قطر والثورة السودانية.. كيف يقاوم السودان الجديد محاولات الدوحة زعزعة استقراره؟
احتفل السودانيون الشهر الماضي بالذكرى الأولى لانطلاقة الثورة التي أطاحت بحكم عمر البشير في السودان بعد ثلاثين عاماً من سيطرة الإخوان، بينما لا تزال ملفات وقضايا عديدة في سياق المرحلة الانتقالية عالقة بالمنطقة الرمادية، وتواجه معضلات عديدة، تتمثل في مستقبل “الربيع السوداني”، من جهة، والقوى السياسية المتباينة داخله، من جهة أخرى، خاصة الحركة الإسلامية التي فيما يبدو يسعى المتحجون إلى عزلها وتفكيك ارتباطاتها والقطيعة التامة مع تاريخها المرير؛ إذ تعود نشأتها إلى العام 1954، وتزعمها حسن الترابي.
ومنذ ذلك الحين لحقت بتاريخ الحركة الإسلامية التي باتت تعرف بـ “جبهة الميثاق الإسلامي”، فصول من القمع والتعسف، فضلاً عن الانقلابات العسكرية؛ حيث دبرت انقلاباً ضد الحكم الديمقراطي بالسودان، وصعد جعفر النميري للسلطة، وهو الأمر الذي تكرر في العام 1989، حين جرى انقلاب عسكري ضد حكم الصادق المهدي، بدعم من الإخوان المسلمين.
وفي ظل الواقع الإقليمي الراهن، المعقد والمرتبك وتجاذباته المتفاوتة، لا تعكس التناقضات في مواقف وسياسات بعض الدول مجرد التندّر، مثلما هو الحال مع قطر، والتي تحاول تمرير فكرة مؤداها أنّها تحتكر سردية “الربيع العربي”، وتعنى بقضاياه، كما تعمد منصاتها الإعلامية أن تصنع ذلك بخطابات عديدة، بل تصل إلى عملية “تصدير الثورة”، حيث لم يكن للسودان، مفتاح أفريقيا لدى الدوحة، وسبيلها إلى العديد من دول القارة عبر حليفها عمر البشير، نصيب من أي نوع تجاه الاحتجاجات الشعبية، كما لم تظفر بالرعاية الثورية التي توفر مظلتها لبعض رعاياها.
الدوحة ترعى الثورة المضادة
بيد أنّ الدوحة كانت ملاذ البشير الهارب من الانتفاضة، في أولى جولاته الخارجية إبان الاحتجاجات، بينما جهازه الأمني يعتقل أكثر من ألف شخص، وقد قتل نحو 37 شخصاً، بحسب منظمة العفو الدولية (أمنستي)، كما تحولت الدعاية الإعلامية القطرية لتصنيف الأحداث في مربع “المؤامرة” وتعتبر الثوار مجموعة “عملاء” أو “خونة”، فضلاً عن التحريض ضد المجلس العسكري الانتقالي، ومن ثم، عرض وساطة تستهدف منها توطيد أركان نظام حليفها تحت مسمى استقرار السودان.
وعلى إثر ذلك، فقد بدا واضحاً أنّ قطر فقدت أهم مصادر نفوذها في أفريقيا، بعد سقوط نظام الرئيس السوداني المعزول، عمر البشير، حسبما توضح صحيفة “لوموند” الفرنسية، بالرغم من المليارات التي ضختها حكومة الدوحة، بغية شراء ولاءات بالقارة السمراء، وذلك عبر مساعدات ومشروعات هزيلة وتمويل التطرف.
وفي التقرير ذاته، توضح الصحيفة الفرنسية أنّ قطر فقدت أهم موطئ قدم لها في القارة السمراء، ولم يبق لها سوى الصومال، والتي شهدت جولات خارجية مكثفة ونشاطاً مؤثراً، سياسياً واقتصادياً، من خلال زيارات أمير قطر المتعددة لعدد من تلك الدول؛ حيث أصبحت مصدراً للجذب في اللعبة السياسية الدولية، بيد أنّ دور الدوحة أصبح سيئاً في تلك اللعبة بعد نفور معظم الدول منها، والتي نأت بنفسها عنها بعد اتهامها بتمويل التطرف.
وبينما ظلت الدوحة على علاقات قوية لأعوام مع دول القرن الأفريقي، ومن بينها السودان؛ حيث كان الرئيس السوداني المعزول يجري زيارات دورية إلى قطر، آخرها في كانون الثاني (يناير) الماضي، إلا أنّ الأمر اختلف تماماً بعد سقوطه، وتولي المجلس العسكري المرحلة الانتقالية، فتغيرت الأوضاع ونأت الخرطوم بنفسها عن الدوحة.
السودان الجديد
وفي سياق متصل، تشير الباحثة المصرية بالمركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، رحمة حسن، أنّ الدور القطري الذي يحاول الدخول في المشهد سيكون “مجرد لاعب وليس مسيطراً على الوضع والتوجهات السياسية في السودان”، الأمر الذي أوضحه عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس العسكري الانتقالي، وقد أكد عدم نية السودان لسحب القوات العسكرية من اليمن، وربما يأتي هذا جراء حجم الاستثمارات والمساعدات السعودية الأكبر في السودان.
وتحاول حكومة عبدالله حمدوك الاعتماد على سياسة التوازن والمصالح المتبادلة بين الدول، بغض النظر عن توجهاتها؛ فاعتمدت السودان سياسة المواءمة من خلال التعاون مع النقيضين، بيد أنّها، بحسب قول حسن لـ “حفريات”، تتوخى الحيطة من النظام القطري “الذي يسعى بشكل خفي نحو هدم الاستقرار تحت غطاء الاستثمار، في محاولة لكسب موطئ قدم في السودان، بعد الإطاحة بالبشير، وذلك من خلال زيادة التعاون مع التحالف الخليجي، وهو ما تشير إليه السياسة الفعلية للحكومة السودانية، والتي تشهد عليها الزيارات الأولى للحكومة الانتقالية، وقد بدأت بالقاهرة والإمارات والرياض، في حين مازال يسعى أمير قطر لدعوة حمدوك والبرهان لزيارة الدوحة، الأمر الذي يعطي إشارة ودلالة واضحة نحو التعاون الحذر الذي يقوم به السودان الجديد مع قطر”.
احتفاء قطر بالإخوان
وإلى ذلك، يوضح الكاتب الصحافي والباحث السوداني، محمد جميل أحمد، أنّ الدور القطري من الثورة السودانية “ظل في وعي القطريين يؤطر النظام السوداني خارج سياق موجات ما سمي بـ”الربيع العربي”، جرياً على مقولة شهيرة للدكتور حسن الترابي، من أنّ الديمقراطية في المنطقة العربية تلد إسلاماً، وبما أنّ النظام في السودان نظاماً إسلامياً منتمياً إلى جماعة الإخوان المسلمين، فإنّ الأمر بدا طبيعياً بالنسبة للدوحة، بالرغم من أنّه نظام استبدادي، من نفس نمط الأنظمة التي قامت ضدها ثورات الربيع العربي”.
ويضيف أحمد لحفريات ما ليس طبيعياً بالنسبة للقطريين كان هو أن يثور الشعب السوداني على نظام “إسلامي”، ولوهلة أعادت قطر إنتاج دور وموقف النظام الإيراني حين تماهى مع ثورات ما عرف بـ”الربيع العربي”، في كل من القاهرة ودمشق وصنعاء، حتى انتفض الشعب السوري فصمتت عن ذلك وأخذت الموقف النقيض”.
وبسؤاله عن الخطاب الإعلامي القطري، وكذا، السياسي تجاه أحداث الثورة السودانية، والذي اختلف على نحو جذري عن مرجعيتها التي حاولت التأكيد على ثباتها تجاه انتفاضة الشعوب، منذ مطلع العام 2011، أجاب الكاتب الصحافي والباحث السوداني: “في البداية كانت الآلة الإعلامية القطرية، تطمس وقائع الثورة السودانية وتقلل من شأنها، لكن بازدياد وتيرة الثورة واتساع مجالها العام أسقط في يدقناة الجزيرة القطرية أمام هذا المتغير الجديد في السودان، وهو متغير لم تستطع قطر هضمه لأنه سياق مختلف أصلاً، ولعل ذلك كان من حظ الثورة السودانية التي نشأت يتيمة من أي دعم قطري”.
ويتابع أحمد “بنجاح الثورة السودانية بدأنا نلحظ لهجة أخرى في قناة الجزيرة، باستضافتها لسودانيين محسوبين على نظام البشير، إلى جانب أخبار عن تحركات دبلوماسية قطرية مريبة وأنباء متضاربة عن زيارة لبعض المسؤولين السياسيين، وشهدنا منظراً عروبياً كبيراً أصبح مشغولاً أكثر في برنامجها السياسي الأسبوعي بثورة الجزائريين، فيما الثورة السودانية كانت تقتلع نظام البشير باعتصامها الجسور، واليوم تستضيف قطر، محمد عبدالحي، وهو شيخ من شيوخ الإسلام السياسي ومقرب من البشير، وتعدّه ليكون معارضاً عبر قناة الجزيرة”.
نقلا عن حفريات