مفاوضات التنسيقي في العراق: توزيع الحقائب قبل الاتفاق السياسي
يبدو أن الإطار التنسيقي، الذي يجمع القوى السياسية الشيعية المشاركة في العملية السياسية، يتقدم في مفاوضاته من النقطة الأكثر تعقيدًا، لا من البداية الدستورية المفترضة، فبدل أن ينصبّ الجهد على حسم استحقاقي انتخاب رئيس البرلمان وتسمية رئيس الحكومة، بوصفهما المدخل الطبيعي لتفكيك الأزمة السياسية، يتجه الإطار إلى رسم شكل الحكومة المقبلة وتوزيع حصصها الوزارية، وكأن نتائج الانتخابات باتت مجرد تفصيل في معادلة تقاسم النفوذ.
وتشير المعطيات المتداولة داخل أروقة الإطار إلى توافق أولي على حصول مكوناته على ما بين 12 إلى 14 وزارة في الحكومة المقبلة، مع توزيع هذه الحقائب وفق ما يُعرف بـ”الاستحقاق الانتخابي”. ويجري هذا النقاش المتقدم حول الوزارات في وقت لم تُحسم فيه بعد هوية رئيس الوزراء المقبل، ولم تُنتخب هيئة رئاسة البرلمان، ما يعكس خللًا في ترتيب الأولويات، ويؤشر إلى أن منطق المحاصصة لا يزال هو المحرك الأساسي للعملية السياسية.
ولا يقتصر التنافس داخل الإطار التنسيقي على السلطة التنفيذية، بل يمتد بقوة إلى السلطة التشريعية، وتحديدًا إلى منصب النائب الأول لرئيس مجلس النواب والذي يفترض أن يكون جزءًا من التوازن السياسي داخل البرلمان، تحوّل إلى ورقة تفاوضية أساسية في معادلة التعويض داخل الإطار، خصوصًا في حال تعذّر حصول بعض القوى على رئاسة الحكومة.
وتبرز هنا أطراف مثل منظمة بدر وكتلة صادقون، إلى جانب ائتلاف دولة القانون، بوصفها لاعبين رئيسيين في هذا الصراع الثلاثي، فدولة القانون، بقيادة نوري المالكي، تلوّح صراحة بالمطالبة بمنصب النائب الأول لرئيس البرلمان في حال عدم ذهاب رئاسة الحكومة إليها، في محاولة للحفاظ على موقع متقدم داخل هرم السلطة، بما يضمن استمرار النفوذ السياسي حتى في حال خسارة المنصب التنفيذي الأهم.
ويعكس هذا المشهد بوضوح أن الإطار التنسيقي يتعامل مع الاستحقاقات الدستورية بمنطق “السلة الواحدة”، حيث تُربط رئاسة الحكومة برئاسة البرلمان وبالوزارات السيادية والخدمية، في عملية مقايضة سياسية شاملة، تؤجَّل فيها الخطوات الدستورية لصالح التفاهمات المسبقة على تقاسم السلطة.
في المقابل، يبرز ملف رئاسة الوزراء بوصفه العقدة الأكثر حساسية داخل الإطار التنسيقي، فعلى الرغم من كثرة الأسماء المتداولة إعلاميًا، تشير الوقائع السياسية إلى أن التنافس الحقيقي ينحصر بين اسمين فقط: محمد شياع السوداني عن ائتلاف الإعمار والتنمية، ونوري المالكي عن ائتلاف دولة القانون. أما بقية الأسماء، فلا تعدو كونها أوراق ضغط أو أدوات مناورة تُستخدم لكسب الوقت أو تحسين شروط التفاوض.
ويعزز هذا الطرح ما يردده قادة ائتلاف الإعمار والتنمية من أن فرص السوداني بولاية ثانية لا تزال كبيرة، في ظل دعم قوى سياسية متعددة ترى فيه خيارًا أقل صدامية وأكثر قدرة على إدارة التوازنات الداخلية والخارجية في مرحلة توصف بالحساسة اقتصاديًا وسياسيًا.
وفي المقابل، لا يخفي المالكي رغبته في العودة إلى رئاسة الحكومة، مستندًا إلى ثقله داخل الإطار وخبرته السياسية الطويلة، وإن كان يدرك أن هذا الطموح يواجه تحفظات داخلية وإقليمية.
ووسط هذه الحسابات، دعا الإطار التنسيقي إلى الإسراع بعقد جلسة البرلمان وانتخاب هيئة رئاسته، في محاولة لإظهار الالتزام بالمسار الدستوري، إلا أن هذه الدعوة تبدو حتى الآن أقرب إلى خطوة شكلية منها إلى قرار حاسم، طالما أن الخلافات الجوهرية حول توزيع السلطة لم تُحل بعد.
ويأتي ذلك في ظل بدء العدّ التنازلي للمهل الدستورية، بعد مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على النتائج النهائية للانتخابات، وتحديد رئيس الجمهورية موعد الجلسة الأولى للبرلمان. غير أن التجارب السابقة تُظهر أن الالتزام الشكلي بالتوقيتات لا يعني بالضرورة احترام جوهرها، خصوصًا حين تُدار العملية السياسية من خلف الكواليس بمنطق الصفقات لا البرامج.
ويبدو أن الإطار التنسيقي يكرر نمطًا مألوفًا في إدارة الأزمات: تأجيل الحلول الدستورية الأساسية، والانشغال بتفاصيل الحصص والمواقع قبل تثبيت العناوين الكبرى. وبينما يُفترض أن يكون انتخاب رئيس البرلمان وتسمية رئيس الحكومة مدخلًا لتفكيك الأزمة، يتحولان إلى نتيجة مؤجلة لمفاوضات معقدة، ما يفتح الباب أمام مزيد من التعطيل، ويضع البلاد مجددًا أمام اختبار الوقت والقدرة على إنتاج سلطة مستقرة.







