سياسة

يريد الإخوان المسلمون تغيير العالم.. فهل فكروا في تغيير أنفسهم؟


ينظر الإخوان المسلمون للتغيير باعتباره أمراً حتمياً، والطريق الحقيقي للإصلاح، وبدأت هذه الثنائية تأخذ مسارها في أدبياتهم حتى أقاموا لها منهجاً أسموه منهج “الإصلاح والتغيير”، ومن باب المقاربة بين المعنيين، فإنّ وصف جماعة الإخوان المسلمين بأنها حركة إصلاحية لم يكن وصفاً دقيقاً وحقيقياً فحسب؛ بل أخذت الجماعة مساراً أبعد أثراً وهو مسار “التغيير”، الذي يمكن له أن يطال كل المجالات، لا الناحية الاجتماعية فقط، وهو الأمر الذي ناضل فيه “حسن البنا” نضالاً شرساً، وأسس منظومة أدبياته الوعظية بناءً على الرغبة في تحقيق التغيير فيه.

التغيير واستبطان السلطوية 

يعتبر الباحث السياسي والمنظر الإسلامي المصري عمار فايد، في مقالة له نشرت في موقع “الإسلاميون” أنّ حسن البنا سعى لتغيير سياسي كبير، وليس مجرد الاكتفاء بالوعظ الديني ومحاربة الانحرافات الأخلاقية. لكنّ تغيير الأوضاع السياسية، من وجهة نظره، لم يكن ممكناً دون البدء بتغيير أوضاع المجتمع نفسه، باعتبار أنّ النظام السياسي (الحكم) هو نتيجة طبيعية لأوضاع المجتمع. فلم يكن البنّا، وفق فايد، شديد الوضوح في تحديد خطواته التالية دائماً، وهو ما وضع احتمالات واستنتاجات تتعلق بحقيقة رؤيته لعملية التغيير.

وهكذا بقيت رؤية التغيير لدى الإخوان بلا أفق، وبلا منهجية بالرغم من كثرة الحديث والتنظير حولها، وبلا سقف أيضاً يلملم أطرافها ويضبط إيقاعها ونموها وربما يحجم محاولة تغولها واستبطانها السلطوية بأكثر تجلياتها قتامة، بالإضافة إلى إلغاء الآخر، أو نفيه، وهي قيم ومفاهيم طالما ناضلوا شعاراتياً وخطابياً وعلى قارعة الطريق في سبيل التخلص منها.

ضد السياسة

جاء القانون الأول للإخوان المسلمين الصادر في الإسماعيلية عام 1930، بحسب فايد، متضمناً أنّ الجمعية لا شأن لها بالعمل السياسي؛ حيث ذكرت المادة الثانية أنّ “هذه الجمعية لا تتعرض للشؤون السياسية أياً كانت”، وشددت المادة 15 على عدم التعرض للشؤون السياسية أثناء اجتماعات الجمعية. والأغرب، أنّ المادة 42 التي تحدد آلية تعديل اللائحة، منعت نهائياً تغيير بعض المواد، من بينها المادة الثانية المشار إليها، والتي تمنع على الجمعية المشاركة في العمل السياسي، إلا أنّ التغيير الوحيد الذي يرى الباحثون أنّ الإخوان استطاعوا تحقيقه، هو القفز عن هذا القرار مباشرة بعيد صدوره، والتحول الجذري نحو العمل السياسي ومنازعة السلطة ومغالبتها ومزاحمتها على المناصب والكراسي والحكم.

لم يشهد الإخوان المسلمون تغييراً حقيقياً يتحقق لهم سوى التغيير الذي أدخلهم في أتون حروب السياسة ومعاركها الخاسرة، فهم يدخلونها، وفق الباحث، مدججين برغبة عارمة في الإمساك بزمام السلطة والحكم متخلين عن نظرتهم الأولى ومنهجيتهم الأساس في العمل على المجتمع تغييراّ وإصلاحاً.

أحلام تغيير العالم 

ما فتئ الإخوان المسلمون ينظرون إلى كل الأقطار باعتبارها ميداناً فكرياً وسياسياً لهم، لذا كانت أحلامهم في تغيير العالم والمجتمعات والشعوب، تصل إلى مديات واسعة من تحدي قوى الحكم والسياسة والسلطة، وقوى الفكر المضاد والرؤى المختلفة التي تعاملت معها الجماعة وفقاً لفكرة “الولاء والبراء” وكما عبر عنها “حسن البنا” بـ “إما ولاء أو عداء”، إلا أنّ كل هذه النظرة الشاسعة للتغيير لم يكن لها أن تصل إليهم في داخل حصون ثوابتهم، فهم بعد التحول الكبير من العمل الاجتماعي إلى العمل السياسي، لفظ التغيير -داخلياً- أنفاسه الأخيرة، معتبرين أن تحقيق التغيير على المستوى الخارجي إستراتيجية، لكن ثوابتهم وقناعاتهم على المستوى الداخلي هي عقيدة لا تخضع لفلسفة ولا لسلطة التغيير.

بعيد سقوط الخلافة العثمانية عام 1924، حاول الإخوان التأثير على الملك فاروق وإقناعه بأنه الخليفة وأنهم يقفون معه لاستعادتها وتمكينها في مصر والبلاد العربية، إلا أن ما وقف في الطريق هو كتاب علي عبد الرزاق “أصول الحكم في الإسلام” الذي ينفي وجود دولة دينية في الإسلام، وفي 1937، حاول الإخوان مجدداً تنصيب الملك فاروق خليفة للمسلمين، إلا أنّهم فشلوا أمام القوى السياسية الحية آنذاك، كانت هاتان الحادثتان دليلاً على أن التغيير لدى الإخوان لم يكن يوماً منسجماً مع حجمهم أولاً ومع الواقع وأحوال المجتمعات وطبيعة المراحل، ثانياً وثالثاً، لذا كان دائما تغييراً خاسراً، ويصل إلى طريق مرصود أو مسدود.

فالذي يقول بأنّ الإخوان ليس لهم أو لم يكن لهم يوماً طموحاً سياسياً، باعتبارهم جمعية تعمل في السياق الاجتماعي -إصلاحاً وتغييراً- يبدو واهماً، في ظل المعطيات على أرض الواقع، إذ كان هذا الطموح مستمراً ويرافقهم في كل مراحلهم، تحت لافتة التغيير، فربما كان الأجدى والأجدر بهم تسمية هذا النوع من التغيير بأنه الطريق إلى الحكم والسلطة.

لقد حاول ويحاول الإخوان المسلمون تغيير العالم، لكن هذا التغيير طريق ينتهي على عتباتهم دون الولوج إليها، وإذا كانت القاعدة، بحسب أنطوني دانجيلو، “أن لا تخف من التغيير، بل اعتنقه”، فإنّ جماعة الإخوان المسلمين خافت على نفسها من التغيير، وما تزال خائفة، لكنها اعتنقته من أجل غيرها فحسب.

نقلا عن حفريات

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى