سياسة

مالي تكسر شوكة القاعدة.. حصار طويل بلا نتائج للتنظيم


لماذا يكتفي القاعدة بمحاصرة بعض القرى والمدن الضغيرة في مالي ولا يتقدم على الأرض كما فعلت تنظيمات إرهابية قبل أكثر من عقد؟

سؤال يفرض نفسه في ظل التطورات بمالي، هناك حيث يفرض فصيل تابع للتنظيم يسمى «جماعة نصرة الإسلام» حصارا على بعض المناطق، دون أي تقدم ميداني يذكر.

وفي قراءاتهم للموضوع، يعتبر خبراء متخصصون في شؤون الساحل الأفريقي أن تصعيد الفصيل لحملته الإعلامية وإعلانه تشديد الحصار على الوقود في مالي يعكس انتقالا واضحا من استراتيجية السيطرة العسكرية إلى محاولة خنق البلاد اقتصاديا وكسب تعاطف السكان.

وهذا الانتقال يؤشر لتراجع قدرة التنظيم على تحقيق اختراقات ميدانية وازنة مقارنة بما حققته التنظيمات المتطرفة خلال عامي 2012 و2013 عندما سيطرت على مدن رئيسية في شمالي مالي.

ويرى هؤلاء الخبراء أن التنظيم بات يعتمد على الضغط النفسي والمعيشي لاستنزاف الدولة ماليا وإضعافها سياسيا، في ظل إدراكه لمحدودية قدراته القتالية المباشرة أمام الجيش المالي.

وفي هذا البلد الأفريقي، بثت «جماعة نصرة الإسلام» المرتبطة بتنظيم القاعدة، مقاطع فيديو جديدة تناولت خصوصا الحظر المفروض منذ بداية سبتمبر/ أيلول الماضي على واردات الوقود، بحسب إذاعة “أر.إف.إي” الفرنسية.

ومع الحرص على عدم الترويج للدعاية الإرهابية، تطرقت الإذاعة الفرنسية إلى هذه التصريحات التي ينتقد فيها التنظيم السلطات، ويحاول كسب ثقة الماليين، ويعلن عن تشديد إضافي للحصار.

الميزان العسكري

يرى مارك-أنطوان بيرو، الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، أن «ما تقوم به جماعة نصرة الإسلام يعكس تحولا تكتيكيا مرتبطا بتراجع قدرتها على تحقيق مكاسب ميدانية حاسمة». 

ويقول الباحث الفرنسي المتخصص في شؤون الجماعات المسلحة والصراعات بأفريقيا والساحل، إن «التنظيم يحاول بناء صورة قوة منضبطة قادرة على فرض النظام مقابل سلطة رسمية تتهمه بالعجز، بهدف خلق حالة تعاطف نفسي مع سكان المناطق المتضررة».

وأشار بيرو إلى أن مقارنة الوضع الحالي بعامي 2012 و2013 تظهر بوضوح الفارق الكبير في الميزان العسكري، إذ كانت الجماعات الإرهابية آنذاك تسيطر على مدن كبرى مثل تمبكتو وغاوو وكيدال (شمال)، بينما تكتفي اليوم بحصار اقتصادي وحروب استنزاف وعمليات متفرقة.

من جهته، قال علي تونكارا من مالي، وهو خبير في قضايا الأمن بمنطقة الساحل بـ«كلية الساحل للأمن في باماكو»، إن «التنظيم يسعى عمليا إلى خنق الدولة ماليا عبر استهداف الوقود، وهو شريان الاقتصاد الأول».

لكنه الخبير، يحذر من أن «هذا الأسلوب قد ينقلب عليه، لأن المدنيين سيدركون أنه مصدر مباشر لمعاناتهم اليومية».

ويضيف تونكارا أن خطاب الجماعة الذي يروج لفكرة «الدفاع عن السكان» يتناقض مع واقع العقاب الجماعي، ما قد يفقدها ما تبقى من حاضنة اجتماعية، خاصة في ظل تنامي الحس الوطني بعد تصاعد الهجمات على المدنيين والعاملين في قطاع النقل.

وأشار إلى أن «استراتيجية التنظيم الحالية تقوم على خلق فوضى اقتصادية لتقويض شرعية الدولة وليس على تحقيق نصر ميداني واضح، وهو ما يؤكد ضعفه العملياتي مقارنة بالماضي، رغم محاولاته المكثفة لتقديم نفسه كلاعب حاسم في المعادلة الأمنية والسياسية».

وحاول المتحدث باسم الجماعة، نابي ديارا الملقب أبو حذيفة البامباري، بداية التشكيك في مصداقية السلطات، متهما إياها بالنفاق.

وزعم أن العسكريين في السلطة يشجعون القرى على إبرام اتفاقات محلية مع الجماعة في المناطق الخارجة عن سيطرة الجيش، ثم يهاجمون هذه القرى بدعوى تعاونها مع الإرهابيين.

خوف وإكراه وحصار

برر نابي ديارا الحظر المفروض على واردات الوقود والرقابة المشددة على الطرق المؤدية إلى باماكو، والتي باتت تؤثر على العاصمة أيضا.

وادعى أن نتائج الحصار «إيجابية» متمثلة «في تراجع الخروج الليلي وزيادة عدد النساء المحجبات»، لكنه أقر ضمنيا أن ذلك تم بالإكراه والخوف وليس عن قناعة شعبية.

وهدد التنظيم الماليين المتعاونين مع الجيش أو الذين يقاومونه مباشرة بالانتقام، خصوصا الصيادين التقليديين “دوزو”، مستشهدا بهجوم وقع أخيرا في منطقة لولوني.

كما أشار إلى إعدام المدونة الشابة مريم سيسي علنا بسبب دعمها العلني للجيش المالي.

وأعلن التنظيم أن الحصار سيتوسع ليشمل جميع الشركات الناقلة للوقود، التي تم ذكر بعضها بالاسم، وأكد أن سائقي الشاحنات سيعاملون كمقاتلين، ولن يكون هناك أسرى بعد اليوم، وقد قتل بالفعل عدد من الناقلين واعتقل آخرون منذ بداية سبتمبر/ أيلول الماضي.

وفي مواجهة ذلك، أعلنت السلطات عن إجراءات دعم لعائلات القتلى ومساعدة الجرحى من سائقي الشاحنات.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى