اقتصاد ريعي. تحوّلت الإدارة من إدارة فعالة إلى إدارة عاجزة.
ما المطلوب من ذلك كلّه؟ المطلوب الوصول إلى الوضع الراهن الذي بات فيه راشد الغنوشي يلعب الدور الأوّل في تونس، فيما رئيس الجمهورية قيس سعيد يكتفي بدور المتفرّج بدل وضع رئيس مجلس النوّاب عند حدّه وتذكيره بفصل السلطات الذي هو في أساس كلّ دستور في دولة تتمتع بحدّ أدنى من الديمقراطية.
من حسن الحظ أنّه لا يزال هناك من يقول لا للغنوشي الذي يتظاهر بأنّه رجل عصري وأنّ لديه تجربة مهمّة يمكن أن ينقلها إلى تونس، هي تجربة تركيا رجب طيب أردوغان. لا تزال في تونس نساء يمتلكن العقل الراجح الذي يضع رئيس مجلس النواب في مكانه ويؤكد له أن تونس لا يمكن أن تكون تابعة لتركيا وسياستها الليبية ذات الطابع التوسّعي بأي شكل. تونس تظلّ تونس وهي لعبت دورا تاريخيا في مجال المحافظة على التوازن في المنطقة.
ما ينساه الغنوشي الذي يريد أخذ تونس إلى مكان آخر، أن العرب لم يجدوا أفضل من تونس لينقلوا إليها مقر جامعة الدول العربية في العام 1979 إثر حصول الشرخ مع مصر. لم يجدوا أيضا أفضل من المواطن التونسي الشاذلي القليبي، الرجل المثقّف والعصري الذي توفي قبل أيام، ليكون أمينا عاما للجامعة في تلك الفترة العصيبة التي مرّت بها المنطقة.
لعبت تونس طوال نحو عشر سنوات دور ضابط الإيقاع في المنطقة العربيّة كلّها وذلك في انتظار المصالحة العربيّة مع مصر وعودتها إلى العرب أو عودتهم إليها بعد توقيعها لمعاهدة سلام مع إسرائيل في آذار – مارس من العام 1979. كانت تونس بورقيبة، التي استقبلت القيادة الفلسطينية بعد خروجها من بيروت، شيئا مختلفا عن تونس راشد الغنوشي الذي يريد إدارة السياسة الخارجية للبلد في السنة 2020 ووضع بلده في تصرّف تركيا.
يعكس الرد العنيف في مجلس النوّاب التونسي على تصرّفات رئيس المجلس رغبة في تفادي سقوط البلد. إذا كان هذا الردّ الذي قادته المرأة الممثلة في الندوة البرلمانية يدلّ على شيء، فهو يدلّ على وجود إرادة في التصدي من جهة وأن تونس مقبلة على أيّام صعبة من جهة أخرى بسبب وضعها الاقتصادي والاجتماعي قبل أي شيء آخر.
شئنا أم أبينا، لا يمكن تجاهل أن زين العابدين بن علي، الذي توفّي قبل فترة قصيرة في المنفى، لعب دورا مهمّا في تطوير الاقتصاد التونسي. حصل في عهده تطوير للصناعات التحويلية وللسياحة والزراعة ولمجال التكنولوجيا. كذلك، حصل تطوير للعلاقات بين تونس والاتحاد الأوروبي. هناك، من دون أدنى شكّ أخطاء كبيرة ارتكبها الضابط الذي خلف بورقيبة، لكنّ ما لا مفرّ من الاعتراف به أن الرجل جنّب سقوط تونس في فخ التخلّف… أي في مأزق فخّ الإخوان المسلمين بقيادة راشد الغنوشي الذي يدّعي أنّه ليس متزمتا وأن الدليل على ذلك أنّه “يستمتع بصوت فيروز”!
هل تتفادى تونس السقوط في التخلّف؟ هذا هو السؤال الكبير. الكثير سيعتمد على دخول رئيس الجمهورية على خطّ وضع حدّ للغنوشي والفكر الذي ينادي به وتوجهاته على الصعيد الإقليمي. سيعتمد الكثير على تشكيل جبهة عريضة تقول لرئيس مجلس النواب ولحركة النهضة إن تونس ترفض أن تكون تابعا لتركيا لا أكثر ولا أقلّ.
نقلا عن العرب