تصويت مجلس الأمن… لحظة الاعتراف الدولي بالمقترح المغربي للحكم الذاتي في الصحراء المغربية
في خطوة تعكس تحوّلًا نوعيًا في مسار قضية الصحراء المغربية، صوّت مجلس الأمن الدولي لصالح المقترح المغربي للحكم الذاتي، مانحًا بذلك شرعية دولية غير مسبوقة لرؤية الرباط التي وُصفت منذ سنوات بأنها الأكثر واقعية واستدامة لحل هذا النزاع الإقليمي الممتد منذ عقود. هذا القرار لا يمثل مجرد انتصار دبلوماسي في قاعة الأمم المتحدة، بل هو ثمرة مسار طويل من العمل السياسي الهادئ والدبلوماسية المتزنة التي انتهجها المغرب بقيادة الملك محمد السادس، ليعيد رسم موازين القوة والمشروعية في ملف ظلّ رهينة التجاذبات الإيديولوجية والحسابات الجيوسياسية.
لقد نجح المغرب، عبر سنوات من الصبر الاستراتيجي والواقعية السياسية، في إقناع المجتمع الدولي بأن مقترحه للحكم الذاتي ليس مجرد طرح تفاوضي، بل رؤية متكاملة توازن بين مبدأ السيادة الوطنية ومتطلبات الحكم المحلي الديمقراطي. هذا التحوّل لم يأتِ فجأة، بل بُني على ثقة متزايدة بين الرباط وشركائها الدوليين، خاصة القوى الكبرى التي باتت ترى في المغرب فاعلًا إقليميًا مستقرًا ومسؤولًا، قادرًا على ضمان الأمن والتنمية في منطقة تعجّ بالتوترات. فبينما تتعثر مسارات الحل في نزاعات مشابهة داخل القارة الإفريقية، يظهر النموذج المغربي كاستثناء ناجح يربط بين الواقعية السياسية والمشروعية القانونية.
القرار الأممي الأخير يكرّس التحول العميق في المقاربة الدولية للنزاع، إذ باتت الأمم المتحدة، ومن ورائها العواصم الكبرى، تعتبر مبادرة الحكم الذاتي هي الإطار الوحيد الجدي والواقعي للتسوية. هذا التوصيف، الذي تكرر في بيانات مجلس الأمن منذ سنوات، بلغ اليوم مرحلة الاعتراف العملي بعد أن ترجمه التصويت إلى دعم فعلي. ومع هذا الاعتراف، تتراجع الطروحات الانفصالية التي ظلت لعقود تحاول فرض سردية تجاوزها الزمن، في وقت تعزز فيه الدبلوماسية المغربية مكاسبها بخطوات محسوبة تقوم على تطوير البنية المؤسساتية في الأقاليم الجنوبية، وتوسيع تمثيل سكانها في الهيئات المنتخبة، واستقطاب استثمارات ضخمة تجعل من الصحراء رافعة اقتصادية حقيقية.
لا يمكن فصل هذا الانتصار الدبلوماسي عن التحولات الإقليمية الأوسع. فالمغرب، في العقد الأخير، أعاد تموقعه ضمن خارطة القوى الصاعدة في إفريقيا، مؤسسًا لشراكات اقتصادية وأمنية عميقة تمتد من غرب القارة إلى عمقها، وصولًا إلى الأطلسي. وقد أصبح الحضور المغربي في المنظمات الإفريقية والدولية أكثر تأثيرًا، ما مكّنه من بناء رأسمال دبلوماسي قوي استثمره بذكاء في ملف الصحراء. فالقرار الأممي اليوم هو في جوهره شهادة على الثقة الدولية في قدرة المغرب على تحويل الإجماع السياسي إلى واقع تنموي ينعكس إيجابًا على الاستقرار الإقليمي.
من جهة أخرى، لا يمكن إغفال الدور الحاسم للقيادة الملكية في صياغة هذا المسار. فالعقيدة الدبلوماسية التي أرساها الملك محمد السادس، القائمة على “الوضوح في الموقف والانفتاح في الحوار”، جعلت من السياسة الخارجية المغربية نموذجًا في التوازن بين الحزم والسياسة الهادئة. لقد أثبتت التجربة أن الصبر الاستراتيجي، وليس التصعيد، هو الذي يحقق المكاسب الكبرى في عالم السياسة الدولية. فبينما اختارت بعض الأطراف الإقليمية المراهنة على الخطاب العدائي، ظل المغرب متمسكًا بالشرعية الدولية وبقنوات الحوار المفتوحة مع جميع الأطراف، ما عزز مصداقيته أمام المجتمع الدولي وأكسبه احترامًا واسعًا حتى من خصومه.
إن القرار الأممي ليس فقط تأكيدًا على عدالة الموقف المغربي، بل أيضًا إقرار بفشل الرهانات الأخرى التي اعتمدت على خطاب التقسيم والانفصال. فالمجتمع الدولي بات مقتنعًا بأن الحل الواقعي هو وحده القابل للحياة، وأن أي خيار آخر يحمل في طياته بذور الفوضى والانقسام. ومع ذلك، يدرك المغرب أن هذا التصويت ليس نهاية المسار بل بدايته الحقيقية نحو تنزيل فعلي لمشروع الحكم الذاتي على أرض الواقع. فالتحدي الآن هو تحويل الاعتراف الدولي إلى نتائج ملموسة في التنمية والحكم المحلي والمشاركة السياسية، وهو ما تعمل عليه المملكة بالفعل عبر مشاريع تنموية كبرى في العيون والداخلة والسمارة.
كما أن لهذا القرار تداعيات استراتيجية على مستوى التوازنات الإقليمية. فالمغرب اليوم لا يظهر فقط كمنتصر دبلوماسي، بل كفاعل مركزي في استقرار شمال إفريقيا ومنطقة الساحل. ومواقف الدول الكبرى، خاصة الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا، التي أبدت دعمًا صريحًا للمقترح المغربي، تؤكد أن الرباط باتت شريكًا لا غنى عنه في صياغة مستقبل المنطقة. وهذا ما يفسر أيضًا تزايد التنسيق الأمني والاقتصادي بين المغرب وهذه القوى، في مواجهة تحديات مثل الإرهاب والهجرة غير النظامية والاضطرابات الحدودية.
الحدث أيضًا يحمل رمزية داخلية قوية، إذ يعزز الشعور الوطني بالانتصار ويجدد الالتفاف الشعبي حول القيادة الملكية باعتبارها الضامن لوحدة التراب الوطني. فالمغاربة، بمختلف مشاربهم، يرون في هذا التصويت ثمرة لمسار وطني طويل من الإصلاحات السياسية والتنموية التي جعلت من المملكة نموذجًا للاستقرار في عالم مضطرب. ومن هنا تأتي أهمية الرسالة الملكية الثابتة: أن الدفاع عن الصحراء المغربية ليس فقط قضية سياسية أو ترابية، بل مشروع وطني متكامل يربط السيادة بالتنمية، والهوية بالتحديث.
قد يحاول بعض خصوم المغرب التقليل من أهمية هذا التصويت، غير أن قراءة دقيقة للمعطيات تكشف أن المجتمع الدولي حسم خياره لصالح الواقعية المغربية. فالموقف الأممي الجديد يضع الأطراف الأخرى أمام مسؤولية سياسية وأخلاقية، ويغلق الباب أمام المزايدات التي عطلت طويلاً جهود التسوية. والمغرب، بفضل دبلوماسيته الهادئة ورؤيته البعيدة، نجح في تحويل معركة الاعتراف إلى معركة بناء، ومعركة المشروعية إلى معركة تنمية، وهو ما يجعل قراره اليوم ليس انتصارًا عابرًا، بل تحولًا استراتيجيًا في مسار نزاع عمره نصف قرن.
إن تصويت مجلس الأمن لصالح المقترح المغربي هو تتويج لمسار من الثبات والإقناع، ومن الدبلوماسية الذكية التي عرفت كيف تستثمر التحولات الدولية لخدمة مصالح المغرب العليا. ومن المؤكد أن هذا الانتصار لن يكون الأخير، لأن المملكة تسير وفق رؤية ملكية واضحة تجعل من الوحدة الترابية قاعدة للنهضة الوطنية ومن الشراكة الدولية وسيلة لترسيخ مكانتها كقوة إقليمية صاعدة. وهكذا، يصبح قرار مجلس الأمن أكثر من مجرد ورقة سياسية؛ إنه إعلان عن مرحلة جديدة عنوانها المغرب كفاعل مؤثر، والصحراء المغربية كجزء لا يتجزأ من حركته نحو المستقبل.







