رؤية الملك محمد السادس تعزز موقع المغرب في قيادة الأمن الإقليمي
تكرّس المملكة المغربية حضورها المتصاعد كقوة فاعلة في هندسة الأمن الإقليمي والدولي، من خلال سياسة متبصّرة يقودها العاهل المغربي الملك محمد السادس، تجمع بين المقاربة الأمنية الصارمة والدبلوماسية الواقعية القائمة على الشراكة والتعاون جنوب–جنوب.
وبرز هذا التوجه مجدداً خلال المنتدى الثاني للدفاع والأمن – المغرب، الذي انطلقت فعالياته، أمس الثلاثاء، في العاصمة الرباط بمشاركة خبراء ومسؤولين من المغرب والخارج. ويهدف المنتدى، المنعقد على مدى يومين (11 و12 نوفمبر/تشرين الثاني)، إلى دراسة التحولات الجيوسياسية التي تشهدها القارة الإفريقية والفضاء الأطلسي، واستكشاف سبل تعزيز المرونة الأمنية والسيادة الإقليمية في مواجهة التهديدات المستجدة.
ويرى المنظمون أن هذا الحدث، الذي أطلقته مؤسسة الحكامة الشاملة والسيادة، يمثل منصة فريدة لتبادل الرؤى بين صناع القرار والخبراء. فهو يتيح مناقشة معمقة لقضايا الدفاع، الأمن الطاقي، والتهديدات غير التقليدية مثل الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير النظامية.
وأوضح علي موطيب، رئيس المؤسسة المنظمة، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أن المنتدى “يروم إلى خلق فضاء للتفكير الجماعي حول سبل تطوير التعاون الأمني في إفريقيا الأطلسية”، مشيراً إلى أن النقاشات تسعى إلى بلورة توصيات عملية تدعم الأمن الإقليمي، وتُسهم في بناء نموذج إفريقي قائم على التكامل والسيادة المشتركة.
وقد أجمع الخبراء المشاركون على أن المغرب رسّخ مكانته كـ”شريك موثوق ومحوري” في قضايا الأمن والدفاع، بفضل مقاربة براغماتية توازن بين حماية المصالح الوطنية والانخراط الإيجابي في الأمن الجماعي.
وتقوم هذه المقاربة على عناصر متعددة: تطوير القدرات الأمنية الذاتية، توسيع التعاون الاستخباراتي، والمشاركة في المبادرات الدولية لمكافحة الإرهاب والتطرف.
ومن جانبه أكد نزار الدردابي، الخبير المغربي في الاستراتيجيات الدولية، أن ما يميز التجربة المغربية هو “القدرة على المواءمة بين البعد الأمني والبعد التنموي”، موضحاً أن “المملكة تنظر إلى الأمن باعتباره ركيزة للتنمية وليس مجرد أداة للمواجهة”. وأضاف أن هذا الفهم المتوازن جعل المغرب فاعلاً مؤثراً في صياغة السياسات الإقليمية للأمن في غرب إفريقيا والساحل.
ويعتمد المغرب منذ مطلع الألفية الثالثة على نهج شامل لمواجهة الإرهاب، يجمع بين الاستباق الأمني، الإصلاح الديني، والتنمية المحلية.
القدرة على المواءمة بين البعد الأمني والبعد التنموي
فمنذ عام 2002، تمكنت الأجهزة الأمنية المغربية من تفكيك أكثر من 200 خلية إرهابية، ما جعل المملكة نموذجاً يُحتذى به في إدارة المخاطر الأمنية.
ولا يقتصر الدور المغربي على المستوى الوطني، بل يتجاوز ذلك إلى التعاون الإقليمي والدولي. إذ تشير تقارير استخباراتية إلى أن المغرب ساهم في إحباط هجمات إرهابية كبرى في دول أوروبية مثل إسبانيا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، من خلال تبادل معلومات دقيقة وفورية وُصفت من قبل شركائه بأنها “لا تقدر بثمن”.
كما تربط الرباط علاقات وثيقة مع دول غرب إفريقيا ومنطقة الساحل، تُركز على مكافحة التهديدات العابرة للحدود، بما في وذلك الإرهاب وتهريب السلاح والبشر، وهو ما يعزز موقعها كركيزة للاستقرار في محيط إقليمي متوتر.
انعقاد المنتدى تحت شعار “الهندسة الأمنية الجديدة لإفريقيا الأطلسية” يعكس إدراك المغرب لأهمية البعد الجغرافي والاستراتيجي للمنطقة الأطلسية، التي باتت مسرحاً لتنافس قوى دولية وإقليمية.
ويتوزع برنامج المنتدى على ثلاثة محاور رئيسية وهي أولا صناعة الدفاع السياد و التي تسعى إلى تحقيق اكتفاء استراتيجي للمغرب وإفريقيا في المعدات الدفاعية وثانيا الأمن الإقليمي و الذي يتناول سبل مواجهة التهديدات غير المتماثلة وتعزيز التعاون بين الدول الأطلسية وثالثا الأمن الطاقي وهو المرتبط بالسيادة والترابط والاستقرار الإقليمي العابر للحدود.
كما يتضمن المنتدى جلسات استشرافية وورش “ماستر كلاس” تتناول قضايا الابتكار في الصناعات الدفاعية، والربط الطاقي بين الدول الإفريقية، وتطوير آليات التعاون الأمني المشترك.
ويعتبر المشاركون أن الرؤية التي يقودها العاله المغربي الملك محمد السادس جعلت المغرب يتبنى مفهوم الأمن الشامل، الذي يدمج بين الأمن العسكري، والاقتصادي، والطاقي، والإنساني. فالمملكة لا تكتفي بتأمين حدودها ومصالحها الاستراتيجية، بل تسعى إلى إرساء منظومة تعاون قارية تجعل من إفريقيا فضاءً للاستقرار والنمو المشترك.
وأشار عدد من المتحدثين إلى أن المبادرات المغربية في مجالات التكوين الأمني، ومكافحة التطرف، والاستثمار في التنمية المحلية، تمثل نموذجاً قابلاً للتعميم في مناطق أخرى من القارة.
من خلال هذا المسار، بات المغرب مرجعاً دولياً في قضايا الأمن والاستقرار، وشريكاً أساسياً في التحالفات الدولية لمكافحة الإرهاب. وتؤكد الأوساط الدبلوماسية أن الرباط اكتسبت سمعة دولية بوصفها طرفاً موثوقاً ومتوازناً قادرًا على التوسط بين الأطراف المتنازعة، والمساهمة في بناء الثقة الإقليمية.
ويرى مراقبون أن استمرار المغرب في هذا النهج، القائم على الاستباق والبراغماتية والانفتاح، يعزز مكانته كفاعل أساسي في هندسة الأمن العالمي الجديد، ويجعل منه أحد أبرز النماذج الإفريقية في التوفيق بين الاستقرار الداخلي والانخراط الدولي المسؤول.







