سياسة

لبنان.. سقوط حكومة الحريري على خلفية المظاهرات الشعبية


إن حكومة سعد الحريري الثالثة لم تصمد أكثر من 8 أشهر لتسقط بعد ذلك بسبب الاحتجاجات الشعبية اللبنانية التي قد انطلقت في 17 أكتوبر للمطالبة بالإصلاحات وعيش حياة كريمة.

وكان قد قدم الحريري استقالته في 30 أكتوبر الماضي إثر الاحتجاجات الشعبية، وذلك بعد أن كانت الحكومة اللبنانية قد أنجزت ما سمتها ورقة إصلاحية بهدف تهدئة غضب الشارع والتي لم تلق تجاوبا من قبل المتظاهرين.

ومن جانبهم، فقد اعتبر المتظاهرون اللبنانيون بأن ما جاء في الورقة الإصلاحية يظل وعودا غير قابلة للتنفيذ على غرار الوعود التي لطالما كانوا يتلقونها من قبل السلطة نفسها.

مدة 8 أشهر كانت كافية لتحقيق الكثير من طرف المسؤولين اللبنانيين باعتراف الفرقاء المشاركين في الحكومة أنفسهم، غير أن السباق على المحاصصة والحسابات الشخصية والسياسية قد أدت بحكومة الحريري إلى هذا المصير، وأدخلت لبنان في أزمة تكاد تكون الأولى من نوعها سياسيا وبشكل خاص اقتصاديا واجتماعيا.

وقد تشكلت الحكومة اللبنانية بقيادة الحريري من 30 وزيرا بعد 8 أشهر من المخاض العسير نتيجة الخلافات السياسية على تقاسم الحصص وتوزيع الوزارات بين الفرقاء كان آخرها اشتراط حزب الله تمثيل حلفائه من النواب السنة المعارضين للحريري بوزير في الحكومة وهو ما كان يرفضه الأخير إلى أن تم التوصل إلى حل بتمثيلهم من حصة رئيس الجمهورية اللبنانية.

وقد جاء تشكيل حكومة الحريري على خلفية الانتخابات النيابية التي تم إنجازها في شهر مايو، وذلك بعد عامين على التسوية السياسية، والتي قد أدت إلى انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية، مدعوما من حزب الله وحلفائه الذين أدخلوا البلاد في فراغ رئاسي استمر حوالي سنتين ونصف السنة لتمسكهم بوصول عون إلى الرئاسة.

وقد قال الحريري في كلمته بعد تلاوة مرسوم تشكيل الحكومة: لم يكن هناك ما يستدعي كل هذا التأخير، لأنه فعلا هناك ملفات وقضايا أهم من توزيع الحقائب الوزارية، كانت مرحلة سياسية صعبة خصوصا بعد الانتخابات، لكننا نريد أن نطوي الصفحة ونقوم بالعمل المطلوب، التعاون بين أعضاء الفريق الوزاري شرط واجب لنكون على مستوى التحدي ولتنجح الحكومة بتجاوز هذه المرحلة.

وقد كان من المفترض على أن هذا التعويل الأساسي على حكومة الحريري سيفتح الطريق أمام لبنان للحصول على مساعدات وقروض بمليارات الدولارات، وعد بها المجتمع الدولي لدعم اقتصاده المتهالك وأبرزها تلك التي كانت في مؤتمر سيدر والذي قد تم عقده في باريس أبريل 2018.

غير أن المجتمع الدولي قد كان يربط تقديم هذه الأموال بأن ينفذ لبنان إصلاحات اقتصادية وبنيوية وتحسين معدل النمو وتخفيض العجز، وهو ما لم يتحقق. إذ لم يتم تسجيل أي إصلاح، وخاصة في القضايا المعروفة على غرار الكهرباء والمعابر غير الشرعية والتهرب الجمركي وغيرها، مما أدى إلى الانهيار الاقتصادي تباعا وخروج الشعب اللبناني إلى الشارع، مطالبا بإسقاط السلطة، لتعود بعدها اليوم وتدخل مجموعة الدول الداعمة للبنان على الخط مكرّرة التوصيات نفسها في مؤتمر باريس الذي عقد في 11 ديسمبر 2019.

وقد كان الحريري واضحا في هذا الإطار عند تشكيل الحكومة إذ قال بأن التمويل لا يمكن أن يتم من دون إصلاحات جدية، وقد أشار إلى تلازم بين المجتمع الدولي والأخوة العرب بالتمويل، والتزام الدولة بالإصلاحات والتنفيذ الشفاف للأعمال.

وإذا ما تم إلقاء نظرة سريعة على عمل الحكومة اللبنانية في الأشهر الثمانية، فيمكن بذلك اختصار ما قامت به ببضعة قرارات هي من البديهيات في أي بلد يعاني مما يعانيه لبنان، وهي قرارات كانت قد تأخرت سنوات، من دون أن تجد طريقها إلى التطبيق حتى بعد إقرارها، على غرار خطة الكهرباء.

وقد اقتصرت هذه القرارات على بعض التعيينات في الإدارات الرسمية وكانت خطة للكهرباء قد أعدت عام 2010، وإقرار موازنة بتأخر أشهر عن موعدها لتأتي خالية من أي رؤية اقتصادية وحلول للوضع الاقتصادي المتردي، وترافقت كذلك جلسات مناقشاتها مع تحركات شعبية رافضة لإجراءات كانت تتجه السلطة لفرضها، الأمر الذي أدى إلى تراجعها عنها.

وفي نفس السياق، فقد أعلن فرقاء سياسيون، وعلى رأسهم وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، بأنه يمنح لنفسه ولوزراء تكتل لبنان القوي والذي يرأسه مهلة 100 يوم لتحقيق إنجازات في الوزارات اللبنانية التي تولوها وإلا سيقدمون استقالاتهم، وبعد ذلك مددوا المهلة 10 أيام إضافية، غير أن قرارهم هذا لم ينفذ لتأتي بعد ذلك استقالة الحكومة بأكملها على وقع ضغط الشارع.

وقد تبادل الفرقاء السياسيون الاتهامات بالمسؤولية بخصوص فشل الحكومة اللبنانية، إذ أقر وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال ريشار قيومجيان المحسوب على حزب القوات اللبنانية  بأن الحكومة لم تسجل أي إنجاز بالرغم من كل الفرص التي كانت متوفرة.

وفي تصريحات للعين الإخبارية، فقد قال قيومجيان لا يمكن الحديث بتاتا عن إنجازات في وقت لم تستطع الحكومة طيلة 8 أشهر أن تنفذ الحد الأدنى من الإصلاحات المطلوبة وكان همّ الفرقاء المحسوبيات والمحاصصة.

وتابع القول: في الوقت الذي كانت فيه الدعوات الدولية تتوالى على لبنان محذرة من نتائج عدم السير بالإصلاحات، كانت الصفقات بالتراضي والملفات المشبوهة تسير على قدم وساق، أبرزها ملف توظيف 5 آلاف موظف بطريقة غير قانونية وبالتالي زيادة العجز على الدولة.

ويذكر قيومجيان الذي استقال مع وزراء حزب القوات اللبنانية بعد أيام على اندلاع الانتفاضة الشعبية، عددا من الملفات كان بإمكان الحكومة إنجاز إصلاحاتها، أبرزها ملفات: الكهرباء والاتصالات والتهرب الجمركي إلى جانب المعابر غير الشرعية التي تكلف لبنان خسارة بنحو 600 مليون دولار سنويا.

ويعتقد قيومجيان بأن الحكومة لم تعط أي إشارات إيجابية لا للداخل اللبناني ولا للخارج؛ إذ كان المجتمع الدولي يترقب ما ستقوم به، ولاسيما فيما يتعلق بتوصيات مؤتمر سيدر والتي ربطت المساعدات بالإصلاحات.

وأضاف بأن هذا الأمر أدى إلى اتخاذ (حزب القوات) قرار الاستقالة في شهر سبتمبر، وتابع أيضا: كل المؤشرات كانت تؤكد أننا واصلون إلى الانهيار المالي لكن أحدا لم يحرك ساكنا.

وبالرغم من مرور نحو شهرين على التحركات الشعبية، فيعتقد قيومجيان بأن المسؤولين يعيشون حالة إنكار ولا يزالون يتسابقون على الوزارات في الحكومة ويتجاهلون مطالب الشارع.

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى