هورتن إتش أو 229.. تصميم نازي يعكس ابتكارًا عسكريًا متقدمًا
في خضم الحرب العالمية الثانية، سبقت ألمانيا النازية عصر الطائرات الشبحية بابتكار القاذفة “هورتن إتش أو 229″، ذات التصميم الانسيابي والتي لا تحتوي على ذيل تقليدي.
ووفقا لموقع “ذا أفيشن”، صُممت هذه الطائرة لخفض البصمة الرادارية، مع الجمع بين التصميم منخفض السحب والمحركات النفاثة المدمجة داخل الجناح.
وعلى الرغم من عدم دخول “هورتن إتش أو 229” مرحلة الإنتاج الفعلي، لكنها تركت إرثًا تكنولوجيًا واضحًا، حيث شكلت مصدر إلهام لتطوير الطائرة الأمريكية الشهيرة “إف-117 نايت هوك” في الثمانينيات، وأكدت ريادة ألمانيا في مجال الابتكار الجوي قبل عقود من الزمن.
وتعود جذور فكرة هورتن إتش أو 229 إلى عام 1943، في مرحلة حرجة من الحرب الجوية، حين تكبدت القوات الألمانية سلسلة من الهزائم أمام قوات التحالف، وحينها طلبت وزارة الطيران الألمانية من المصممين ابتكار قاذفة قادرة على حمل 1000 كجم من القنابل لمسافة 1000 كيلومتر بسرعة 1000 كيلومتر في الساعة، وهو تحدٍ تقني هائل لم يكن قد سبق له مثيل.

استجاب الأخوان ريمار ووالتر هورتن، اللذان كانا من أبرز دعاة تصاميم “الجناح الطائر”، لهذا المطلب الطموح بتقديم تصميم ثوري يمزج بين الانسيابية الميكانيكية والأداء الجوي العالي، مع تقليل مقاومة الهواء إلى أقصى حد، وإخفاء الطائرة من الرادارات إلى الحد الممكن في ذلك الوقت.
تميزت “هورتن إتش أو 229” باندماج جناحها مع جسم الطائرة في شكل مثلث متجانس، وهو ما ألغى الحاجة إلى الذيل التقليدي وأدى إلى تقليل السطح العاكس للموجات الرادارية.
هذا التصميم لم يقلل من مقاومة الهواء فحسب، بل ساهم أيضًا في تقليل البصمة الرادارية للطائرة، عبر التخلص من الزوايا الحادة بين الأجزاء وإزالة الذيل العمودي الكبير، إضافة إلى غياب المراوح الأمامية التي كانت تظهر عادة كبقع مضيئة على شاشات الرادار.
وبذلك، كانت هورتن إتش أو 229 قادرة على الطيران بسرعات عالية مع أقل تأثير على كشف الرادارات، ما يجعلها أقرب إلى مفهوم “الطائرة الشبحية” الحديث قبل عقود من ظهور تقنيات التخفي المعاصرة.
أقلعت الطائرة لأول مرة في 1 مارس/آذار 1944، وتم بناء ثلاثة نماذج فقط، لكن التحديات التقنية ومجريات الحرب حالت دون دخولها الإنتاج الصناعي.
وعند سقوط برلين، استولى الأمريكيون على النموذج الثالث المعروف باسم “في3″، ونقلوه إلى الولايات المتحدة لدراسته واختباره، وهو ما ساهم لاحقًا في تطوير مفاهيم الطائرات الشبحية في العقود التالية. وعلى الرغم من عدم تحقيق الطائرة لإنتاج كامل، فقد أثبتت التجارب الأولية نجاح تصميمها من حيث الأداء والانسيابية، مما أكسبها مكانة مميزة في تاريخ الطيران العسكري.
أثار تصميم هورتن إتش أو 229 جدلاً علميًا مستمرًا حول مدى قدراتها الشبحية، خاصة بعد ادعاء ريمار هورتن أنه خلط مسحوق الفحم مع الغراء المستخدم في بناء الهيكل الخشبي لامتصاص موجات الرادار.. إلا أن التحليلات اللاحقة للنموذج الذي نقل إلى أمريكا لم تثبت وجود الفحم، مما أدى إلى شكوك حول صحة هذا الادعاء.
ومع ذلك، أظهرت دراسة أجرتها شركة نورثروب غرومان أن هورتن إتش أو 229 كانت تمتلك بصمة رادارية أقل بنسبة تصل إلى 20 % مقارنة بمقاتلة مثل ميسرشميت بي إف-109، على الرغم من أن حجمها كان أكبر بكثير، مما يعزز فكرة أنها كانت قادرة على التخفّي بشكل أفضل من معظم الطائرات التقليدية في ذلك الوقت.

واليوم، يُنظر إلى “هورتن إتش أو 229” على أنها واحدة من أكثر الابتكارات الجوية تقدمًا قبل وقتها بنحو ثلاثين عامًا. وقد جعلها تصميمها الفريد وخصائصها الانسيابية بمثابة نموذج أولي للطائرة الشبحية الحديثة، وفتح الطريق أمام تطوير تقنيات التخفي التي استخدمتها الطائرات العسكرية في العقود اللاحقة.
وعلى الرغم من أنها لم تحظ بالفرصة لإثبات جدارتها عمليًا، فإن إرثها التكنولوجي ظل حيًا، مؤكدًا أن ألمانيا كانت سباقة في استكشاف حدود الابتكار الجوي، وأن الأفكار الثورية في زمن الحرب يمكن أن تسبق عصرها بعقود، لتترك بصمة مستمرة في تاريخ الصناعة العسكرية.







