ما هي خيارات حزب الله بعد قرار نزع السلاح؟ قراءة في السيناريوهات المحتملة

خطوة غير مسبوقة يقطعها لبنان باتجاه نزع سلاح حزب الله، لكن هل تجد خطته، إن وُضعت، طريقها للتنفيذ؟ وما هي خيارات الحزب وأي تداعيات لها؟
وأمس الثلاثاء، أعلن رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام “تكليف الجيش اللبناني بوضع خطة تطبيقية لحصر السلاح قبل نهاية العام الحالي بيد الجهات المحددة في إعلان الترتيبات الخاصة بوقف الأعمال العدائية وحدها”، على أن يتم “عرض الخطة على مجلس الوزراء قبل 31 من الشهر الجاري لنقاشها وإقرارها”.
وفي أول رد منذ صدور القرار، أعلن حزب الله، اليوم الأربعاء، أنه سيتعامل مع قرار تجريده من سلاحه “كأنه غير موجود”، متهما الحكومة اللبنانية بارتكاب “خطيئة كبرى”.
ما أهمية القرار الحكومي؟
للمرة الأولى منذ اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية (1975-1990) ونزع سلاح المليشيات التي شاركت فيها، تصدر الحكومة اللبنانية قرارا بنزع سلاح حزب الله، الفصيل الوحيد الذي احتفظ بسلاحه حينها بحجة “مقاومة” إسرائيل.
وينزع القرار الشرعية السياسية عن سلاح حزب الله التي كرّستها الحكومات السابقة في بياناتها الوزارية من خلال ما عُرف بثلاثية “جيش وشعب ومقاومة”، وعندما كان حزب الله القوة السياسية والعسكرية الأكثر نفوذا في البلاد ويحظى بدعم خارجي.
لكنّ الوضع تغيّر عند تشكيل السلطة الحالية على وقع تغير موازين القوى. فقد خرج الحزب ضعيفا من حربه الأخيرة مع إسرائيل العام الماضي، فيما تلقت طهران ضربة موجعة إثر حرب مع إسرائيل استمرّت 12 يوما في يونيو/حزيران الماضي، وقبلها سقوط حكم بشار الأسد في سوريا خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وكانت محاولات سابقة لطرح مصير سلاح حزب الله أو بناه التحتية واللوجستية المستقلة عن الدولة، تسبّبت بأزمات سياسية وفوضى أمنية، لعلّ أبرزها ما حصل في العام 2008 حين قررت الحكومة وقف شبكة اتصالات الحزب السلكية.
فاجتاح حزب الله بيروت في السابع من مايو/أيار من العام المذكور وحصلت مواجهات بين عناصره وأنصار خصومه السياسيين أودت بحياة أكثر من 65 شخصا.
وبقي سلاح الحزب مادة انقسام سياسي بين فريق يطالب بسيادة الدولة على جميع أراضيها وإمساكها بقرار الحرب والسلم، وفريق آخر يقوده حزب الله يتمسك بالسلاح.
لكن لطالما تعرّض الحزب لاتهامات باستخدام سلاحه للتحكّم بالداخل.
ما هي خيارات حزب الله؟
رد الفعل الأول من حزب الله على قرار الحكومة جاء عنيفا.
فقد رفض الحزب نزع السلاح الأربعاء، وقال إنه سيتعامل معه “وكأنه غير موجود”، واصفا إياه بـ”الخطيئة الكبرى”.
وبالتالي، وإن كانت الخيارات محدودة أمام الحزب، إلا أنها تبدو جميعها مكلفة.
ويمكن للحزب بعد رفض القرار، أن يصعّد عبر استقالة الوزراء الأربعة المحسوبين عليه وعلى حلفائه من الحكومة، وتعطيل عمل البرلمان حيث له كتلة وازنة مع حلفائه، أو إثارة الفوضى عبر تحريك مناصريه في الشارع والظهور المسلح من أجل إشاعة جو من الترهيب.
لكن أي صدام في الداخل ستكون له تداعيات كبرى على السلم الأهلي ودور حزب الله.
ويقول الباحث في الشأن اللبناني لدى مجموعة الأزمات الدولية ديفيد وود: “أعتقد أن حزب الله يريد أن يقلّل قدر الإمكان من احتمال دخوله في مواجهة مع الجيش، لأنه يعلم أن البلد كله سيكون ضده، باستثناء مؤيديه، وسيشكّل ذلك كارثة حقيقية على صورته”.
ويمكن لحزب الله أن يصعّد مجددا ضد إسرائيل. لكن خوضه “أي حرب سيكون مدمرا، لأنه لا يملك خطوط إمداد بعد أن خسر الكثير مع انهيار نظام الأسد وتأثرت قدراته الاستخباراتية واللوجستية”، وفق ما يشرح المحلل العسكري رياض قهوجي.
وخرج الحزب منهكا من حربه مع إسرائيل التي قتلت عددا كبيرا من قادته في مقدمتهم أمينه العام السابق حسن نصر الله ودمّرت جزءا كبيرا من ترسانته العسكرية.
وبات حصول الحزب على السلاح والمال من إيران عملية معقدة للغاية مع تشديد السلطات اللبنانية والسورية الجديدة تدابيرها على المعابر الحدودية، وإخضاع مؤسسات تمويله في لبنان والخارج لرقابة مشددة وعقوبات متزايدة
وقد يكون السيناريو الأكثر تفاؤلا أن يوافق حزب الله على نزع سلاحه في النهاية وينصرف إلى العمل السياسي على غرار ما فعلت المليشيات التي شاركت في الحرب الأهلية.
لكن مصدرا لبنانيا مواكبا للمحادثات قال لوكالة فرانس برس في وقت سابق إن الحزب “لن يفعل ذلك من دون مقابل”، علما أن قرار التخلّي عن السلاح يرتبط كذلك بإرادة خارجية.
ويرجّح الباحث في مركز “أتلانتيك كاونسل” نيكولاس بلانفورد أن “يحاول حزب الله كسب الوقت” في المرحلة المقبلة، إذ “يستحيل أن يوافق على نزع سلاحه بالكامل”.
أي ارتدادات على لبنان؟
يتعرّض لبنان لضغوط كبرى تشترط حصر السلاح بيد القوى الشرعية بين أمور أخرى للحصول على دعم دولي وعربي لتحقيق الاستقرار والازدهار في البلد الصغير.
وقال الرئيس اللبناني جوزيف عون الخميس الماضي: “علينا اليوم أن نختار، إما الانهيار، وإما الاستقرار”.
وفي حال إصرار حزب الله على رفض أي جدول زمني لتسليم سلاحه، فقد تجد السلطات اللبنانية نفسها في “مأزق”، وفق بلانفورد، بسبب التردّد في استخدام القوة في مواجهة الحزب في بلد شديد الانقسام طائفيا وسياسيا.
ويشرح بلانفورد: “سيكون من الصعب جدا على الحكومة اللبنانية إجباره على التخلي عنه. وإذا لم تستطع تحقيق ذلك سياسيا، فهل سترسل الجيش اللبناني لمواجهة حزب الله؟ هذا لن يحدث. لذلك، لا بد من التوصل إلى نوع من التسوية أو الاتفاق، وهو أمر لن يكون سهلا”.
وفي الأثناء، قد يدفع ذلك إسرائيل للتحرّك مجددا عسكريا.
وسبق لتل أبيب أن أوصلت رسائل واضحة للبنان عبر الإعلام والقنوات الدبلوماسية بأنها لن تتردّد في شنّ عمليات عسكرية مدمّرة إذا لم ينفّذ بند نزع سلاح حزب الله الذي ينص عليه اتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين.