التحالف التركي الإخواني وأوهام السيطرة على ليبيا
أزال نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برقع الحياء عن وجهه وكشف بوضوح عن مخططاته الاستعمارية في ليبيا، بعد أن اعترف وزير الدفاع التركي خلوصي أكار صراحة بتدخل بلاده العسكري في ليبيا، زاعماً أن هذا التدخل غيّر موازين القوة على الأرض لمصلحة مليشيات السراج والمليشيات الإخوانية والإرهابية الموالية لها.
وسبق هذا الإعلان، وتلاه، تكثيفٌ غير مسبوق للتدخل العسكري التركي في ليبيا، مع تواتر التقارير الموثوقة التي تفضح حجم هذا التدخل العسكري التركي في ليبيا سواء بالأسلحة أو بالميليشيات الإرهابية التي تريد تركيا التخلص من عبئها بعد فشلها في تحقيق أي هدف لهم في سوريا، في انتهاك صارخ للسيادة الليبية، وللقرارات الدولية ذات الصلة بالأزمة الليبية، وللتعهدات التي قطعتها أنقرة على نفسها في مؤتمر برلين مطلع العام الحالي، والذي دعا إلى وقف التدخلات الخارجية ووقف الدعم العسكري للأطراف الليبية المتنازعة.
ومن يتابع تطورات المشهد الليبي يلحظ بوضوح محاولة تركيا استنساخ الأزمة السورية في ليبيا، أو ما يسمى بـ”سورنة ليبيا”، من خلال قيام نظام أردوغان بنقل آلاف العناصر الإرهابية التي كانت أنقرة تستغلها في تنفيذ أجندتها في سوريا إلى ليبيا، وتحويل الصراع في ليبيا من صراع أهلي إلى صراع إقليمي- دولي مفتوح، وأداتها الرئيسية في تنفيذ ذلك، هي الميليشيات الإخوانية التي أصبحت أنقرة تنقلها من مكان لمكان لتنفيذ أجنداتها في نشر الفوضى وتحقيق أوهام الهيمنة الإقليمية التي تعشعش في عقلية رئيسها.
وبدلاً من أن يخجل هذا النظام التركي من تدخلاته غير المشروعة التي يدفع ثمنها الشعب الليبي من دماء أبنائه واستقراره وأمنه، أو حتى يحاول التغطية عليها، نجد هذا النظام والقوى التي تدور في فلكه يروجون عبر أبواقهم الإعلامية لمزاعم تغير موازين القوى على الأرض.
وهي مزاعم لا تزيد عن كونها محاولة ترويج للوهم بهدف رفع الروح المعنوية للميليشيات التي تدعمها هذه الأبواق بعد سلسلة متصلة من الانتصارات الميدانية التي حققها الجيش الوطني خلال الأشهر القليلة الماضية، والتي جعلته يسيطر على أغلب الأراضي الليبية، وبالتالي فهو أمر لا يستحق أن نقف عنده كثيراً، ولاسيما بعد أن ردت قوات الجيش الوطني بقوة على هذه التدخلات التركية وألحقت خسائر كبيرة جديدة بالقوات التركية والميليشيات التي تدعمها.
ولكن ما هو مهم، هو ما يكشف عنه هذا السلوك التركي من إصرار مستميت من قبل نظام أردوغان على مواصلة نهجه الاستعماري، والسعي إلى فرض السيطرة على ليبيا، أو على الأقل على جزء منها، وهذا الأمر يمكن تفسيره في ضوء ثلاثة اعتبارات.
الأول هو فشل كل مشاريع الأتراك في السيطرة والتواجد في المنطقة، سواء في مصر عبر حلفائهم الإخوان الذين أطاح بهم الشعب المصري، أو في سوريا التي لم يعد لهم تأثير كبير في أحداثها بعد استعادة الدولة السورية معظم أراضيها، وبالتالي لم يتبق لهم سوى ليبيا، التي ستكون حتماً نهاية مشروعهم التوسعي المثير للتوتر ومقبرته النهائية.
والثاني، هو سعي الأتراك إلى فرض أنفسهم في معادلة السيطرة على مقدرات الطاقة والغاز الطبيعي في شرق المتوسط، والذي لن يتحقق إلا من خلال الحفاظ على الاتفاقية المشبوهة التي وقعوها مع السراج بهذا الشأن، ويؤكد ذلك إعلان أنقرة في أواخر مايو 2020 تخطيطها لبدء عمليات التنقيب عن النفط داخل الحدود البحرية الليبية، التي تم تحديدها بموجب هذا الاتفاق في غضون ثلاثة إلى أربعة أشهر.
الاعتبار الثالث هو رغبة تركيا في التخلص من عبء هذه الميليشيات عبر إرسالها إلى ليبيا بعد فشلها في سوريا، وهو ما يعني تصدير أزمة هذه الميليشات لدول أخرى من بينها الدول الأوروبية.
معركة استعادة ليبيا من أيدي التحالف الإخواني- التركي هي معركة مستمرة لن تتوقف حتى تحقق الهدف منها، وهي معركة أصبحت اليوم أكثر إلحاحاً من ذي قبل بعد أن كشفت أنقرة والميليشات الإخوانية عن مخططاتها المشبوهة صراحة في السيطرة على هذا البلد وسلخه من محيطه العربي، فالجميع يدرك أنه لن يكون هناك أمن ولا استقرار في المنطقة إذا خضعت ليبيا لسيطرة هذا التحالف الشيطاني، ولن يسمح أحد بذلك.
نقلا عن العين الإخبارية