انكشاف الرد العسكري الإيراني
منذ أربعين سنة والنظام الإيراني يقول إنه سيحرر فلسطين لكنه لم يحررها، ومنذ أربعين سنة يقول إنه سيركّع الولايات المتحدة ولم يترك مناسبة إلا وأعلن فيها عن تحديه لها، لكن عندما جاءته الفرصة اليوم ليترجم قوله إلى فعل قال إنه “يتكتك”، وإن التكتيك يفرض عليه عدم التسرع في الرد، لكن الرد آتٍ لا محالة!
على مدى أربعين سنة تاجر النظام الإيراني بالقضية الفلسطينية، خلالها عمل كل شيء إلا تحرير فلسطين، والغالب أنه سيتاجر فيما حدث لسليماني وسيقول الكثير ويفعل كل شيء إلا الانتقام له.
حالياً يقول النظام الإيراني إنه لا يريد استعجال الرد ولا يريد أن يكون الرد من منطلق عاطفي، وبعد قليل سيقول إن الظروف لا تزال غير مواتية للرد الشافي، وبعدها سيتذرع بحجة أن أموراً جدت وأدت إلى تغير الموقف وأن عدم الرد هو في صالح إيران، أو ربما يقول إنه في صالح القضية الفلسطينية!
القصة وما فيها هي أن النظام الإيراني لا يستطيع الرد على مقتل سليماني، لأنه يعلم جيدا أن ترامب لن يتأخر في الرد على كل رد إيراني، وأنه لا يوجد في قاموس هذا الرئيس “يمه ارحميني”، وأنه سيضرب بقوة وقد يقرر إسقاط النظام في إيران، فكما تخلص من سليماني والتهديد الذي كان يمثله، يمكنه أن يتخلص من النظام الإيراني نفسه و”يفك العالم منه”.
النظام الإيراني الآن أمام أمرين أحلاهما مر، إن رد أغضب ترامب، وإن لم يرد أغضب جمهوره الذي وثق فيه واعتقد أنه “كفو”. موقف لا يحسد عليه وليس له من مخرج منه سوى التسويف في الرد والعمل على تبريد المسألة والتذرع في كل يوم بعذر جديد.
أما الرد الذي اقترحه حسن نصر الله في خطابه العاطفي الأحد الماضي، فلا يمكن أن يحصل، فالرئيس الأمريكي قال بوضوح وبحسم إنه سيرد بقوة ومن دون تردد على كل أذى يتعرض له الجنود الأمريكان أو المصالح الأمريكية في أي مكان، والأكيد أنه مطمئن بأن شيئا من الذي دعا إليه وهدد به أمين عام “حزب إيران في لبنان” لن يتحقق، والأكيد أنه اعتبر أن المراد من خطاب نصر الله هو إشغال الجمهور المتعاطف مع النظام الإيراني وإقناعه بأن المهمة ليست صعبة فقط ولكنها مستحيلة، إذ كيف يمكن ضرب وإغراق السفن أو القواعد الأمريكية في المنطقة؟ وكيف يمكن فعل ذلك وتوقع عدم الرد عليه من الرئيس ترامب الذي وفر الدليل تلو الدليل على أنه قادر على اتخاذ القرار ولا يتردد في ذلك؟
لعل الشيء الوحيد الذي يمكن للنظام الإيراني فعله واعتباره ردا عسكريا هو تنفيذ ضربة محدودة لا توقع أذى كبيرا ولا تستفز الرئيس ترامب وتحفظ ماء وجه الملالي، عدا هذا يدخل في باب المستحيل، إلا إن كان النظام الإيراني قد قرر الانتحار، فالرد العسكري – حسب المعطيات الحالية – سيرد عليه الأمريكان بقوة ولن يقبلوا بعدها بفكرة استمرار النظام الإيراني في حكم إيران، وسيعتبرون ذلك فرصة لا تعوض فيتخلصون منه ويخلصون المنطقة برمتها من شره.
تنفيذ ما دعا إليه نصر الله في خطابه الممتلئ بالصراخ – بإيعاز من ملالي إيران طبعا – مستحيل، والغالب إنه قال ذلك ليوفر التبرير للنظام الإيراني الذي يطالبه جمهوره بالرد السريع والقوي، حيث سيقرر هؤلاء بأنفسهم بأن ضرب القواعد الأمريكية وإغراق السفن أمر غير ممكن فينكفئوا.
واقع الحال يؤكد أن النظام الإيراني لا يستطيع أكثر من تنفيذ المسيرات والتشييع، وهو يفعل ذلك بغرض امتصاص غضبة الجماهير كي لا تتحول من الولايات المتحدة إليه.
نقلاً عن “الوطن” البحرينية