الغنوشي يحشر تونس في المحور القطري-التركي… ومطالبات بعزله
ألهبت دعوات ملحّة لحلّ البرلمان التونسي، وعزل رئيسه راشد الغنوشي (زعيم حركة النهضة الإخوانية)، شبكات التواصل الاجتماعي في الأيام القليلة الماضية، على خلفية تهم تلاحقه منها محاولة حشر تونس في التحالفات الإقليمية، ودفعها نحو المحور “الإخواني”، الذي تقوده تركيا وقطر، في وقتٍ يواجه فيه الغنوشي غضباً شعبياً وبرلمانياً.
وتتعلق الاتفاقية الأولى بسماح الحكومة التونسية لقطر بفتح مكتب لصندوق قطر للتنمية بتونس، واتفاقية أخرى تنص على التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمار بين تونس وتركيا، لكن مشروع القانون قوبل برفض شعبي وبرلماني، رافقته تهم للغنوشي باستغلال سلطته، لتمكين الدولتين من المزيد من التغلغل وإحكام القبضة على الاقتصاد التونسي، في إطار أجندة سياسية مرتبطة بالمشروع الإخواني في تونس.
ومن المتوقع أن تصوت كتلة حركة النهضة و”ائتلاف الكرامة” المتحالف معها لصالح الاتفاقيتين، في حال تم عرضهما للنقاش، فيما أعلنت كتلة “الحزب الدستوري الحر” توجهها للمحكمة الإدارية للطعن بهما، وفق ما ذكرته وسائل إعلام تونسية محلية.
غضب برلماني
وعلى خلفية طرح الاتفاقيتين على النواب للنظر فيهما، اشتعل غضب سياسيين وأغلب أعضاء البرلمان متهمين رئيسه الغنوشي، بالتقارب مع تركيا بشكل يضرّ بالدولة التونسية، ما اضطرّ مكتب البرلمان لتأجيل الجلسة العامة، التي كانت مقرّرةً للنظر فيهما إثر خلافات عميقة بين الكتل البرلمانية.
وشكّكت رئيس كتلة الحزب الدستوري الحر (16 نائباً) عبير موسى في أهداف الاتفاقيتين مع قطر وتركيا واعتبرتهما “مشبوهتين” وتزجّان بتونس في لعبة المحاور والاصطفاف وراء الحلف الإخواني، مشيرة إلى أنّها “اتفاقيات استعمارية تخدم المصالح القطرية والتركية”، وأكدت أنّ تمريرها في البرلمان سيخول للحلف التركي القطري، مع إخوان تونس، الهيمنة على السيادة الوطنية.
منتقدو الغنوشي يتهمونه أيضاً بأنّه يخلط بين صفته كرئيسٍ للبرلمان وبين صفة رئيس حركة النهضة القريبة من تركيا، لتمرير سياساتها الإخوانية، كما انتقدوا طريقته في تسيير البرلمان، معتبرين أنّه “بات يتعامل مع الجميع وكأنّه رئيس جمهورية”.
ويسلّط هذا الجدل المتجدد العلاقات التي تربط حركة النهضة الإخوانية بالدوحة وأنقرة، في إطار أجندة سياسية مرتبطة بالمشروع الإخواني في تونس، وهو ما اعتبره المحلل السياسي باسل ترجمان مشروعاً، بسبب الأداء الضعيف لرئيس البرلمان، الذي لم ينجح في أن يكون رئيساً بمستوى رئاسة البرلمان.
واعتبر ترجمان في تصريحه لـ”حفريات”، أنّ الغنوشي تجاوز صلاحياته، لصالح علاقاته مع الأطراف المؤيدة للإسلام السياسي في كل من ليبيا وتركيا وقطر، وهو نوعٌ من الاستبلاه للشعب التونسي، ولممثليه داخل البرلمان، ولفت إلى أنّ الغضب الذي عبّر عنه النواب ما هو إلا انعكاس للمشهد البرلماني الفوضوي.
وشدّد ترجمان على أنّ الغنوشي مارس نوعاً من الضغط والابتزاز السياسي على رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ من أجل عرض الاتفاقيتين على المجلس، برغم توقيعهما منذ عام 2017، وهو ما يثير الكثير من الريبة والشك، حول وجود شبهات خطيرة تحوم حولهما.
غضب شعبي
تبعاً لذلك، اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بالدعوات الملحّة لحلّ البرلمان التونسي، وعزل رئيسه، وكذلك إسقاط الحكومة، وتغيير نظام الحكم برمته، وأنشأ الغاضبون صفحات فيسبوكية أطلقوا عليها “اعتصام باردو 2″ (أمام مقر البرلمان)، و”اعتصام السيادة والخلاص”.
ووقع آلاف النشطاء على عريضة شعبية لسحب الثقة من البرلمان، ومحاسبة المتورطين من نوابه في الفساد والإطاحة بحكومة إلياس الفخفاخ وحل البرلمان التونسي، حيث تجاوز عدد الموقعين على العريضة 18 ألف شخص، بعد ساعات قليلة من طرحها على صفحة “تنسيقية اعتصام الرحيل باردو 2″، وسط جدل واسع بين مؤيدين لإطاحة البرلمان، ورافضين لإسقاطه قبل الانتخابات التشريعية في العام 2024.
بدوره، حذّر الاتحاد التونسى للشغل، أكبر منظمة نقابية بالبلاد، من استغلال ظرف انتشار فيروس كورونا، لتمرير مشاريع واتفاقيات خارجية معادية لمصالح تونس، وترهن مستقبل الأجيال لصالح اصطفافات وأحلاف أجنبية، معتبراً أنّ أي خطوةٍ في هذا الاتجاه ستواجه بالرفض الشعبى والتصدّي المدني، ولن يتأخّر الاتحاد عن خوض النضالات الضرورية لإسقاطها.
وكان آلاف التونسيين قد أطلقوا في كانون الثاني (يناير) حملة شعبية على مواقع التواصل الاجتماعي للمطالبة بإعفاء الغنوشي من رئاسة البرلمان، على إثر زيارة غامضة أداها إلى تركيا غداة سقوط الحكومة التي قدمها حزبه الفائز في الانتخابات التشريعية منذ تشرين الأول (أكتوبر)، كما وقّع عددٌ من نواب البرلمان المعارضين عريضة لسحب الثقة من الغنوشي، و”تصحيح الخطأ الفادح الذي تم ارتكابه في حق مجلس النواب” (البرلمان).
واتهم سياسيون تونسيون الغنوشي وحركة النهضة بتلقي تعليمات مباشرة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وشدّد المحلل السياسي يوسف الوسلاتي في حديثه لـ “حفريات”، على أنّ كلّ احتجاجٍ هو مشروع طالما مصدره الشعب، يكفيه أن لا يكون نخبوياً، أو سياسوياً، يقوم على تصفية الحسابات السياسية، مشيراً إلى أنّ المشهد السياسي الحالي ساعد كثيراً على تغلغل حركة النهضة، وسيطرتها على البرلمان والحكومة، في ظل غياب المعارضة القوية.
وقال الوسلاتي إنّ المعارضة التي أفرزتها انتخابات 2019 ضعيفة، وانحصرت في طرف سياسي وحيد (الحزب الدستوري الحر) رغم أنّه لا يمثّل أغلب الشعب التونسي، وهو ما جعل سياسات الائتلاف الحاكم لا تلقى رضا أغلب التونسيين، منها مثلاً الاتفاقيتان مع تركيا وقطر، معتبراً أنّ توجه حركة النهضة نحو الحكم بالأغلبية استخفافٌ بالديمقراطية.
الوسلاتي أشار أيضاً إلى غياب العدالة الاجتماعية التي نادى بها التونسيون خلال الثورة، وأكّد أنّ العمال وحدهم يحملون أعباء الفشل الاقتصادي، والاجتماعي الذي تعيشه البلاد منذ العام 2011، وكذلك خلال الأزمة التي أنتجها فيروس كورونا المستجد، من خلال الاقتطاع المجحف من رواتبهم لصالح الدولة، في حين لم يساهم أرباب العمل بشيء يذكر، كما لم تتحمل المؤسسات الاقتصادية الخاصة مسؤولياتها تجاه البلاد.
النهضة تعكس الهجوم
وسط هذه التحركات لإسقاط النظام الحالي، والدعوات للاعتصام أمام مقر البرلمان، عبّر المكتب التنفيذي لحركة النهضة عن إدانته لهذه الحملات التي وصفها بـ”المشبوهة الداعية للفوضى”، والتي قال إنّها “تستهدف مجلس النواب ورئيسه، وإنّها تسعى لإرباك المسار الديمقراطي، وإضعاف مؤسسات الدولة في ظل تحدياتٍ صحية واقتصادية استثنائية”
واتّهمت الحركة بعض القوى السياسية الموجودة في المعارضة، بالعمل على تقسيم التونسيين والتحريض على “حرب أهلية”، واعتبرت أنّ دعوات إسقاط البرلمان مدعومة من الخارج، وأنّ هناك أصواتاً تحاول استغلال هذه الفترة الصعبة لتحريض التونسيين على “ثورة الجياع” وإسقاط مؤسسات الدولة الشرعية من خلال الاستثمار في الجوع والفقر.
ويرى وزير المالية الأسبق والنائب عن حركة النهضة سليم بسباس في تصريحه لـ حفريات، أنّ هذه الدعوات ليست جديدةً، وأنّ هناك أطرافاً معينة، فشلت خلال الانتخابات (في إشارةٍ إلى أحزاب اليسار)، تتعمّد استغلال المحن التي تمر بها البلاد، للوصول إلى غاياتٍ وأهداف خارج حدود اللعبة الديمقراطية، عبر طرقٍ غير شرعية من أجل تعكير الأمن العام في تونس.
ولفت بسباس إلى أنّ ما يثير الريبة، وجود تجانس بين هذه الدعوات في تونس لإسقاط الحكومة وحل البرلمان، وبعض الأجندات الخارجية التي تتعمّد التدخّل في الشأن الداخلي التونسي، عبر دعم من لم يحالفهم الحظ في الانتخابات، مشيراً إلى أنّ بعض المدونين الأجانب يدعمون هذه المطالب ويرونها إيجابية برغم خطورتها على الاستقرار التونسي، في مرحلة حربها على فيروس كورونا المستجد، واستدراكها لبعض الإخفاقات الاقتصادية.
نقلا عن حفريات