سياسة

هل من أحد يثق بالنظام الإيراني؟


يبدو العالم مشغولا إلى أقصى حد ومد هذه الأيام ببرنامج إيران النووي.

ذلك الذي تحاول إدارة الرئيس بايدن جاهدة إحياء الاتفاق الذي كان من قبل معها، وعلى الضد مما ذهب إليه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في حين يبقى سر الاندفاع من قبل الإدارة الجديدة لغزا ملفوفا في أحجية ضمن سياق السر، وما من أحد قادر على معرفة ما ورائية الهدف، وهل الأمر فقط مرده المكايدة السياسية للجمهوريين، أو الكيد لرئيس بات خارج البيت الأبيض. وفي كل الأحوال لن يوفر الأمر للرئيس بايدن أن يكتب اسمه في سجل القياصرة الأمريكيين إن قدر له إحياء الاتفاق سيئ الذكر مع طهران، لا سيما أن أوباما خرج خالي الوفاض من بعده.

مهما يكن من أمر، فإن التساؤل الذي يطرح نفسه بنفسه على مائدة البحث: “من يثق في إيران؟” وهي علامة استفهام مطروحة في الداخل الأمريكي، وبنفس القدر يتردد صداها في الإقليم، وحول العالم؟

بالعودة إلى العام 2015، كان من المفترض أن يقود الاتفاق النووي “خمسة زائد واحد” إلى تقويم سلوك إيران النووي، وردعها عن المضي قدما في طريق حيازة سلاح نووي، عطفا على تهذيب سلوكها في إطارها الجغرافي، ومن ثم وقف أعمالها العدائية ذات الخلفيات التاريخية.. هل هذا ما حدث؟

بالقطع مضت طهران ونظام الملالي على الضد من كل ما التزمت به، وقد فك لها أوباما الحظر عن أكثر من مائة وخمسين مليار دولار، أموال مجمدة في بنوك أمريكا، وتم استخدامها في ترتيب أوراق ما هو آت.

لم يكن للإيرانيين يوما ثقة ما في الأمريكيين ولا في الأوروبيين، ومن هذا المنطلق كانت تعد أوراقها على جانبين، الأول موصول بتسليحها التقليدي، والآخر بمد أذرعها وتمكين مليشياتها في المنطقة لتنفيذ مخططاتها الإرهابية ساعة تشاء.

ولعله من الواضح لإدارة بايدن المسارعة إلى التصالح وربما التسامح مع “آيات الله”. إن الخرق اتسع على الراتق، والقضية لم تعد برنامجا نوويا فقط، بل أكثر من ذلك بكثير.

أما عن أحلام إيران النووية، فها هي تكشف عن حيازتها لنحو خمسمئة جهاز طرد مركزي جديد، ومن نوعيات متقدمة تكنولوجيا، بخلاف الأجهزة القديمة، ما يعني أنها قريبة أكثر مما مضى من تنفيذ حلمها.

ولعله من نافلة القول أن الثقة في إيران منعدمة من جراء عدم التزامها بمستويات التخصيب المنصوص عليها في الاتفاق السابق، التي لا تزيد على 3.67%، وها نحن نرى الحديث من خامنئي إلى روحاني يتصاعد عن تخصيب ربما يصل إلى نسبة 60%.

عطفا على ما تقدم، فقد بدأت إيران إنتاج اليورانيوم المعدني، كما أعلنت عن ذلك الأيام القليلة الفائتة، ويوما تلو الآخر تبدو وكالة الطاقة الذرية في مأزق من جراء الكشف عن الخروقات الإيرانية الجديدة المتعلقة بظهور آثار اليورانيوم المخصب في مواقع ومواضع مختلفة، ناهيك عن السرية المثيرة لكل ما هو سلبي من حول موقعي نطنز وفورود القائمين في عمق أعماق الجبال.

من يثق في طهران، وهي تتلاعب بفتاوى تحريم السلاح النووي؟! ولم يكن الأمر غائبا عن أعين العالم من قبل، فالتقية هي ديدن القيادات الإيرانية. ولهذا لم يكن غريبا أو عجيبا أن يصرح دبلوماسي إيراني، شغل رتبة عميد في الحرس الثوري الإيراني، بأن الفتوى الخاصة بتحريم حيازة السلاح النووي، هي فتوى متحركة، أي يمكن تغييرها وتبديلها بحسب ما تقتضيه الأحوال، لا سيما إذا مضى الأمريكيون والصهاينة على حد تعبيره فيما يمكن أن يضر مستقبل برامج إيران العسكرية.

تبدو الثقة في إيران منقطعة من جراء ما هو واضح أمام الأعين، قبل الحديث عما هو كامن وسط المغائر وشقوق الأرض، فقد سخرت مليارات أوباما للإنفاق على برامج صاروخية إيرانية مزعجة، آخرها المنظومة الردارية التي تحمل اسم “بمهن”، بالإضافة إلى مقر القيادة “ذاتي الحركة”.

والشاهد أنه ليس سرا أن إيران تحاول تعويض القصور الهائل في قواتها الجوية، من خلال حيازة برنامج صاروخي باليستي، أضحى مهددا ليس فقط لأمن دول المنطقة، بل لأوروبا، وعما قريب لأمريكا. وها هي تمضي في برامجها للصواريخ الفضائية، تلك التي تحمل اليوم أقمارا اصطناعية، وعما قريب يمكن أن تستبدلها برؤوس نووية، وهو سيناريو متوقع من العارفين ببواطن الأمور.

انعدام الثقة في إيران تعكسه برامجها الخاصة بتطوير بحريتها العسكرية، تلك التي درجت على الهزائم في كافة المواجهات العسكرية طوال عقود، وأشهرها موقعة “براينغ مانتيس”، في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، حين دمرت البحرية الأمريكية نصف الأسطول الإيراني، وقد كانت تلك الموقعة سببا رئيسيا في تصريح الخوميني الأشهر عن تجرعه كأس السم.

جاءت مليارات أوباما لتتيح للإيرانيين تجديدا شاملا لبحريتهم والسعي لزيادة عدد قطع أسطولهم البحري، بهدف واضح كالشمس في ضحاها، هدف موصول بالمزيد من فرض الهيمنة والسطوة في مياه الخليج العربي. وقد بلغ بهم الغرور ذات مرة للتصريح بالرغبة في الوصول إلى ما وراء المحيطات. أما المحاولات الإيرانية القائمة والقادمة في البحر الأحمر فحدث عنها ولا حرج.

خلال الأعوام الخمسة التي أعقبت الاتفاق النووي الإيراني، عملت طهران على تعزيز أسطولها البحري، وأعلنت أخيرا عن إطلاق حاملة طائرات صغيرة وعدد من الزوارق المزودة بالمعدات العسكرية والطائرات المسيرة المطورة في البلاد.

ولأن الحرس الثوري الإيراني هو صاحب الكلمة الفصل على البر، لهذا رأيناه كذلك يسعى في البحر؛ إذ يملك أكثر من 1500 زورق سريع مصممة للهجمات الاحتشادية السريعة في المياه الساحلية الضحلة للخليج العربي.

لا يثق أحد في إيران، وهي صاحبة اللجان الإلكترونية من “الهاكرز”، الذين يسعون للنفاد إلى العمق لسرقة أسرار الدول والمؤسسات، ناهيك عن إيقاع الخسائر الكبرى بالآخرين في العالم السيبراني.

ما الذي تريده طهران من إدارة بايدن؟

من غير تهوين أو تهويل، يبدو المشهد واضحا للأعين، فسحة جديدة من الوقت، واتفاق هزلي هلامي، يوفر للإيرانيين مليارات الدولارات مرة أخرى، وحماية لمنشآتهم النووية، وفي الأثناء تغزل طهران على حبال المتناقضات، ما بين أوروبا وأمريكا من جهة، وما بين الكتلة الآسيوية وفي مقدمتها الصين وروسيا من جهة أخرى، وعند لحظة لن تطول باعتراف مسؤولي الأمن القومي الأمريكي سيصحو العالم على قنبلة إيران النووية الأولى أو قنابلها إن شئت الدقة.

ربما يثق العم بايدن فقط في إيران غير عابئ بأكلاف تلك الثقة في الحال، وإن دفعت واشنطن ثمنها من نفوذها الدولي في الاستقبال، والليالي حبلى بالمفاجآت.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى