نصار ينتقد ازدواجية السلاح: لا استقرار دون سلطة أمنية واحدة

صعّد وزير العدل اللبناني عادل نصار من لهجته تجاه حزب الله، مشددا على أنه لن يسمح له بأن يجر لبنان إلى الانتحار، في وقت يرفض الفصيل الشيعي التخلي عن سلاحه معتبرا أن الدعوات المطالبة بذلك “تخدم” إسرائيل.
وقال نصار في تغريدة على منصة إكس “اذا إختار حزب الله الإنتحار برفض تسليم سلاحه، فلن يسمح له بأن يجر لبنان والشعب اللبناني معه”.
ويعكس هذا التصريح حالة من الاستياء المتزايد داخل الأوساط السياسية اللبنانية من استمرار حالة الفوضى الأمنية وتأثيرها على سيادة الدولة ومستقبلها.
وتكشف هذه التطورات عن تحول كبير في المشهد السياسي اللبناني، حيث لم يعد المسؤولون اللبنانيون قادرين على تجاهل قضية السلاح، في ظل ضغوط أميركية متصاعدة تهدف إلى وضع حد نهائي لترسانة الحزب.
وتُظهر المقاربة الأميركية الحالية انتقالاً في لهجة واشنطن من مرحلة إدارة الوضع اللبناني إلى مرحلة فرض خيارات حاسمة. وتربط الولايات المتحدة بين نزع سلاح حزب الله واستعادة الدولة اللبنانية لعافيتها، محذرة اللبنانيين من أن الوقت بدأ ينفد.
وهذا الضغط لا يقتصر على المطالبة بنزع السلاح فحسب، بل يربط تنفيذه بالدعم المالي الذي يحتاجه لبنان لإعادة الإعمار، وتأهيل الجيش والمؤسسات الأمنية التي تعيش وضعا صعبا.
ويأتي تصريح نصار قبل يومين من جلسة وزارية مرتقبة الثلاثاء، برئاسة رئيس الحكومة نواف سلام، لمناقشة بندين أساسيين: تنفيذ البيان الوزاري في شقه المتعلق ببسط سيادة الدولة على جميع أراضيها، ومناقشة الترتيبات الخاصة بوقف الأعمال العدائية لشهر نوفمبر 2024.
وتشكل هذه الجلسة اختبارا حقيقيا لقدرة الحكومة على اتخاذ قرارات حاسمة بشأن ملف السلاح، في ظل تساؤلات حول مشاركة وزراء من حركة أمل وحزب الله، الذين يشغلون عدة حقائب وزارية رئيسة في الحكومة الحالية، منها وزارتا المالية والصحة العامة، إلى جانب وزارات أخرى. فغيابهم قد يؤثر على قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات حاسمة بخصوص تنفيذ البيان الوزاري في شقه المتعلق بسيادة الدولة.
وتتوافق تصريحات وزير العدل مع تصريحات سابقة للرئيس اللبناني جوزيف عون، الذي أكد أن السلطات اللبنانية ملتزمة بـ”سحب سلاح جميع القوى المسلّحة، ومن ضمنها حزب الله”.
ووجه عون نداء إلى الحزب، قائلا “ندائي الى الذين واجهوا العدوان، والى بيئتهم الوطنية الكريمة، أن يكون رهانكم على الدولة اللبنانية وحدها، وإلا سقطت تضحياتكم هدرا، وسقطت معها الدولة أو ما تبقى منها”.
وعلى الجانب الآخر، يرفض حزب الله هذه الدعوات، ويعتبر أن مصير سلاحه “شأن داخلي”، ويشترط انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان ووقف ضرباتها وإعادة الأسرى قبل أي نقاش حول هذا الموضوع.
واعتبر الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم في خطاب بثه التلفزيون الأربعاء الماضي، أن “كل من يطالب اليوم بتسليم السلاح، داخليا أو خارجيا أو عربيا أو دوليا، هو يخدم المشروع الإسرائيلي”. هذه المواقف المتباعدة تُظهر عمق الأزمة السياسية في لبنان، وتُبين صعوبة التوصل إلى حل توافقي.
ويُعدّ حزب الله الجماعة اللبنانية الوحيدة التي سُمح لها بالاحتفاظ بأسلحتها في نهاية الحرب الأهلية (1975-1990)، بحجة أنها كانت في حاجة إليها لمحاربة القوات الإسرائيلية.
ويواجه لبنان اليوم تحديات كبيرة بعد الدمار الذي خلفته الحرب بين حزب الله وإسرائيل، والتي قدّر البنك الدولي كلفة إعادة إعماره بنحو 11 مليار دولار.
وتُشكل إعادة الإعمار أحد أبرز التحديات التي تواجه الحكومة اللبنانية، التي تعوّل على دعم خارجي، وخاصة من دول الخليج، للحصول على المساعدات. لكن المجتمع الدولي يشترط نزع سلاح القوى غير الشرعية، بما فيها حزب الله، كشرط أساسي لتقديم الدعم، مما يضع لبنان أمام مفترق طرق.
ورغم أن الحزب تخلّى بالفعل عن عدد من مستودعات الأسلحة في جنوب لبنان للجيش اللبناني بموجب هدنة بوساطة أميركية، إلا أن إسرائيل تتهمه بالعمل على إعادة ترميم بناه العسكرية، مما يُعتبر خرقا لوقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب المفتوحة بين الطرفين.
ونص وقف إطلاق النار الذي أنهى في 27 نوفمبر أكثر من عام من التصعيد بين حزب الله واسرائيل، على انسحاب الحزب من منطقة جنوب الليطاني وتفكيك بناه العسكرية فيها، في مقابل تعزيز انتشار الجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة الموقتة في جنوب لبنان (يونيفيل).
كذلك، نصّ على انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان. لكن اسرائيل تبقي على وجودها في خمسة مرتفعات استراتيجية تخولها الإشراف على جانبي الحدود، ويطالبها لبنان بالانسحاب منها.
لكن ورغم سريان وقف إطلاق النار، تشن إسرائيل ضربات شبه يومية في لبنان مستهدفة ما تقول إنه بنى تحتية ومقاتلين تابعين للحزب، الذي يمتنع عن الرد عليها، مما يُبقي على حالة من التوتر المستمر ويزيد من مخاوف عودة الحرب.
ويجد لبنان نفسه اليوم أمام خيارين صعبين: إما الانهيار الكامل، أو الاستقرار النسبي عبر حصر السلاح بيد الدولة. هذا ما أكده الرئيس اللبناني جوزيف عون في خطابه، قائلا “علينا اليوم أن نختار، إما الانهيار، وإما الاستقرار”.
والتحدي الأكبر الذي يواجه لبنان ليس فقط إقناع حزب الله بتسليم سلاحه، بل أيضا استعادة ثقة المجتمع الدولي، الذي يشترط نزع سلاح القوى غير الشرعية للحصول على الدعم اللازم لإعادة الإعمار والتعافي من الانهيار الاقتصادي.
وبدون هذا الدعم، ستبقى تضحيات الشعب اللبناني هدرا، وستُفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية من حالة الانقسام السياسي.