تحرك عماني دبلوماسي يحرّر آلاف المختطفين في اليمن
تُوجت الجولة العاشرة من المشاورات بين الحكومة اليمنية الشرعية وجماعة الحوثية، والتي احتضنتها العاصمة العمانية مسقط، باتفاق لتبادل الأسرى والمختطفين وصف بأنه “واسع النطاق”، حيث ينتظر أن يشمل 2900 محتجز من مختلف الأطراف، فيما وصفت السعودية هذا التطور بأنه خطوة تعزز بناء الثقة في إشارة إلى امكانية كسر جمود مفاوضات السلام.
ويهدف هذا التحرك برعاية عمانية وأممية إلى إحياء “خارطة الطريق” التي ترعاها الأمم المتحدة، فيما يعتبر التوصل لاتفاق في الملف الإنساني الاختبار الأول قبل الانتقال لملفات أكثر تعقيداً مثل البنك المركزي، الموانئ ووقف إطلاق النار الشامل.
وتُعد الجهود السعودية والعمانية الركيزة الأساسية للعملية السياسية في اليمن حالياً، حيث تعمل الدولتان بتناغم لتجسير الهوة بين الأطراف المتصارعة. وبينما تلعب عمان دور “الوسيط المحايد” المقبول من الجميع، تقود الرياض المبادرات الدبلوماسية الكبرى لإرساء السلام.
وتُعد سلطنة عُمان الطرف الأكثر ثباتا في معادلة الوساطة اليمنية، حيث استطاعت مسقط على مدار عقد من الزمن تقريب وجهات النظر بين جميع الأطراف في عدة ملفات يتصدرها ملف الأسرى. ولم تكن استضافة الجولة العاشرة مجرد إجراء لوجستي، بل هي استمرار لاستراتيجية عُمانية تقوم على مفهوم “الحياد الإيجابي”.
وينظر إلى مسقط على أنها النافذة الدبلوماسية الوحيدة المفتوحة لجماعة الحوثي على العالم، حيث يقيم الوفد التفاوضي للحوثيين في العاصمة العمانية، مما يسهل التواصل السريع والمباشر.
وحافظت عُمان على علاقات رسمية مع الحكومة الشرعية اليمنية، ونسقت بشكل وثيق مع المملكة العربية السعودية، خاصة في دفع “خارطة الطريق” التي أُعلن عنها في أواخر عام 2023.
وتمتد الحدود العمانية اليمنية على طول 288 كيلومتراً (محافظة المهرة)، مما يجعل استقرار اليمن أولوية أمنية قصوى للسلطنة لتجنب تدفق السلاح أو الجماعات المتطرفة.
وتؤمن مسقط بأن “لا رابح في الحرب اليمنية”، وأن الحل يجب أن يكون يمنياً بامتياز دون إملاءات خارجية. هذا الموقف جعلها “الملاذ الأخير” الذي يلجأ إليه الجميع عندما تصل المفاوضات في العواصم الأخرى إلى طريق مسدود.
وقال عضو الفريق الحكومي في المفاوضات ماجد فضائل، في تدوينة عبر منصة شركة “إكس” “تم التوصل إلى اتفاق للإفراج عن آلاف المحتجزين والمختطفين”، موضحا أن هذه الخطوة تأتي في إطار الجولة العاشرة من مشاورات ملف المحتجزين والمختطفين.
في هذه اللحظات الفارقة، تم بحمدالله ورعايتة التوصل في الجولة العاشرة من مشاورات ملف المحتجزين والمختطفين إلى اتفاق شبه كُلّي للإفراج عن آلاف المحتجزين والمختطفين من كافة الأطراف ومن جميع الجبهات. pic.twitter.com/cPcSA79Sw1
— ماجد فضائل (@mfadail) December 23, 2025
وأضاف فضائل أن “من سيتم إطلاق سراحهم ينتمون إلى كافة الأطراف ومن جميع الجبهات”. بدورها، قالت اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى التابعة للحوثيين “وقّعنا اليوم اتفاقا مع الطرف الآخر (الحكومة) على تنفيذ صفقة تبادل واسعة” للسجناء لدى الجانبين.
وذكرت عبر بيان نشرته على “إكس”، أن الصفقة تشمل 1700 من أسرى الحوثيين، مقابل 1200 من أسرى الطرف الآخر، بينهم 7 سعوديين و23 سودانيا، معربة عن شكرها وتقديرها للمسؤولين في سلطنة عمان “على جهودهم الكبيرة في احتضان ورعاية وإنجاح هذه الجولة”.
وفي 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أفاد مصدر حكومي يمني، مفضلا عدم الكشف عن اسمه، بانطلاق مشاورات مع جماعة الحوثي في مسقط، بشأن تبادل الأسرى، وفق وكالة “الأناضول”.
وفي الـ14 من الشهر ذاته، تحدث نصرالدين عامر نائب رئيس الهيئة الإعلامية للحوثيين، في تصريح نقله موقع “26 سبتمبر” الناطق باسم وزارة دفاع الجماعة، عن “أجواء إيجابية” تسود مفاوضات مسقط بشأن تبادل الأسرى مع الحكومة اليمنية.
ومنذ أبريل/نيسان 2022، يشهد اليمن تهدئة من حرب بدأت قبل نحو 11 عاما بين قوات الحكومة الشرعية وقوات جماعة الحوثي المسيطرة على محافظات ومدن بينها صنعاء، منذ سبتمبر/أيلول 2014.
وفي الشهر نفسه من عام 2023، نفذت الحكومة والحوثيون آخر صفقة تبادل، تم بموجبها إطلاق نحو 900 أسير ومحتجز من الجانبين بينهم سعوديون وسودانيون ضمن قوات التحالف العربي، بوساطة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر والأمم المتحدة، بعد مفاوضات في سويسرا.
وفي 25 يناير/كانون الثاني 2025، أفرجت الجماعة، المدعومة من إيران، بشكل أحادي عن 153 شخصا تمّ أسرهم خلال الحرب.
ورحبت السعودية باتفاق تبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن، الذي تم التوقيع عليه في مسقط الثلاثاء، واعتبرته خطوة لـ”تعزيز فرص بناء الثقة” بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي.
ووصفت الرياض، في بيان لوزارة خارجتيها، الاتفاق بأنه “خطوة إنسانية مهمة تُسهم في تخفيف المعاناة وتعزيز فرص بناء الثقة”، مضيفة أنها “تثمن جهود سلطنة عمان في استضافة ورعاية المباحثات ودعم الجهود التفاوضية في الفترة من 9 إلى 23 ديسمبر/كانون الأول الجاري”.
ولا يُعرف بدقة عدد الأسرى والمعتقلين لدى الجانبين حاليا، لكن خلال مشاورات في ستوكهولم عام 2018، قدّم وفدا الحكومة وجماعة الحوثي قوائم بأكثر من 15 ألف أسير ومحتجز، وتقدر مصادر حقوقية عددهم بنحو 20 ألفا.
وفي حين لم تفلح جهود إقليمية ودولية في إحلال السلام باليمن جراء حرب بين القوات الحكومية وجماعة الحوثي، يشهد جنوب البلد العربي منذ أيام مستجدات أمنية عززت مخاوف من تقسيم البلاد.







