واشنطن تغيّر قواعد اللعبة: سيطرة تأسيس على النفط وتفاقم عزلة الجيش بعد فضيحة الغارات الجوية
تُعد سيطرة قوات تأسيس على حقل هجليج حدثاً يعكس انتقال الصراع السوداني من معارك المواقع إلى صراع على مفاصل الاقتصاد الحيوي للدولة. فالحقل ليس مجرد منطقة غنية بالنفط، بل المركز التقني الذي تمر منه عمليات معالجة نفط جنوب السودان قبل نقله إلى الساحل. هذا الموقع كان لسنوات ورقة ضغط بيد السلطة في بورتسودان، يوفر لها عائدات صعبة تستخدم في موازنة الحرب. وبالتالي فإن خروجه عن سيطرة الجيش يُعد ضربة استراتيجية تتجاوز قيمته الجغرافية نحو تأثير مباشر على قدرة الدولة على تمويل صراعها.
انسحاب الجيش والعاملين دون قتال يطرح أسئلة حول حجم التصدّع داخل المنظومة العسكرية، ومدى الحسابات التي فرضتها خشية تدمير المنشآت النفطية. وهو انسحاب يعكس تغير طبيعة الحرب من محاولة السيطرة الكاملة إلى محاولة الحدّ من الخسائر في ظل تقدم قوات تأسيس في جنوب كردفان. وبالرغم من إعلان هذه القوات حرصها على حماية المنشأة ومنع توقف الإمدادات، فإن مجمل البيئة الإقليمية تبقى قلقة من تأثير أي توتر على صادرات جنوب السودان، ما يضع الدول المجاورة وشركات الطاقة أمام واقع جديد غير قابل للتجاهل.
التحول في واشنطن مؤثر في هذا السياق. فالإدارة الأميركية انتقلت من مقاربة تعتمد على الوسطاء إلى متابعة مباشرة من قبل الرئيس ترامب، ما يؤشر إلى أن الملف السوداني أصبح جزءاً من حسابات الأمن القومي الأميركي، خصوصاً مع تصاعد الدور الإماراتي، وتواجد الروسية الوشيك على البحر الأحمر، ومسألة الإسلاميين داخل الجيش. التعارض بين مقاربة واشنطن ومقاربة سلطة بورسودان بات واضحاً؛ فالأخيرة ترفض الجلوس في أي منصة تضم الإمارات، وتواصل اتهامها بدعم قوات تأسيس دون تقديم أدلة، بينما تحاول واشنطن صياغة تسوية تشمل جميع الأطراف المؤثرة في الميدان.
التوجّه الأميركي لتصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية يضع الجيش في موقف حساس، لأن نفيه لوجود عناصر إسلامية في صفوفه لا يقنع المؤسسات الأميركية. ويُنظر إلى هذا الملف كأحد مفاتيح الضغط التي ستستخدمها الإدارة لإعادة تشكيل الساحة السياسية السودانية. وفي ظل هذا السياق، يصبح تقدم قوات تأسيس جنوباً عاملاً مؤثراً في رؤية واشنطن التي تبحث عن قوة قادرة على فرض استقرار نسبي أو على الأقل على منع الإسلاميين من السيطرة على مفاصل الحكم.
على المستوى الدولي، جاء تقرير BBC حول ضحايا الغارات الجوية ليفتح جبهة جديدة على الجيش. الأرقام الثقيلة التي تحدث عنها التحقيق – والتي تجاوزت 1700 قتيل – تُظهر حجم العنف غير المنضبط في الحرب، واستعمال القنابل غير الموجهة في أماكن مكتظة. هذا النوع من الأدلة يقود إلى مزيد من العزلة للسلطة في بورتسودان، ويعزز حجج الأطراف التي تتهم الجيش بانتهاكات منهجية. ومع هذا التراكم، يصبح المشهد السوداني مزيجاً من صراع على الموارد، وتدخلات دولية متنافسة، وضغوط حقوقية تتفاقم، ما يجعل مستقبل الحرب مرهوناً بمدى قدرة الأطراف على استيعاب هذا التشابك—أو الانزلاق نحو مزيد من الفوضى.







