كيف سمّم حزب العدالة والتنمية تركيا؟
تمامًا مثل بقية دول العالم، تتعامل تركيا الآن مع جائحة كورونا وعلى الرغم من أن تركيا تأخرت في الإبلاغ عن حالتها الأولى، إلا أن البلاد شهدت منذ 11 مارس واحدًا من أسرع معدلات نمو فيروس كورونا.
ونستطيع القول بأن هناك جانب واحد للوباء يميز تركيا عن بقية العالم. حيث في حين أعلنت معظم الدول المتقدمة والنامية عن إطلاق حزم مساعدات مختلفة لمساعدة مواطنيها الذين يعانون من الدمار الاقتصادي الذي تسببت فيه إجراءات التباعد الاجتماعي من أجل إبطاء انتشار الفيروس، لجأت تركيا إلى مواطنيها لتقديم المساعدة من خلال التبرع.
وهذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها هذا. فقد شهدت البلاد من قبل مسؤولين حكوميين يشرعون في إطلاق حملات دعم للمساعدة في مختلف الكوارث الطبيعية. ومع ذلك، في كل حالة، لم يتضح أبدًا إلى أين تذهب الأموال أو كيف تم إنفاقها.
وعلى سبيل المثال، لم يتم تخصيص الضرائب والمساعدات المحصلة، بعد الزلزال المدمر عام 1999 في محافظة إزميت، لمعالجة الكوارث. ولكن بدلاً من ذلك، تمت إضافتها إلى الخزانة، ولم يتضح أبداً كيف تم استخدامها.
ونظرًا لأن كل هذه الأموال المتراكمة في الخزانة قد تم إنفاقها في أزمة الليرة 2018 وبعد ذلك لإبطاء ارتفاع الدولار، تواجه البلاد الآن أكبر وباء في العالم وهي مثقوبة الجيوب. وعلى هذا النحو، وبدلاً من تقديم المساعدة الاقتصادية للجمهور، كما يجب أن تفعل، فإن الحكومة تهتم بنفسها من خلال جمع التبرعات.
ونظرًا لأنه كان من المفهوم منذ البداية أنه لن تكون هناك مشاركة تذكر في هذه الحملة، فقد اضطرت العديد من مؤسسات الدولة للتبرع، وأولئك الذين لا يريدون المشاركة كانوا مطالبين بتقديم أسبابهم مكتوبة. ومن خلال هذه الخطوة، كان الجميع يعلم أن الأشخاص الذين يقدمون هذه المستندات سيفقدون وظائفهم أو حتى سيخضعون لتحقيقات الشرطة.
وعلى أي حال، أدى نشر المعلومات بشكل متزايد خلال هذه العملية برمتها إلى زيادة الانقسامات الاجتماعية بين الجمهور.
وعلى الرغم من أن تركيا تجاوزت الانقسام الاجتماعي في الماضي، فقد تمكن الناس في بعض الحالات من تجاوز العداء فيما بينهم والتجمع من أجل مصلحة البلاد. ولكن هذه المرة، لا يهتم الجانبان بما سيحدث لكل منهما.
لا يبدو أنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم يهتمون قليلاً بمأساة المرض في السجون، ودائماً ما يستشهدون بمحاولة انقلاب يوليو 2016 لتبرير أفكارهم وتصوراتهم.
هناك آلاف الأشخاص قابعين في السجن لمجرد انتشار بعض الافتراءات عنهم أو لإيداعهم أموال في بنك آسيا، على سبيل المثال، وهو بنك مرتبط بحركة غولن، التي تتهمها أنقرة بتدبير الانقلاب. وبصرف النظر عن ذلك، هناك صحافيون يقبعون في السجن أيضًا، متهمين بموجب قوانين محيرة مثل “التصرف نيابة عن منظمة دون أن تكون عضوًا فيها”. ثم بالطبع هناك السياسيون الأكراد، كبش فداء تركيا الدائمون. ومع ذلك، لم يتم تضمين أي من هؤلاء الأشخاص في مشروع قانون العفو الجزئي الذي ستصدره الدولة بشأن السجناء.
لا نستطيع هنا أن نقول أن الناس لا يشاهدون كل هذا ولا يغضبون من الحال الذي وصلت إليه الدولة. في الواقع، تتعمق الشقوق بين أولئك الذين يتبنون إيديولوجية حزب العدالة والتنمية ويدعمون الحزب، لكن ليس لديهم المؤهلات الصحيحة للوصول إلى مواقع معينة، الذين يقللون من المعارضة ويصدرون بيانات تنسب اللوم إلى الآخرين.
العامل الآخر الذي يزيد من الانقسام الاجتماعي هو أن هؤلاء الأشخاص أنفسهم هم من يقومون باستنزاف أموال خزانة الدولة لدعم أنماط حياتهم المرفهة والضغط أكثر على المعارضة. على سبيل المثال، في أكبر مدينة في تركيا بإسطنبول، والتي حكمها حزب العدالة والتنمية لأكثر من عقدين حتى العام الماضي، تم تحويل الملايين إلى المؤسسات المؤيدة للرئيس رجب طيب أردوغان.
ونتيجة للنهج التمييزي الذي استخدمه الرئيس التركي ورئيس حزب العدالة والتنمية، أردوغان، على مدى الـ 17 عامًا الماضية، تنتشر هذه الانقسامات تدريجيًا مثل السم في الدم.
يتم محو أثر الشعب التركي الخيّر والمضياف والمضطهد من المجتمع الواحد تلو الآخر ويحل محلهم الأشخاص الذين يستمتعون بالتسبب في المعاناة ويسعدهم رؤية الأشياء السيئة تحدث لأشخاص غيرهم.
ويذكرني هذا الموقف بشكل خاص بالشخصية في الكتاب الهزلي “ذا باتمان هو لافز”، الذي صدر لأول مرة في عام 2017.
وفي عالم بديل، يكسر باتمان قانونه الأخلاقي الأكثر شهرة ويقتل عدوّه اللدود جوكر. ومع ذلك، يختبئ في قلب الجوكر غاز يسمم أقرب شخص إليه في لحظة الموت، مما يجعل هذا الشخص يصبح مثله.
وكنتيجة لذلك، يأخذ باتمان الخصائص النفسية للجوكر. لذلك يصبح باتمان أكثر خطورة من كل الأشرار الآخرين، لأنه يحمل ذكريات وتجارب وتدريب شخصية باتمان، إلى جانب الميول النفسية للجوكر، ومن ثم يمكن لباتمان أن يقتل أي شخص، حتى أفضل أصدقائه.
يتم تحويل تركيا في هذه اللحظة بواسطة ذلك الغاز السام الذي ينفثه حزب العدالة والتنمية. وعلى الرغم من أنه يعتقد أن الانقسامات مثل هذه ستنتهي في مرحلة ما، فإن تركيا، مثل باتمان (التي لم تتعافى أبدًا من سم الجوكر)، للأسف لن تعود إلى ما كانت عليه.
قد نقبل أيضًا حقيقة أن ما نمر به الآن سوف يمتد عبر الأجيال القليلة القادمة. وستستمر هذه الانقسامات بعد رحيل أردوغان وستتعمق على الأرجح عندما يفقد حزب العدالة والتنمية السلطة، لأن الدولة بأكملها لا زالت تقع تحت تأثير هذا السم.
تكره المعارضة الأشخاص الذين لا يحبون أسلوب حياتهم مثلهم مثل أولئك الذين يحاولون فرض التغييرات ممن يكرهون المعارضة.
هذه الكراهية أكثر خطورة من فيروس كورونا، لأنه يمكن في يوم من الأيام العثور على لقاح للفيروس، أو قد يصاب الناس بالمناعة ضده، ولكن للأسف، لا يمكن العثور على علاج للكراهية بسهولة.
عن أحوال التركية