متابعات إخبارية

من المواجهة إلى الحوار: صنصال يختار الحلول السلمية ويتنازل عن الطعن


أفادت مصادر مطلعة بأن محامي الكاتب الفرنسي من أصل جزائري بوعلام صنصال لن يطعن في القرار الأخير بتثبيت الحُكم عليه بالسجن خمس سنوات، فيما يبدو تكتيكا جديدا يهدف إلى تجنب التصعيد في الملف الذي أجج التوتر بين البلدين ووضعهما على حافة القطيعة، وبالتالي فتح الباب أمام الحلول الدبلوماسية لتسوية الأزمة.

ولا يستبعد أن يكون فريق الدفاع قد قام بتقييم شامل لقرار محكمة الاستئناف ووصل إلى استنتاج مفاده أن فرص نجاح الطعن أمام المحكمة العليا أو محكمة النقض ضئيلة للغاية. 

وفي بعض الحالات، يرى المحامي أن الطعن قد يؤدي إلى نتائج أسوأ أو يعرض موكله لمخاطر إضافية، مثل إعادة فتح القضية بتهم أخرى، أو تشديد العقوبة في حال قبول الطلب وإعادة النظر.

ويرجح أن يشكل ملف صنصال محور مفاوضات هادئة بين الحكومتين الجزائرية والفرنسية للتوصل إلى تسوية، بينما يشير غلق باب التقاضي إلى تفادي تصعيد القضية قانونيًا في مقابل فتح باب التدخل السياسي.

وقالت رئيسة لجنة الدعم الدولي للكاتب الفرنسي الجزائري نويل لونوار في تصريح لإذاعة فرانس إنتر، “بحسب معلوماتنا، فإنّه لن يلجأ إلى محكمة النقض”. وأضافت الوزيرة السابقة “هذا يعني أنّ الإدانة نهائية. وبالنظر إلى ما هو عليه النظام القضائي في الجزائر… ليس لديه أي فرصة لإعادة تصنيف جريمته أمام محكمة النقض”.

كذلك، أفاد مقرّبون من بوعلام صنصال في وقت لاحق، بأنّ الكاتب “تنازل عن حق الطعن في الحكم”، فيما رفض محاميه الفرنسي بيار كورنو جنتي التعليق على الأمر.

وبعد سجنه لأكثر من سبعة أشهر، أيّدت محكمة الاستئناف الثلاثاء إدانة الروائي والكاتب البالغ من العمر 80 عاما. وأمامه ثمانية أيام للطعن بالحكم.

ولم يصدر السبت أيّ تعليق عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ولا عن وزيره للخارجية جان – نويل بارو. والأمر سيّان أيضا بالنسبة إلى وزير الداخلية برونو روتايو الذي طالب بنهج أكثر تشدّدا، لكنه قال هذا الأسبوع إنه لا يريد “تضييع أيّ فرصة، خصوصا بحلول نهاية الأسبوع، للإفراج عن بوعلام صنصال”.

من جهته، قال رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا بايرو أمام اعضاء حزبه كما نقلت صحيفة لو باريزيان إن “صنصال لم تتم إدانته لما قام به بل لآراء عبر عنها”، مضيفا أن “سجن أحد مواطنينا في عامه الثمانين وهو يعاني مرضا هو أمر لا يحتمل”.

وحُكم على الكاتب الفرنسي من أصل جزائري في المحكمة الابتدائية في 27 مارس/آذار بالسجن خمس سنوات بعد إدانته بتهمة المساس بسلامة وحدة الوطن، بسبب تصريحات أدلى بها في أكتوبر/تشرين الأول لوسيلة إعلام فرنسية يمينية هي “فرونتيير” وتبنى فيها طرحا مغربيا بأنّ قسما من أراضي المملكة اقتطع في ظل الاستعمار الفرنسي وضمّ للجزائر.

وتمّت محاكمته بتهم “المساس بوحدة الوطن وإهانة هيئة نظامية والقيام بممارسات من شأنها الإضرار بالاقتصاد الوطني وحيازة فيديوهات ومنشورات تهدد الأمن والاستقرار الوطني” وهي جرائم منصوص عليها في قانون العقوبات.

نعرف أن وسطاء، مثل إيطاليا وألمانيا، يعملون بجدّ في الكواليس

وأثارت هذه القضية توترًا كبيرًا بين الجزائر وفرنسا التي عبرت عن قلقها وأملها في صدور عفو عن صنصال، في خطوة من شأنها أن تلعب دورا بارزا في تهدئة التوترات الدبلوماسية المتزايدة بين البلدين والتي تشمل قضايا متعددة مثل ملف الذاكرة والهجرة.

ويتوقع أن تؤدي مساع خلف الكواليس إلى إقناع السلطات الجزائرية بأن إبقاء كاتب بهذه الشهرة في السجن، خاصة في قضايا تتعلق بالرأي، قد يضر بصورتها الدولية، وأن العفو سيكون خطوة حكيمة لامتصاص الغضب وتخفيف الضغوط.

وكان يُنظر إلى عيد الاستقلال الجزائري الذي يصادف اليوم السبت 5 يوليو/تموز كفرصة محتملة لصدور عفو رئاسي، فيما تم بالفعل استثناء قضايا “المساس بالوحدة الوطنية” من العفو الرئاسي الأخير الذي شمل 6500 سجين، مما يعني أن الإفراج عن صنصال يتطلب قرارًا خاصًا.

ويبقى احتمال صدور عفو فردي لأسباب إنسانية واردا، إذ يتمتّع الرئيس عبدالمجيد تبون بصلاحية العفو عن أشخاص محكوم عليهم خارج إطار العيد الوطني والأعياد الدينية، بحسب مصادر دبلوماسية.

ولفت حسني عبيدي مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي ودول المتوسط إلى أنه “كان من الصعب العفو عنه بمناسبة ذكرى استقلال الجزائر، في وقت يتهمه القضاء بالمساس بوحدة الأراضي”.

لكن “ذلك لا يعني أن الباب أغلق بالكامل”، على قول الباحث الذي أضاف “نعرف أن وسطاء، مثل إيطاليا وألمانيا، يعملون بجدّ في الكواليس”، مؤكدا أن “العفو والإفراج عنه لأسباب إنسانية يبقى السبيل الأنسب”، مشيرا إلى احتمال إطلاق سراحه عنه ليتلقى رعاية طبية في الجزائر.

وقالت لونوار، وزيرة الشؤون الأوروبية سابقا في فرنسا، “لم نعد نؤمن بالبادرة الإنسانية نظرا لشيطنة بوعلام صنصال في الصحافة الجزائرية وفي أوساط الرأي العام الجزائري”، معتبرة أن “زمن التهدئة ولى ولا بدّ تاليا من “تدابير حازمة”، أي أن تحرّك فرنسا وسائلها للضغط.

وتابعت “لدينا 900 اتفاق مع الجزائر. وليس لها أيّ وسيلة ضغط، في حين تتمتّع فرنسا بكلّ الأدوات وابرزها أوروبا لتفادي مواجهة مباشرة بين البلدين”، معربة عن تأييدها تعليق اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر الذي تنصّ المادة الثانية منه على وجوب احترام الحقوق الأساسية.

وقالت أيضا “لا بدّ من أن تتحرّك أوروبا وتظهر أنها مفيدة”، مشدّدة على ضرورة أن يطلق سراح الكاتب هذا الصيف، مشيرة إلى أن “ظروف الاعتقال فظيعة وقد يكون الحرّ الشديد لرجل في الثمانين يعاني من السرطان سببا للوفاة”.

والخميس، بعد تثبيت الحكم بالسجن النافذ لخمس سنوات، تساءلت الصحافة الجزائرية عن أسباب “تركيز” الحكومة الفرنسية على قضيّة بوعلام صنصال.

وكتبت صحيفة “لو سوار دالجيري” التي تعكس الخطّ السياسي الرسمي “بحسب أرقام وزارة الخارجية الفرنسية، هناك 1700 فرنسي معتقلين في الخارج سنة 2024. لكن يبدو أن شخصا واحدا فقط يثير اهتمام الحكومة وقسم من الطبقة السياسية: بوعلام صنصال”.

ويعتبر حسني عبيدي أن قضيّة صنصال تبقى “عبئا على السلطات الجزائرية التي تبحث” عن مخرج للأزمة، لكنه حذّر من تشديد اللهجة إزاء الجزائر، لأن “ذلك سيكون خطأ قاتلا للبلدين”.

وأبدت باريس خلال الآونة الأخيرة استعدادها لتسوية الأزمة مع الجزائر من خلال التراجع عن إلغاء اتفاقية الهجرة بين البلدين المبرمة في العام 1968 وتمنح المهاجرين الجزائريين عدة امتيازات، لا سيما بعد أن طالبت عدة أحزاب وشخصيات سياسية بضرورة تكثيف الجهود الدبلوماسية لطي صفحة الخلاف.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى