سياسة

الأمن المغربي يفكك خلية إرهابية على صلة بجماعات متطرفة في الساحل


تمكنت الأجهزة الأمنية المغربية، في إطار المقاربة الاستباقية لمواجهة التهديدات الإرهابية، من اعتقال عناصر خلية موالية لداعش ومرتبطة بمنطقة الساحل والصحراء، كانت تخطط لعمليات تفجير وتصفية لقوات الأمن واستهداف منشآت اقتصادية وأمنية حساسة ومصالح أجنبية بالمملكة، وذلك عملية أمنية   واسعة بشكل متزامن في 9 مدن شمال وجنوب البلاد.

ويعيد المخطط الذي وصفته المديرية العامة للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني بأنه “بالغ الخطورة”، تسليط الضوء على الخطر الإرهابي الذي يهدد الأمن القومي المغربي، وشمال غرب أفريقيا عموما، وفي الوقت ذاته يبرز جانبا من يقظة الأجهزة الأمنية المغربية، لمواجهة خطر التهديدات الإرهابية داخل البلاد وخارجها.

وقالت المديرية العامة للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني في بيان إن “المكتب المركزي للأبحاث القضائية تمكن على ضوء معلومات استخباراتية دقيقة وفرتها مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، صباح اليوم الأربعاء، من إحباط مخطط إرهابي بالغ الخطورة كان يستهدف البلاد، بتكليف وتحريض مباشر من قيادي بارز في تنظيم داعش بمنطقة الساحل الأفريقي”.

وأضاف البيان أنه تم تنفيذ هذه العملية الأمنية، بشكل متزامن، في مدن العيون والدار البيضاء وفاس وتاونات وطنجة وأزمور وجرسيف وولاد تايمة وتامسنة بضواحي الرباط، وأسفرت عن توقيف 12 متطرفا تتراوح أعمارهم ما بين 18 و40 سنة، بايعوا تنظيم داعش الإرهابي وانخرطوا في الإعداد والتنسيق لتنفيذ مشاريع إرهابية خطيرة.

وأوضح البيان أن “تنفيذ عمليات التدخل والاقتحام أشرفت عليها عناصر القوة الخاصة التابعة للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، التي قامت بتطبيق بروتوكول الأمن الخاص بالتهديدات الإرهابية الخطيرة حيث نشرت فرق القناصة في مختلف أماكن التدخل لتحييد جميع المخاطر وأشكال المقاومة العنيفة المحتملة، وسخرت فرق الاقتحام بواسطة التسلق، كما استعانت بتقنيي الكشف عن المتفجرات وفرق الكلاب المدربة للشرطة المتخصصة في مسح وتمشيط مسارح الجريمة، التي يشتبه في احتوائها على مواد ناسفة وأجسام متفجرة”.

وبالتزامن مع ذلك، وفق البيان، قامت شرطيات وشرطيين من المكتب المركزي للأبحاث القضائية بإجلاء سكان الشقق القريبة من أماكن التدخل، ضمانا لسلامتهم وتوطيدا لأمنهم، وذلك كإجراء وقائي لتفادي كل المخاطر والتهديدات التي قد تحدق بهم.

كما استخدمت عناصر القوة الخاصة في هذه التدخلات الأمنية المتزامنة، القنابل الصوتية بشكل احترازي، لمنع أعضاء هذه الخلية الإرهابية من القيام بأي شكل من أشكال المقاومة العنيفة أو عدم الامتثال الذي قد يهدد أمن وسلامة عناصر فريق التدخل.

وأشار إلى أنه في أعقاب عمليات التدخل التي مكنت من تحييد الخطر وتوقيف المشتبه فيهم، باشر عمداء وضباط المكتب المركزي للأبحاث القضائية عمليات التفتيش في منازل أعضاء هذه الخلية الإرهابية، والتي أسفرت عن حجز أجسام ناسفة في طور التركيب بمنزل المشتبه فيهما بمنطقة تامسنا، وهي عبارة عن أربع قنينات غاز معدلة تحتوي على مسامير ومواد كيميائية وموصولة بأنابيب وأسلاك كهربائية متصلة جميعها بأجهزة هواتف محمولة قصد التفجير عن بعد.

ووفقا للبيان فقد تم العثور أيضا داخل منزل المشتبه فيهما بمنطقة تامسنا على عبوة مشبوهة، عبارة عن طنجرة ضغط، تحتوي على مسامير ومواد كميائية تدخل في صناعة المتفجرات، فضلا عن عدد كبير من الأسلحة البيضاء من مختلف الأحجام، ومبلغ مالي بالدولار الأميركي، وأكياس عديدة تضم مواد كيميائية مشبوهة.

إلى ذلك تمكنت عمليات التفتيش، التي لازالت متواصلة، في باقي منازل أعضاء هذه الخلية من حجز منظار للرؤية عن بعد، ومجسمين لأسلحة نارية مقلدة، ودعامات رقمية وأجهزة إلكترونية، وقناع حاجب للمعطيات التشخيصية، ورسم حائطي يتضمن شعار تنظيم “داعش“، بالإضافة إلى مخطوطات ورقية تحتوي على رصد دقيق لبعض المواقع والمنشآت المستهدفة.

وتشير المعلومات الاستخباراتية، مدعومة بالتحريات الميدانية المنجزة إلى غاية هذه المرحلة من البحث، إلى أن أعضاء هذه الخلية الإرهابية كانوا يرتبطون بقيادي بارز في تنظيم “داعش” في منطقة الساحل، مسؤول في ما يسمى بلجنة “العمليات الخارجية” المكلفة بتدويل المشاريع الإرهابية خارج منطقة الساحل جنوب الصحراء، وهو الذي أشرف على عمليات التمويل المالي وتوفير الدعم اللوجستيكي. فضلا عن تزويد أعضاء هذه الخلية بالمحتويات الرقمية التي توضح كيفيات التنفيذ المادي للعمليات الإرهابية.

وأظهرت الأبحاث والتحريات بأن هذه الخلية الإرهابية اعتمدت أسلوبا تنظيميا دقيقا، بإيعاز من نفس القيادي في تنظيم “داعش“. حيث كانت المخططات الإرهابية توجه حصريا لفريق “المنسقين” الذين يتكلفون بتبليغ هذه المخططات لباقي الأعضاء إما بشكل مباشر أو عن طريق قنوات غير مباشرة. ثم فريق “المنخرطين” في تنفيذ العمليات الإرهابية. فضلا عن الفرع المكلف بالدعم والتمويل الذي توصل بشكل مباشر بدفعات مالية من تنظيم “داعش” دون المرور بالشبكة البنكية.

 وبخصوص المشاريع الإرهابية الوشيكة التي حددها فرع “داعش” بمنطقة الساحل لأعضاء هذه الخلية الإرهابية. فتتمثل في استهداف عناصر القوة العمومية عن طريق استدراجهم واختطافهم وتعريضهم للتصفية الجسدية والتمثيل بالجثث. وكذا استهداف منشآت اقتصادية وأمنية حساسة ومصالح أجنبية بالمغرب. فضلا عن ارتكاب أفعال إرهابية تمس بالمجال البيئي عن طريق إضرام الحرائق عمدا.

وتشير الأبحاث والتحريات الأمنية إلى أن أعضاء هذه الخلية الإرهابية قاموا مؤخرا بعمليات ميدانية لتحديد المواقع المستهدفة بعدة مدن مغربية. كما حصلوا على “مباركة” تنظيم “داعش” بمنطقة الساحل لمشروعهم الإرهابي، حيث توصلوا بشريط يبارك ويحرض على تنفيذ هذه العملية. وذلك إيذانا بانتقالهم للتنفيذ المادي للعمليات التخريبية.

وذكر البيان أنه لضرورة البحث القضائي الذي يجريه المكتب المركزي للأبحاث القضائية تحت إشراف النيابة العامة المكلفة بقضايا الإرهاب. فقد تم الاحتفاظ بجميع الموقوفين في إطار هذه الخلية الإرهابية تحت تدبير الحراسة النظرية، بغرض تعميق البحث معهم. والكشف عن جميع ارتباطاتهم بالفرع الأفريقي لتنظيم داعش بمنطقة الساحل جنوب الصحراء. فضلا عن رصد كافة الامتدادات الوطنية والدولية لهذه الخلية الإرهابية.

وتؤكد هذه العملية الأمنية النوعية، مرة أخرى، تنامي مخاطر التهديد الإرهابي الذي تمثله الفروع والأقطاب الجهوية لتنظيم داعش بأفريقيا، وتحديدا في منطقة الساحل. لاسيما في ظل إصرار هذا التنظيم على تصدير عملياته الإرهابية إلى مناطق عديدة من العالم بما فيها المغرب.

وقد سبق لمصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني أن حذرت الشركاء الأمنيين الدوليين والإقليميين من تنامي المخاطر والتحديات التي تطرحها التهديدات الإرهابية بمنطقة الساحل الأفريقي. وذلك بعدما فككت في السنوات الماضية العديد من الخلايا المتطرفة. التي كانت قد أعلنت البيعة المزعومة “لأمراء” تنظيمي “القاعدة” و “داعش” بمنطقة الساحل والصحراء. وتوصلت منهم بمباركة وتزكية للمخططات الإرهابية، كما حصلوا منهم على الدعم المالي واللوجيستيكي اللازم. فضلا عن وعود بتوفير ملاذات آمنة لهم في حال ارتكابهم لمخططاتهم الإرهابية.

وهذه الضربة الاستباقية ليست الأولى من نوعها في المغرب. فقد نجحت الأجهزة الأمنية بفضل يقظة قواتها حنكتهم في التعامل مع هذه الجرائم الإرهابية في تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية كانت آخرها في 26 يناير الماضي عندما أعلنت الشرطة المغربية إحباطها “مخططا إرهابيا .وشيكا” واعتقال 4 متهمين بالتورط فيه قالت إنهم ينتمون إلى تنظيم داعش الإرهابي.

ويرى مراقبون أنه مع تفكيك الأجهزة الأمنية العناصر الإرهابية، يتأكد أن المملكة مستهدفة بشكل جدي من قبل الخلايا الإرهابية التي تحاول باستمرار استغلال الفرص. والقيام بحسابات خاطئة في اختيارها توقيت تنفيذ هجماتها الإرهابية.

ويشير هؤلاء المراقبين إلى أنه بفضل الاستراتيجية الاستباقية والخطة المحكمة للمكتب المركزي للأبحاث القضائية، الذي تمكن في عملياته المتزامنة. التي شملت مختلف المدن التي تنشط فيها الخلية الإرهابية، من إيقاف جميع أفرادها، حال دون وقوع حمام دم جديد في المملكة.

وتمكن المغرب من إجهاض 500 مشروع إرهابي، و215 خلية إرهابية منذ سنة 2002. وذلك وفق آخر الأرقام الرسمية الصادرة عن تقرير “منجزات وزارة الداخلية” برسم سنة 2023.

وبحسب الأرقام ذاتها، فمنذ بداية سنة 2023 تمكن المكتب المركزي للأبحاث القضائية من تفكيك 6 خلايا إرهابية، خلص منها إلى توقيف 21 شخصا. وذلك في سياق عمليات استباقية متفرقة، شملت مناطق الناظور، واشتوكة أيت باها، ثم سوق الأربعاء الغرب وتطوان والعرائش وطنجة وإنزكان أيت ملول.

كما لعب المغرب سنة 2023 دورا حاسما في تجنيب شركاء دوليين حمامات الدم. وآخر تدخلاته في هذا الصدد ما خلص إليه التنسيق المغربي – الإسباني في إفشال مخططات إرهابية كانت تستهدف مدينتي الناظور ومليلية المحتلة. 

وعمل المغرب على إعادة النظر في منهجية التعاطي مع الظاهرة الإرهابية بعد حادثة مايو 2003، بالدار البيضاء. حيث تم اتخاذ العديد من التدابير والإجراءات المتنوعة، والتي أثبتت نجاعتها.

وبعد مرور 21 سنة على عملية الدار البيضاء، حقق المغرب نتائج مهمة. حيث استطاع أن يدحض الخطر الإرهابي بتفكيك العديد من الخلايا الإرهابية .وإحباط الكثير من المخططات في دول كثيرة من العالم، جعلته يحظى بإشادة دولية في مكافحة الإرهاب والتطرف.

حيث جاء التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية صادر في مارس الماضي مليئا بالثناء .والمديح للأدوار التي تلعبها الرباط في التصدي للظاهرة وإحباط الكثير من المخططات في نقاط كثيرة من العالم.

وأبرزت المجلة الإلكترونية لوزارة الخارجية الأميركية أن المغرب يرسخ مكانته باعتباره فضاء للسلام والاستقرار في منطقة تواجه العديد من التحديات.

وأشارت إلى أن المملكة، التي تعد أحد الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة خارج حلف شمال الأطلسي، تضطلع بـ”دور محوري” في الجهود المبذولة على الصعيد الإقليمي، في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى