سياسة

بين التوتر والدبلوماسية.. سيناريوهات صلح محتملة للمغرب والجزائر


هل يمكن للمغرب والجزائر أن يطويا صفحة التوتر التي امتدت لثلاثة عقود، ويستعيدا منطق الدولة بدل منطق الصراع؟

السؤال لم يعد نظرياً، خاصة بعدما عاد الحديث مؤخّراً عن محاولات دولية، وأميركية خصوصاً، لفتح باب حوار مباشر قد يُعيد رسم خريطة شمال إفريقيا.

لكن قبل كل شيء، تبقى الحقيقة الجوهرية ثابتة: المغرب قدّم ما يكفي من الإشارات السياسية، فيما تبقى العقدة داخل الجزائر نفسها.

اليد الممدودة… رؤية ملكية استراتيجية لا تتغيّر

المغرب لم يطرح المصالحة كموقف ظرفي، بل كاختيار استراتيجي عبّر عنه الملك محمد السادس في أكثر من خطاب، ففي عيد العرش سنة 2022، قال الملك محمد السادس “نحرص على إقامة علاقات طبيعية مع أشقائنا في الجزائر… والشعبان المغربي والجزائري شقيقان تجمعهما روابط تاريخية وإنسانية.” وفي خطاب آخر أكّد “لن ندّخر أي جهد لإزالة العوائق بين الشعبين الشقيقين”.

هذا الخطاب الهادئ والثابت يعكس قناعة راسخة مفادها أن المغرب يعتبر استقرار الجزائر من استقراره، ويرى أن المستقبل المشترك أهم من خلافات الماضي.

واشنطن تدخل على الخط

منذ الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، بدأت واشنطن ترسل إشارات هادئة تدعو لاستئناف الحوار المغاربي، إدراكاً منها لأهمية استقرار المنطقة في حسابات الأمن الدولي.

لكن التطور النوعي جاء مؤخراً عندما فجّر ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص لدى الرئيس ترامب، مفاجأة سياسية خلال ظهوره في برنامج “60 دقيقة” على شبكة “سي بي اس”، ففي تصريح مقتضب لكنه بالغ الدلالة، كشف ويتكوف عن وجود تحرّك أميركي لتوقيع “اتفاق سلام” بين المغرب والجزائر، مؤكداً أن “الاتفاق الذي نعمل عليه قد يتم وفق رؤيتنا خلال الأيام المقبلة، وربما في حدود 60 يوماً.”

وهذا الإعلان شكّل صدمة إيجابية لدى المتابعين، لأنه أول تأكيد علني على أن واشنطن ترى في المصالحة المغربية–الجزائرية فرصة تاريخية لإنهاء عقود من القطيعة. وقد وصف خبراء دوليون هذا المسعى بأنه لحظة نادرة قد تُعيد ترتيب المنطقة إذا ما تم استثمارها جيداً.

لكن، وبرغم هذا الدفع الأميركي، تدرك واشنطن – تماماً كما المغرب – أن المشكل لا يكمن في غياب الوساطة، بل في غياب قرار داخل النظام الجزائري، الذي يظل هشاً وبطيئاً بحكم تعدد الفاعلين داخله.

“لا نحتاج وساطة… لأننا نعرف بعضنا جيدا”

وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة لخّص الوضع بدقة عندما قال “المغرب والجزائر لا يحتاجان إلى وساطة. يعرفان بعضهما جيداً. وإذا توفرت إرادة، فالحوار ممكن مباشرة بين البلدين.”

وهذه العبارة تُترجم جوهر الموقف المغربي: الرباط ليست معزولة ولا عاجزة، لكنها ترفض أن يكون مستقبل المنطقة رهينة تدخلات أو صفقات خارجية، فالصلح الحقيقي يجب أن يتم من الداخل، لا بضغط خارجي، وإن كانت الولايات المتحدة قادرة على خلق مناخ مشجع لا أكثر.

لماذا تتوجّس بعض دوائر القرار الجزائري من المصالحة؟

المغرب لم يطرح المصالحة كموقف ظرفي، بل كاختيار استراتيجي عبّر عنه الملك محمد السادس في أكثر من خطاب.

بعض مراكز النفوذ داخل النظام الجزائري ترى في تطبيع العلاقات مع المغرب تهديداً لبنية النفوذ التقليدي الذي تأسس على “سردية العداء”.

فالصلح قد يعني:

تراجع دور الخطاب العدائي في الشرعية الداخلية

انفتاحاً اقتصادياً يفرض إصلاحات عميقة؛

انهيار روايات سياسية استُعملت لعقود وتحوّلا في ميزان القوى لصالح التنمية بدل التوتر.

لهذا، تعرقل دوائر معينة أي خطوة نحو التطبيع، رغم أنه في مصلحة الشعبين.

وبينما يتقدم العالم نحو التكتلات، تبقى المنطقة المغاربية أسيرة خلاف قديم.

وخسائر عدم الاندماج ضخمة، من بينها: تعطيل أكبر مشروع وحدوي في شمال إفريقيا وخسارة فرص تنموية بمليارات الدولارات سنويا وعزل المنطقة عن الشراكات الدولية الكبرى وخلق فراغ استراتيجي على الحدود وفي الساحل.

وأسوأ ما في الأمر أن الأجيال الجديدة تدفع ثمن صراع لم تصنعه، ولم تُستشر فيه، ولا يعكس آفاقها.

كيف ستتغيّر المنطقة لو حدث الصلح؟

الصلح ليس مجرد رفع للتوتر، بل مشروع حضاري كامل يقوم على: فتح الحدود وتنشيط التبادل التجاري البري، تعاون أمني يعزز استقرار الساحل، اندماج اقتصادي يخلق سوقا بـ 100 مليون نسمة، مشاريع طاقة ونقل تربط المتوسط بالأطلسي وإعادة إطلاق اتحاد المغرب العربي كشريك استراتيجي للاتحاد الأوروبي وإفريقيا.

إنه مشهد جديد يجعل من شمال إفريقيا قوة مؤثرة بدل أن تبقى هامشاً جيوسياسياً.

 المغرب جاهز… والعقدة في الجزائر

المغرب قدّم كل ما يلزم: خطاب ملكي واضح، رؤية استشرافية، دعوات للحوار، واستعداد لتجاوز الماضي دون شروط.

لكن اليد الممدودة لا تستطيع أن تُصافح حين تبقى اليد الأخرى مترددة. وأي اتفاق سلام، سواء بدعم أميركي أو بتوافق إقليمي، لن ينجح ما لم يُحسم القرار داخل الجزائر.

والمنطقة اليوم أمام مفترق طرق: إما اقتناص فرصة تاريخية لبناء مستقبل مشترك، أو الاستمرار في إهدار الزمن المغاربي وتبديد طاقات الشعوب.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى