هل يكشف الاعتقال خيوط أحداث الساحل السوري الغامضة؟

ألقت قوات الأمن السوري، الخميس، القبض على المدعو أحمد حسن طحيموش، وهو قائد “عمليات إرهابية” بالنظام المخلوع، ومن المسؤولين عن أحد المحاور بأحداث الساحل حيث تلاحق الحكومة السورية فلول النظام السابق.
وذكرت وزارة الداخلية عبر قناتها الرسمية في منصة تلغرام وعلى اكس، أنه بالتعاون مع فرع مكافحة الإرهاب، ألقت قيادة الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية (شمال غرب) القبض على طحيموش من قرية غنيزي بريف جبلة.
قيادة الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية، وبالتعاون مع فرع مكافحة الإرهاب، تلقي القبض على المدعو أحمد حسن طحيموش من قرية غنيزي بريف جبلة، وهو أحد القادة البارزين للخلايا الإرهابية في منطقة جبلة، والتابع مباشرةً للمجرم غياث دلة، والمدعوم مادياً من المجرم رامي مخلوف. pic.twitter.com/KWeRh74NPC
— وزارة الداخلية السورية (@syrianmoi) August 21, 2025
وبينت أن طحيموش “هو أحد القادة البارزين للخلايا الإرهابية في منطقة جبلة، وتابع مباشرة لغياث دلا، ومدعوم ماديا من المجرم رامي مخلوف (ابن خال الرئيس المخلوع)”.
وأضافت أن المتهم يعد من المسؤولين عن أحد محاور العمليات الإرهابية خلال أحداث الساحل السوري في 6 مارس/آذار المنصرم.
كما يشار إلى “تورطه في جرائم قتل بحق عناصر من قوى الأمن الداخلي والجيش السوري، إضافة إلى استهداف مؤسسات الدولة”، وفق المنشور.
وفي 9 مارس/اذار الماضي، حمّل رامي مخلوف في منشور عبر حسابه الشخصي على فيسبوك، غياث دلا، أحد جنرالات النظام المخلوع التابعين لقائد الفرقة الرابعة ماهر الأسد، مسؤولية الأحداث التي شهدها الساحل السوري.
وفي 6 من نفس الشهر، شهدت منطقة الساحل السوري توترا أمنيا على وقع هجمات منسقة لفلول نظام الأسد، هي الأعنف منذ سقوطه، ضد دوريات وحواجز أمنية، ما أوقع قتلى وجرحى.
ومنذ الإطاحة بالأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، فتحت إدارة العمليات العسكرية مراكز للتسوية مع عناصر النظام المخلوع لتسليم سلاحهم، إلا أن رفض بعضهم أدى لمواجهات في عدد من المحافظات.
كما تعمل الإدارة السورية الجديدة على ضبط الأوضاع الأمنية في البلاد، وملاحقة فلول النظام السابق الذين يثيرون قلاقل أمنية، لا سيما في منطقة الساحل، معقل كبار ضباط نظام الأسد وطائفته.
وبسطت فصائل سورية في 8 ديسمبر/كانون الاول الماضي، سيطرتها على البلاد، منهية 61 عاما من حزب البعث الدموي، و53 سنة من سيطرة أسرة الأسد.
ويأتي توقيف طحيموش في سياق حملة واسعة تشنها الحكومة السورية الجديدة لتعقب القيادات الأمنية والعسكرية التي كانت جزءاً من منظومة القمع في عهد النظام المخلوع، خاصة أولئك المتورطين بجرائم ضد الإنسانية خلال سنوات الحرب الأهلية. وتؤكد السلطات أن ملاحقة هذه الأسماء لا تأتي فقط بدوافع أمنية، بل في إطار “عدالة انتقالية” تضع حداً للإفلات من العقاب.
وتُعد اللاذقية، ومعها مناطق الساحل السوري، من المعاقل التاريخية لنظام الأسد، حيث شكلت طيلة العقود الماضية قاعدة نفوذ سياسي وعسكري لكبار القادة الأمنيين. ومنذ سقوط النظام، تحولت بعض هذه المناطق إلى بؤر توتر، مع محاولات لفلول الأسد استعادة السيطرة أو عرقلة جهود الاستقرار.
ويرى مراقبون أن اعتقال شخصيات مثل طحيموش يمثل اختباراً حقيقياً لجدية السلطة الجديدة في اجتثاث أذرع النظام السابق، والقطع مع ممارسات الدولة الأمنية، التي أدت إلى تفكك النسيج الوطني السوري طيلة أكثر من عقد.
كما تسعى الحكومة الجديدة إلى تقديم بعض المتهمين بارتكاب انتهاكات جسيمة إلى المحاكم، إما داخلياً ضمن أطر قضائية وطنية، أو بالتعاون مع جهات دولية متخصصة في جرائم الحرب. ووفق مصادر حقوقية، فإن عدة ملفات جُهّزت بالفعل ضد قادة عسكريين وضباط مخابرات سابقين، شاركوا في حملات تعذيب، وتجويع جماعي، وقصف أحياء سكنية مأهولة.
وبينما تؤكد دمشق الجديدة أنها لن تتسامح مع بقايا النظام الذين يصرّون على العمل السري أو المسلح، تتواصل المفاوضات مع مجموعات أقل تشدداً بهدف دمجهم في مرحلة ما بعد الأسد، عبر برامج مصالحة ومراجعة، تشمل ضمانات قانونية لمن لم تتلطخ أيديهم بالدماء.
وتأتي هذه التطورات في ظل دعم إقليمي ودولي حذر للعملية الانتقالية في سوريا، حيث تشدد عواصم عربية وغربية على ضرورة تطهير مؤسسات الدولة من رموز الحقبة السابقة، وتقديم ضمانات واضحة حول احترام الحريات وحقوق الإنسان، كشرط لعودة سوريا إلى المشهد الدولي.
وفي السياق نفسه، تُعدّ حادثة الساحل الأخيرة، والتي تورط فيها طحيموش، واحدة من أبرز المحاولات المنظمة لإحداث اختراق أمني واسع يخل بتوازن السيطرة، مما دفع الحكومة للتحرك الحاسم في مواجهة ما تعتبره “المرحلة الأخطر” بعد سقوط النظام، وهي مرحلة اجتثاث الفوضى المتبقية.
وتشير تقديرات أمنية إلى أن بقايا النظام، وإن كانت مفككة، لا تزال تمتلك شبكات دعم محلية وتمويل خارجي محدود، ما يفرض على الحكومة الجديدة الحفاظ على يقظة دائمة واستمرار الضغط الأمني والسياسي إلى حين استكمال تفكيك المنظومة السابقة بكل رموزها ومراكز قوتها.