كثيرة هي مساعي قطر للحد من تأثير مقاطعة الدول العربية لها، ولكن من دون التوصل إلى حل يرضي طموح الدوحة الباحثة عن تحالفات جديدة في المنطقة تعيد لها شيئا من التوازن الدبلوماسي على الأقل، إثر ما تعرضت له من تهميش خلال السنة الماضية عربيا ودوليا كذلك، فزيارات الدبلوماسيين القطريين للدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لم تنفع في مسار تسويق الدوحة نفسها على أنها “مظلومة” من شقيقاتها العربيات. “الحل في الرياض”.. لعلها الجملة الأكثر ترديدا على مسامع مسؤولي دولة قطر، خلال الفترة الماضية، فيما يخص أزمتها مع السعودية والإمارات والبحرين ومصر، وهذا ما لا يروق للدوحة سماعه، لذلك باتت تسعى نحو هامش جديد يمكنها من خلاله المحافظة على وجودها داخل منظومة القرار العربي وعدم الابتعاد كثيرا، رغم حصولها على دعم كامل من قبل تركيا وإيران. يعرف المسؤولون القطريون قبل غيرهم ثمن عزلة بلدهم، وأنَّه لا يمكن لأي دولة تعويض الفراغ الذي تسببه المقاطعة العربية، ولكنهم يفضلون الهروب إلى الأمام على أن يعترفوا بأخطائهم تجاه أشقائهم، لذلك بات يلوح في الأفق مسعى جديد لقطر بتشكيل تحالف خماسي يضم إلى جانبها كُلا من إيران وتركيا والعراق وسوريا. في الواقع لا يمكن لهذا التحالف الذي تنوي قطر تشكيله العيش ولو ليوم واحد، وربما يمكنه الاستمرار بصيغة ثلاثية وليست خماسية، تبتعد فيه سوريا والعراق ويبقى مقتصرا على الدول الثلاث تركيا وإيران وقطر ذات القاسم المشترك بينهما، ألا وهو الشهوة المستمرة وغير المحدودة للسيطرة على قرار الدول العربية وإعادة الهيمنة على المنطقة، وهذا ما تردد صداه طهران وأنقرة والدوحة بشكل دائم. لماذا تفضل سوريا والعراق عدم الانضمام إلى هذا التحالف؟ لنبدأ من سوريا، البلد الذي كان يربط حكومته والدوحة علاقات مميزة، تمنعها جملة من الأسباب للمضي داخل هذا التحالف. أولا: الدور السلبي الذي لعبته قطر بدعمها جبهة النصرة، الفصيل الأكثر تطرفا وإيلاما للقوات النظامية السورية، خلال السنوات السبع الماضية. ثانيا: تصدُّر الدوحة مشهد عزل سوريا عربيا، ودفعها الكثير من أجل ذلك إلى أن وصلت إلى مبتغاها، حين قررت، وبنفوذها آنذاك، تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، وإعطاء مقعدها للمعارضة في قمة الدوحة يوم 26 مارس/آذار 2013. ثالثا: إدراك الرئيس السوري بشار الأسد أنَّهُ لا مصلحة له بعزلة أكثر من قبل الدول العربية، لذلك تغيرت منذ فترة لهجة دمشق مع العواصم العربية، والخليجية منها على وجه الخصوص، وباتت أكثر هدوءا، وهذا مايفسر حديث مستشارة الأسد بثينة شعبان عن أن بلادها تتطلع إلى علاقات جيدة مع الدول العربية، لذلك نستطيع القول بأن سوريا أقرب بكثير للسعودية ومصر والإمارات والأردن والبحرين، من قربها لمحور تكون عناصره الرئيسية تركيا وقطر وإيران. أما العراق، فهو مسألة أخرى، إذ لم ينتظر سياسيوه كثيرا للرد على المقترح القطري بأنَّ بلادهم دفعت ثمنا كبيرا لانحياز حكومة نوري المالكي خلال فترتي ولايته (2006-2014) لإيران، وهذا ما جعل بلاد الرافدين تحت إمرة ضباط الحرس الثوري الإيراني يعيثون فيه فسادا كيفما يريدون. يثبِّتون في مناصب الدولة من يجاهر بولائه اللامحدود لحكامهم إلى حين مغادرة المالكي منصب الوزراء ومجيء حيدر العبادي الذي استطاع إلى حد ما، وبمساندة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن، إرجاع العراق إلى حاضنته العربية وإن كان بشكل تدريجي. (لاحظ أن الرئيس العراقي الجديد برهم صالح قدّم زيارة والإمارات والأردن والكويت على زيارة إيران، وفي ذلك إشارة واضحة على أن العراق يتعافى من الهيمنة الإيرانية). في الشكل، تسعى قطر لأن يكون تحالفا خماسيا، وتعتمد في المضمون على عنصرين رئيسيين هما إيران وتركيا، وهذا ما دفع الدولتين الأخريين المقترحتين لعدم الانجرار وراء المغريات القطرية، فلا العراق بشكله الجديد له مصلحة بأن يكون في محور إيران والبقاء تحت عباءة مرشدها، ولا سوريا الباحثة عن تسويق نفسها عربيا ترغب بلبس الطربوش التركي من جديد، لذلك؛ فهذا التحالف محكوم عليه بالموت قبل ولادته.