تركيا والأمن القومي العربي
هل باتت تركيا بزعامة رجب طيب أردوغان تشكل خطراً على الأمن القومي العربي، أم أن ما تفعله عبارة عن تحقيق مصالح أمنية ذاتية وداخلية، وأن تدخلاتها فقط عبارة عن ملاحقة لأعدائها وللأحزاب المناوئة لها كما تزعم؟ وهل تستخدم تركيا تدخلاتها في الشأن العربي شرقاً وغرباً كورقة للضغط على أوروبا التي تتسم علاقتها معها بغير الود؟ أم أن تركيا بتحالفها مع «الإخوان المسلمين» باتت تشكل رأس حربة لمناوشة الدول التي لديها خصومات من هذا التنظيم؟
هناك أكثر من هذه الأسئلة يطرحها المحللون السياسيون بشأن التخبّط في السياسة الخارجية التركية، إلا إذا كان هذا الذي نصفه تخبّطاً يصب في سياسة «الفوضى الخلاقة» التي تتزعمها أمريكا في الدول التي تشهد اضطرابات سياسية وعسكرية، لاسيّما أن الولايات المتحدة أعلنت عن دعمها لتركيا إذا ما أرادت محاربة التنظيمات الإرهابية.
وهذا التخبط أو الفوضى المدروسة في حالاته جميعاً ينعكس سلباً على علاقاتها مع أكثر من طرف عربي، إن كان مع جارتها القريبة سوريا أو البلد البعيد عنها ليبيا أو مع دول الخليج، ولا سيما الإمارات والسعودية والبحرين.
لم يعد التدخل العسكري التركي في سوريا لملاحقة مقاتلي «حزب العمال الكردستاني»، فهذه الأرتال من العربات العسكرية التي توغلت في شمال سوريا بتشكيلاتها؛ تهدف إلى احتلال جزء من الأراضي السورية؛ بل إن تصريحات السياسيين والعسكريين الأتراك باستهداف الجيش السوري مباشرة إذا ما واصل استهداف الجنود الأتراك، يمهد فتح معركة شاملة بين سوريا وتركيا، ولولا الوجود الروسي هناك لكانت الحرب الشاملة قد استعرت منذ سنوات.
من الواضح أن تركيا تقوم بدور تخريبي للسلام في سوريا، فهي لا تريد لهذا البلد الاستقرار واستعادة أراضيه، والدليل أن تدخلها العسكري جاء بعد سيطرة الجيش السوري على مساحات واسعة كانت تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية المسلحة؛ ومن بينها طريق إدلب دمشق، وتدخلها يمنح تلك التنظيمات فرصة لتجميع أفرادها، واستعادة أنفاسها ما سيطيل من عمر الأزمة.
وما يثير المزيد من الأسئلة دخول «إسرائيل» على الخط، وقيامها بقصف تجمعات ومخازن أسلحة وغيرها، كل ذلك لإحداث المزيد من الارتباك في الجيش السوري النظامي. ولا شك أن الوجود العسكري لتركيا يهدد الأمن الوطني السوري، وهو جزء من الأمن القومي العربي، ونضيف إلى ذلك وجودها العسكري في ليبيا، ووقوفها إلى جانب طرف ضد طرف آخر، ما سيعقد النزاع، ويعمّق الأزمة الليبية ويبعدها عن الحل.
إن الخطر الأكبر يتمثل في تحالف تركيا مع تنظيم «الإخوان المسلمين»؛ الراعي للتنظيمات المتطرفة في سوريا وغير سوريا، ونعيد هنا إلى الأذهان دعم تركيا لتنظيم «داعش»؛ أي أن دعمها لم يتوقف عند الجانب السياسي؛ بل تجاوزه إلى الدعم العسكري واللوجستي بأنواعه، وتستخدم تركيا هذه التنظيمات؛ لنشر الفوضى في الدول العربية، ومن بينها مصر أيضاً، في سبيل تحقيق هيمنة عسكرية أو اقتصادية أو عقائدية، تتيح لها الحصول على موطئ قدم في البلدان العربية، واستعادة المجد العثماني الغابر.
إن وجود تركيا وأذرعها في سوريا وليبيا ومصر يشكل خطراً حقيقياً على الأمن القومي العربي. وهذا الواقع غير الطبيعي؛ يتطلب وقفة عربية جادة تتجاوز البيانات والرسائل الدبلوماسية والاحتجاجات نحو توجيه رسالة إليها بالكف عن التدخل في شؤون الدول العربية؛ لأن تحقيق الرخاء ونجاح المشاريع العقارية يجب ألا يكون على حساب الدول العربية. وقد يكون من واجب جامعة الدول العربية القيام بدور مهم؛ لوقف الانتهاكات التركية، والتوقف عن تهديد الأمن القومي العربي.
عن “الخليج” الإماراتية