ملف الهجرة غير الشرعية يورط ميليشيات محسوبة على حكومة الدبيبة

أعادت منظمة إنقاذ إيطالية تسليط الضوء على الانتهاكات الخطيرة التي يتعرض لها المهاجرون في مياه البحر المتوسط، بعدما نشرت، في 16 سبتمبر 2025، تقريرًا مصورًا يتضمن أدلة دامغة على تورط ميليشيات مسلحة تابعة لحكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية ولايتها في عمليات تهريب بشر، وارتكاب انتهاكات وصفتها بـ”الوحشية”، استهدفت مهاجرين بينهم أطفال. وفي سياق متصل، كشف تحقيق بريطاني أن أسامة نجيم، الرئيس السابق لجهاز الشرطة القضائية الليبي والمطلوب بتهم تتعلق بجرائم ضد مهاجرين، يمتلك ثروة تُقدّر بـ12 مليون جنيه إسترليني داخل المملكة المتحدة.
وقالت المنظمة إن لقطات حصرية التقطها طاقمها، توثق لحظة قيام عناصر مسلحين من جهات أمنية ليبية رسمية، برمي عشرة لاجئين في البحر بطريقة عنيفة، أمام أعين طاقم سفينة إنسانية كانت في مهمة إنقاذ.
وأوضحت أن الحادثة وقعت في 18 أغسطس/اب 2025، حين اقترب زورق تابع لما يُعرف بالكتيبة 80 للعمليات الخاصة، من سفينة الإنقاذ في عرض البحر، وقام بمضايقة طاقمها، ثم عمد إلى رمي مجموعة من المهاجرين في مياه عالية الأمواج، تجاوز ارتفاعها مترًا ونصف، ما شكّل خطرًا بالغًا على حياتهم. وقد تدخّل الطاقم فورًا لإنقاذهم.
وأشارت إلى أن الحادث لم يكن معزولًا، بل يأتي ضمن سلسلة طويلة من الانتهاكات، حيث أظهرت تسجيلات أخرى تعرض مهاجرين من أكراد العراق للضرب والركل قبل أن يُجبروا على القفز في المياه.
ونُقل عن بعض الناجين، أنهم كانوا محتجزين قبل ساعات فقط داخل مركز اعتقال ليبي، تحت إشراف نفس الكتيبة. فيما أكدوا مقتل أربعة آخرين رفضوا الانصياع لأوامر المسلحين.
وأُحيلت التسجيلات المصورة وكامل الوثائق المصاحبة إلى النيابة العامة الإيطالية في مدينة تراباني، وإلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، حيث أُدرجت ضمن ملف مفتوح يحقق في جرائم ضد المهاجرين تُرتكب داخل الأراضي الليبية أو في المياه الإقليمية التابعة لها.
ووفق التحقيقات، تنتمي العناصر المتورطة إلى كتيبة العمليات الخاصة رقم 80، التابعة للواء 111 الذي يقوده عبد السلام الزوبي، نائب وزير الدفاع الليبي في حكومة الوحدة المنتهية ولايتها.

كما وردت أسماء وحدات أمنية أخرى، منها الإدارة العامة للأمن الساحلي، التي سبق اتهامها بتنفيذ عمليات اعتراض عنيفة غالبًا ما تُسفر عن كوارث إنسانية.
وفي الداخل الإيطالي، أثار التقرير موجة انتقادات حادة للسياسة الحكومية تجاه ملف الهجرة، خصوصًا من قبل المعارضة. واعتبر زعيم حزب الخضر، أنجيلي بونيلي، أن الاتفاقيات الثنائية الموقعة بين حكومة جورجيا ميلوني وطرابلس، تُعد بمثابة “شراكة مع مهربي البشر”.
أما الحزب الديمقراطي، فقد دعا علنًا إلى وقف أي تعاون أمني مع السلطات الليبية، مؤكدًا أن الميليشيات هناك تنشط في تنظيم شبكات تهريب ولا تحترم أدنى معايير حقوق الإنسان.
وتصاعدت الأصوات داخل البرلمان الأوروبي ضد التجديد التلقائي لمذكرة التفاهم الإيطالية – الليبية، المزمع تمديدها في يناير/كانون الثاني 2026، واصفة استمرارها بـ”الغطاء القانوني لعلاقات غير مشروعة”.
وتُعد ليبيا واحدة من أبرز نقاط العبور للمهاجرين غير النظاميين القادمين من إفريقيا والشرق الأوسط باتجاه السواحل الأوروبية، وخصوصًا الإيطالية. ووفق أحدث بيانات المنظمة الدولية للهجرة، فإن أكثر من 867 ألف مهاجر من 44 جنسية مختلفة يقيمون حاليًا داخل ليبيا، ويُخاطر الآلاف منهم سنويًا برحلة محفوفة بالمخاطر عبر المتوسط.
وتم تسجيل أكثر من 700 حالة وفاة في منطقة وسط المتوسط خلال عام 2025 فقط، فيما تجاوز إجمالي عدد الضحايا منذ 2014 حاجز 30 ألف مهاجر، ما يجعل هذا الطريق واحدًا من أخطر طرق الهجرة في العالم.
وفي سياق متصل، كشف تحقيق بريطاني مستقل، أُجري بتكليف من المحكمة الجنائية الدولية، عن امتلاك أسامة نجيم، الرئيس السابق لجهاز الشرطة القضائية الليبي، ثروة ضخمة في بريطانيا تُقدّر بنحو 12 مليون جنيه إسترليني، ما أثار شكوكًا حول مصادر تمويلها.
وبحسب ما أورده التقرير، أصدرت الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة في المملكة المتحدة مذكرة مساعدة قانونية، قادت إلى تجميد ممتلكات وأصول نجيم على الأراضي البريطانية، تشمل عقارات واستثمارات مالية.
ويُشتبه بتورط نجيم في تسهيل عمليات تهريب البشر والانتهاكات ضد المهاجرين، بالتعاون مع ميليشيات محلية، ضمن شبكة أوسع تحقق فيها المحكمة الدولية ضمن ملف الجرائم العابرة للحدود.
وقد اقيل قبل أيام بعد تزايد الضغوط على الدبيبة الذي يحاول فك ارتباطه بشخصيات مطلوبة دوليا في جرائم وانتهاكات.
التطورات الأخيرة تعكس – بحسب مراقبين – تحولًا في مواقف الدول الأوروبية تجاه الفاعلين الليبيين المتهمين بالضلوع في جرائم إنسانية. حيث تزداد الدعوات لتجميد الأموال المشبوهة ومحاسبة المسؤولين، مع تأكيد على أن التهاون في هذا الملف من شأنه أن يُطيل أمد الفوضى في منطقة تعتبرها أوروبا بوابة أمنها الجنوبي.
وبينما تتواصل التحقيقات، تتجه الأنظار إلى مدى استعداد المجتمع الدولي لفرض المحاسبة، خصوصًا في ظل تشابك المصالح بين الدول الأوروبية والسلطات الليبية التي لا تزال تفتقر إلى مؤسسات مركزية موحدة.